الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أوروبا في حرب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقول واحد أوروبا تعيش- الآن- حالة حرب، والتقلصات السياسية والأمنية والمزاجية والثقافية التي تعتريها، تخبرنا بأن الحرب لا تلوح في الأفق، وإنما القارة العجوز في قلبها اللحظة الراهنة.
وبالطبع فقد تغير شكل الحرب (كونياً) فلم تعد حرب الدبابة والغواصة والقاذفة الثقيلة، وإنما باتت تعتمد الإلكترونيات والحرب النفسية والدعاية السوداء، والأسلحة الخفيفة، وقوات الانتشار السريع، والدرونز (الطائرات بدون طيار)، والمقاتلات القاذفة الخفيفة.
مواجهة الإرهاب تأخذ هذا الشكل من التدرع والاحتماء بمنظومات الحرب الجديدة.
ولذلك لم أندهش- أبداً- حين وجدت الحرب الإلكترونية هي الملمح الأساسي فيما يسمي (الحرب العالمية الثالثة) والتي بدأت طلائعها تزحف بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية في تطبيق عملياتي لأفكار (العدو البديل) التي أطلقها برنارد لويس، وقد رأت أن الحرب علي (الإرهاب) هي التي ستحل مكان الحرب علي (الشيوعية).
ولاحظت- في هذا الإطار- ما طرأ علي تغيير عقيدة حلف الناتو في مطلع التسعينيات، وكذلك ما أخبرني به خافيير سولانا الأمين العام الأسبق للحلف ونشرته في الأهرام عام 1997، ويتعلق بإنشاء قوة (اليوروفور) أو القوات البرية سريعة الإنتشار، و(اليوروميرفور) أو القوات البحرية الخفيفة والفعالة بين فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال ومهمتها الأولي هي مواجهة الإرهاب سواء بالتصدي للهجرات غير الشرعية التي تحمل الإرهاب إلي أوروبا، وكذلك الهجمات الإرهابية المباشرة التي يقودها العائدون من اليمن (كما حدث تشارلي إبدو)، أو العائدون من جيوب داعش في سوريا.
وأجمل ملاحظاتي علي المشهد الأوروبي في الحرب علي الإرهاب في النقطتين التاليتين:
• أولاً: تسعي معظم الدول الأوروبية إلي فرض قيود علي عناصر الإرهاب عبر الشبكات الإليكترونية وروابط التواصل الإجتماعي وذلك بالوسائل التالية: الإتصال بشركات تويتر وفيس بوك ويوتيوب ومحاولة الوصول معها إلي اتفاقات يمكن بها مراقبة شبكات الاتصال ذات الصلة بالإرهاب وجمع المعلومات عنها- والوسيلة الثانية هي التشويش والهجمات الإليكترونية وليس عندي دليل علي أهمية ونجاعة تلك الوسيلة من الاحتفال الضخم الذي أقامته داعش- منذ شهور- بانضمام الهاكر البريطاني (الباكستاني الأصل) حسين جنيد صاحب القدرة الكبيرة في اختراق حسابات البنوك والشخصيات الكبيرة التي وصل فيها إلي رئيس وزراء بريطانيا نفسه- والوسيلة الثالثة هي خلق تيار رأي عام قوي في العالم كله حول خطورة بعض المواقع الإلكترونية وروابط التواصل الإجتماعي، وهكذا فعلت بعض دول أوروبا مؤكدة أن هناك (تهديدًا بالعنف) وحضًا على (ثقافة الكراهية) في مواقع بعينها مما أدى إلى إغلاقها، وكذلك المواقع التي تقوم بالدعاية لمنتجات داعش مثل (التي شيرت) و(الماج) المطبوع عليه شعار التنظيم الإرهابي، والمدهش أن تتبع مثل تلك المواقع قادنا إلي أنها تبث من نفس الدولة القذرة الراعية للإرهاب (تركيا)!- والوسيلة الثالثة هي تعزيز مراقبة العناصر الإرهابية في دول أوروبا سواء عبر أجهزة الأمن الداخلي والخارجي، أو عبر إخضاع بياناتهم ومكالماتهم لرقابة حكومية صارمة مثل ما تقوم به هيئة مراقبة الإتصالات الحكومية البريطانية GCHQ في بريطانيا، أو ما دعت إليه وزيرة الداخلية البريطانية تيريز ماي من ضرورة تمرير قانون بيانات الاتصالات في مجلس العموم، أو ما تسعي إليه بلجيكا من وضع قاعدة بيانات شاملة للإرهابيين والجماعات المتطرفة، فضلاً عن الجهد البريطاني/الأمريكي المشترك الذي تم تدشينه خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني إلي الولايات المتحدة منذ أسابيع بمناسبة الهجوم الإلكتروني علي شركة سوني وإدعاء قيام كوريا الشمالية به، وإهتمام ألمانيا بالملف بعد ما قامت مجموعة اسمها (سايبر بيركوت) الأوكرانية المؤيدة لروسيا باختراق موقع أنجيلا ميركل نفسها- والوسيلة الرابعة هي إنشاء مواقع لتقديم المشورة الأمنية ضد (الكراهية الإليكترونية) كما حدث في بريطانيا بإنشاء شركة (كوميونيتي سيكيوريتي ترنت) لتقديم نصائحاً أمنية لليهود الذين صاروا مستهدفين في أكثر من بلد، كمثل ما حدث في بلجيكا مع مهدي نينموش الذي عاد من سوريا ليقترف الهجوم علي كنيس يهودي في بلجيكا مايو الماضي، أو في هجوم عمر عبد الحميد الحسين في فبراير الجاري بكوبنهاجن، أو هجوم أندرس برينج عام 2011 وهو الذي استهدف الحكومة الدانماركية لتسهيلها الهجرة إلي البلاد، أضف إلي ذلك خلية بوت شومون الفرنسية التي قام أعضاؤها الوافدين من اليمن بهجمات تشارلي إبدو في باريس وتوابعها في بوابة فانسيان ومون روج- والوسيلة الخامسة هي محاصرة تأثير الحركات اليمينية المتطرفة التي استشرت في أوروبا رافعة لواء العداء للأجانب، والكراهية لما أسمته (أسلمة أوروبا) لأنها استفزت الإرهاب سواء كانت حزب (الجبهة الوطنية) الفرنسي أو حزب (الإستقلال البريطاني) وحركات (بيجيدا) و(المبادرة من أجل ألمانيا) و(القوميون ضد أسلمة أوروبا) وهي- جميعاً- حركات ألمانية- وخامساً: التدخل الأمني المباشر لإغلاق مواقع، خاصة وأن هناك من الدول من يفعل ذلك إعتماداً علي عدم وجود تقنين دولي لعمل تلك المواقع اعتمادا علي برتوكولات الشركات القائمة بالبث فحسب، مثل تركيا التي تغلق المواقع المناهضة لأردوغان، أو إيران التي أغلقت (إيران لاين) و(تانجو) و(واتساب) لنشرها ثقافة ضد الدولة الإيرانية.
• ثانياً: لما كانت الحرب العالمية الثالثة علي الإرهاب تقتضي التركيز علي الوسائط الإليكترونية، فإن صناعة السلاح وهي ركيزة هامة لإقتصاديات الدول الأوروبية باتت تحتاج سوقاً لتصريف منتجاتها، وبخاصة مع وجود عدد كبير من الدول الوطنية تحتاج إلي نوع مغاير من التسليح في مواجهة (هدم الدولة) الذي ربما يصل إلي الغزو الشامل.
ومن هنا فقد صاحب تغيير نوع التحدي الأمني والإستراتيجي الذي يواجه أوروبا، تركيز علي السلاح للدول الوطنية الواقعة في حزام الإرهاب سواء في جنوب المتوسط والصحراء الكبري أو في الشرق الأوسط بعامة.
وتعتبر روسيا استثناء من كل استثناء لأنها تواجه كل أنواع الأخطار معا سواء (الإرهاب) في غرب الأورال والشيشان، أو محاولة (هدم الدولة) التي صاحبت انتخابات بوتين الرئاسية من خلال منظمات المجتمع المدني والتمويل الخارجي والإدعاء بتزوير الانتخابات ونفس المسلسل المقرف الذي خبرناه في مصر، ثم إنهم يواجهون الخطر الثالث وهو الحرب التقليدية من خلال التضاغط العنيف في أوكرانيا، والذي لم تحاصره تماماً اتفاقية مينسك بين الرباعي النورماندي (ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا)، وقد بلغ ذلك التضاغط آفاقاً جديدة من خلال العقيدة الدفاعية المحركة لروسيا التي تتحدث بوضوح عن مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية بالقوة، وكذلك من خلال تهديد موسكو بإلغاء إتفاقية الحد من الأسلحة الإستراتيجية.
هذا كله ..
هذا كله يدفع روسيا الآن إلي تغييرات نوعية في منظوماتها التسليحية، وكذلك إلي التعاون العسكري مع عدد من الدول الوطنية الحليفة التي تواجه أخطاراً، وهو ما يظهر في زيارات وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إلي نيكاراجوا ونيودلهي ومباحثاته مع وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، فضلاً عن التصريح شديد الدلالة لتورتكوف رئيس شركة (ميج) الروسية بأن موسكو مستعدة لتزويد مصر بالميج- 35، وأنها ستسلم قريباً إلي القاهرة صفقة الميج- 29 المتفق عليها.
ومن جانبها فإن فرنسا وقد عقدت صفقة (رافال) الشهيرة إلي مصر والتي تضم 24 طائرة، راحت تتعاقد علي توريد كميات أخري من ذلك النوع الفريد من الطائرات إلي مجموعة من دول الشرق الأوسط، فضلاً عن الطراد الفرنسي الذي إشترته مصر، وكذلك حاملت طائرات الهليكوبتر من طراز (ميسترال) اللتين اشترتهما روسيا من باريس، ثم تجمدت الصفقة ضمن العقوبات الغربية علي موسكو بسبب أوكرانيا، وهو ما ينتظر التحلحل منه بعد اتفاق مينسلو، وإن كانت التصريحات الصادرة عن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تنفي ذلك تحت الضغط شعور كاسح بأن بوتين انتصر في تلك الاتفاقية.
وأمامنا- في ذلك الإطار- خيبة أمريكية قوية إذ تبدو تلك الدولة فشلت في التركيز علي متطلبات الحرب الجديدة علي الإرهاب وآية ذلك التدخل المزعوم لكوريا الشمالية ونجاحها في اختراق منظومة شركة سوني والتسبب في حالة هائلة من الفوضي.
ومن جهة أخري فإن السياسات الأمريكية الحمقاء والتي تورطت في إستراتيجية بلهاء وغيرت ذات جدوي في مساندة الإخوان الإرهابيين، ومحاولة حشرهم- عسفاً- في العمليات السياسية في عدد من الدول الوطنية في منطقة الشرق الأوسط إثباتاً لفروض النظرية الخائبة التي تقول: (إن صعود ما يُسمي الإسلام المعتدل إلي سُدة الحكم يؤدي إلي دعم الديمقراطية واستقرار النظم وتحقيق المصالح الأمريكية) وقد أفضي ذلك بواشنطن إلي فرض عقوبات علي بعض الدول الوطنية في المنطقة بحجب المعونات العسكرية وتوريد السلاح المتضمن في تلك المعونة كإحدي الآليات التي تستخدمها أمريكا في الضغط علي الدول الوطنية وكسر إرادة الشعوب وتغييرها علي نحو يحقق الغرض في (التمرين المشهور بلغة الرياضيات) الذي تريد واشنطن إثباته.
ومن هنا جمدت واشنطن فلوس المعونة العسكرية إلي مصر بعد ثورة 30 يونيو العظمي التي أجهضت مشروع الشرق الأوسط الكبير، وجمدت تسليم صفقة الأباتشي مع تصعيد الشعور المصري- كل أسبوع- بالحديث عن أنها سوف تقوم بتسليمها بعد أيام، وكذلك صفقة مقاتلات إف-16.
وبالطبع تسبب ذلك في توقف خطوط إنتاج بشركتي لوكهيد مارتن كورب التي تنتج إف-16، ولوكهيد ديناميكس تورب التي تنتج دبابات أبرامز، وهما من مقاولي الجيش الأمريكي، وبما قد يؤدي إلي تسريح بعض العاملين أو إعادة تدويرهم في خطوط إنتاج أخري.
وفوق ذلك فقد أدت السياسات الأمريكية المروعة في غبائها إلي عصبية شديدة عند الإدارة (المكتب البيضاوي في البيت الأبيض) والكونجرس (في مجلسي الكابيتول اللذين يسيطر عليهما الجمهوريون) وبخاصة والجميع يشاهدون القيصر الروسي فلاديمير بوتين وهو يسير في ركب من جياد الحرس الجمهوري المصري في قصر القبة وينال إستقبالاً أسطورياً، وكذلك الإستقبال الدافئ والحميمي لجون إيف لودريان وزير الدفاع الفرنسي في القاهرة لحظة توقيع عقد رافال والطراد والصواريخ الفرنسيين، وبما دفعت كاي جرانجر رئيس اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية في مجلس النواب إلي تهديد أوباما بوقف الموافقة على المساعدات العسكرية عموماً إن لم يفرج عن صفقة مصر وصفقات دول أخرى، والتي تم تجميدها عبر (قرارات سياسية بمشورة إدارته)!!
يعني الولايات المتحدة فشلت في توجيه صناعاتها العسكرية إلي التجاوب الإلكتروني مع الأخطار الإرهابية الجديدة، كما فشلت في سباق تسويق أو بيع السلاح التقليدي، وكانت مصر .. مصر بالذات هي ساحة إعلان هزيمة واشنطن، وعامل تأثير أساسي في (حرب أوروبا) سواء بالمواجهة المباشرة التي تقودها ضد الإرهاب أو بسعيها لتلبية إحتياجاتها من السلاح التقليدي في كل مكان تستطيع الوصول إليه.