الجمعة 04 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

التمويل السياسي الأجنبي في إسرائيل يشعل انتخابات الكنيست

 الكنيست
الكنيست
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عقدت معركة انتخابات الكنيست التي ستجرى في السابع عشر من مارس المقبل، من الوضع السياسي في إسرائيل وغلفته بالضبابية وسط صراع عنيف دب في كل اركان النخبة السياسية هناك عقب بروز قضية التمويل السياسي المشبوه القادم من الخارج، وهي القضية التي تصاعدت وتيرتها وعلت من أصداء صليل تراشقها داخل أركان المؤسسات الأمنية والسيادية في هذا البلد القابع داخل الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948.
وفى ضوء ذلك تتداخل الأوراق في دائرة الحكم بإسرائيل قبيل الانتخابات بعدما انشغلت الساحة السياسية بأكملها بتدحرج كرة الاتهامات بين المعسكرين المتنافسين (اليمين القومي واليسار الصهيوني) بتلقي أموال مشبوه من الخارج.
والقانون في إسرائيل يحدد عملية التمويل للكيانات والأحزاب السياسية خلال العملية الانتخابية، حيث يمكن للأحزاب أن تحصل على أموال من الدولة فقط إضافة إلى تبرعات صغيرة من أفراد يجب الكشف عن هويتهم.
ويروي الدكتور ألون ليئيل وهو من مؤسسي جمعية "مساواة" التي تحارب مظاهر العنصرية والفصل العنصري (أبارتهايد) في إسرائيل بأن "هناك أموالا أجنبية تدخل إلى إسرائيل للتأثير على الرأي العام هناك من قبل جميع الأطراف. يهود أغنياء من خارج إسرائيل يريدون التأثير على ما يحدث في دولة اليهود المحببة على قلوبهم، من الناحية السياسية أيضا وليس فقط من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية".
ولكن الجدل بشأن التمويل الاجنبي في إسرائيل بدأ يظهر بقوة بعدما تحدث حزب الليكود عن أن رجلي الأعمال اليهوديين الأمريكي دانيال إفراهام والمكسيكي الأمريكي دانييل لوفيتسكي يدعمان غريم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اسحاق هيرتسوج زعيم "المعسكر الصهيوني"..في مقابل اتهام وجهه المعسكر المناوئ (تسيبي ليفني وهيرتسوج) بأن الملياردير الأمريكي شيلدون إيدلسون يمول نتنياهو بشكل مستتر عبر جريدة "يسرائيل هايوم" التي تدعم نتنياهو بشكل واضح.
يأتي ذلك في وقت اتسعت فيه دائرة الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو وأفراد أسرته لاسيما بعدما أعلنت القناة العاشرة في التليفزيون الإسرائيلي بأن النائب العام في إسرائيل يهودا فاينشتاين سيعقد اجتماعا خاصا مع كبار المستشارين في النيابة للنظر في فتح تحقيق ضد نتنياهو بعد تقرير مراقب الدولة يوسف شابيرا بشأن مصاريف منزلية وبعد تصريحات المسئول عن خدمات منزل نتنياهو ميني نفتالي الذي تم استجوابه مؤخرا من قبل الشرطة الإسرائيلية.. وهي الاتهامات التي قال عنها نتنياهو بأنها إعلامية ضمن مخطط يهدف إلى إسقاطه، منتقدا بشدة نونى موزيس مالك جريدة "يديعوت احرونوت" وموقعها الإلكتروني "واينت" ؛ وهو سلوك فسره البعض بأنه جاء لرفع أسهم صحيفة "إسرائيل هيوم" المؤيدة بشدة لنتنياهو على حساب "يديعوت احرونوت" بعدما راجت أعدادها على الطرقات في إسرائيل بسبب الحملات التي تقودها الأخيرة بحق نتنياهو.
وقبل سنوات اندلعت حرب كلامية بعدما ساهم نتنياهو من وراء الكواليس لتأسيس صحيفة "يسرائيل بيتنا" بدعم مالي سخي من صديقه الثري اليهودي الأمريكي شيرالد إديلسون. وما لبثت هذه أن أصبحت "يسرائيل هيوم" الصحيفة الأكثر رواجا في إسرائيل لا سيما أنها توزع مجانا مما تسبب بتراجع مطبوعات بقية الصحف خاصة "يديعوت أحرونوت" التي كانت رائدة الصحف العبرية والأكثر رواجا، غير أنها سرعان ما نشرت عدة تحقيقات ناقدة لنتنياهو وزوجته مما جعلها تستعيد مكانتها مرة أخرى.
المال السياسي الموجه في إسرائيل
برزت قضية التمويل السياسي الموجهة من الخارج وسط الانتخابات في إسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي بقوة حيث بدأت مع منافسة نتنياهو لشيمون بيريس، بعد اغتيال رئيس الحكومة إسحاق رابين في عام 1995. وقتها دخل التمويل الأجنبي للانتخابات الإسرائيلية من أوسع أبوابه.
كما أن عام 1998 والقضية التي اجتزأت مساحة واسعة من الرأى العام والمتعلقة بقيام زعيم حزب العمل اسحاق هرتسوج (حيث كان يعمل وقتها محاميا) بدور بارز فيما عرف بـ"جمعيات باراك".. وقدر عدد الجمعيات التي كانت تتلقى تمويلا أجنبيا من مصادر خارجية ولها علاقة بإيهود باراك وتدعمه في الانتخابات قى مواجهة نتنياهو نحو 18 جمعية أصدر فيما بعد عميرام جوبتة مسجل الجمعيات في إسرائيل توصية بحل ثلاث من هذه الجمعيات لقيامها بإنفاق ما يزيد قيمته عن 2.4 مليون دولار لصالح المعركة الانتخابية لايهود باراك خلال عام 1999.
إحدى هذه الجمعيات عرف باسم "كوبد" ويقودها شخص يدعى دورون كوهن ويرتبط بعلاقة نسب مع باراك وكانت مسجلة باعتبارها جمعية خيرية لتشجيع الديمقراطية، وصرفت مبلغ مليون و740 ألف دولار على استطلاعات الرأي التي اجراها مكتب باراك في تلك الانتخابات.. وكان هناك أيضا جمعية "شعب واحد، تجنيد واحد"، التي عملت على تحقيق المساواة في الخدمة العسكرية وفرض الخدمة أيضا على الشباب المتدين، طبعت عدة منشورات لصالح باراك، وبلغت مصاريفها هذه 330 ألف دولار، وجمعية أخرى رفعت الشعار "فقط لا لنتنياهو" وصرفت 550 ألف دولار. وكان يرأسها سكرتير حكومة باراك إنذاك، وغريم نتنياهو في هذه الانتخابات اسحاق هرتسوج.
وترصد إحصاءات نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن 53 % من الأموال التي وصلت إلى السياسيين الإسرائيليين خلال عامي 2010 و2011 جاءت من رجال أعمال وكيانات اقتصادية خارج إسرائيل، وكشفت حجم الدعم المالي المقدم إلى العديد من قادة الأحزاب لخوض الانتخابات الداخلية.
وكشفت الإحصاءات وقتها أن نائب رئيس الحكومة الإسرائيلي "موشيه يعالون" تلقى خلال العامين الماضيين 113 ألف شيكل بنسبة 100% من الخارج، في حين تلقى رئيس الحكومة نتنياهو 1.2 مليون شيكل بنسبة 96.8% من دعم خارجي.
فيما حصلت "ليمور لفنات" من الليكود على 192 ألف شيكل بنسبة 94% من الخارج، و"آفى ديختر" ليكود320 ألف شيكل بنسبة 88% من الخارج، و"شاؤول موفاز" كاديما، 1.5 مليون شيكل بنسبة 67% من الخارج، "تسيفى ليفنى" 1.6 مليون شيكل بنسبة 58% من الخارج، عمير بيرتس من حزب العمل 1.3 مليون شيكل بنسبة 42% من الخارج، يائير لبيد “يوجد مستقبل” 132 ألف شيكل بنسبة 40% من الخارج.
وفى عام 1999 تم الكشف عن فضيحة تتعلق بقيام عومري شارون نجل رئيس الوزراء ارييل شارون بتأسيس شركة باسم "انيكس ريسيرتش" جمعت مساهمات من شركات في إسرائيل والخارج قاربت قيمتها الإجمالية ستة ملايين شيكل (4، 1 مليون دولار)، أي ما يفوق ستة اضعاف الحد الأقصى الذي يجيزه القانون. واستخدمت هذه المبالغ لتمويل حملة ارييل شارون للانتخابات التمهيدية في حزب الليكود..وبعد فوز شارون في تلك الانتخابات الحزبية عين مرشحا عن الليكود للانتخابات وحقق فوزا كاسحا حمله في فبراير 2001 إلى رئاسة الحكومة.
تدحرج كرة شبهات المال السياسي
ويحيل اليمين "القومي" الإسرائيلي الاتهامات إلى قوى اليسار بالاعتماد على تمويل اجنبي (معاد للصهيونية) وصناديق وهيئات أمريكية وأوربية من أجل "نزع الشرعية" عن إسرائيل وتغيير الحكومة هناك من خلال إسقاط نتنياهو.. في وقت كشفت فيه تقارير حديثة أن نتنياهو وقادة بحزب الليكود تلقوا أموالا ضخمة من أجل إنفاذ الليكود في الكنيست القادم بمقاعد تسمح له بتشكيل الحكومة.
ويتهم مسئولو حزب الليكود بأن هناك حملات تقودها منظمات أمريكية وأوربية ضد بقاء نتنياهو والليكود بشكل عام في السلطة بإسرائيل، وركزت اتهامات الليكود على قيام الولايات المتحدة بضخ تمويلات ضخمة باتجاه المعسكر الصهيوني المناوئ له من خلال منظمات أمريكية يسارية تعمل داخل إسرائيل وتتلقى تمويلا من واشنطن وبعض الدول الغربية، ومنها منظمة (Victory 2015 ) أو (V 15 )، التي قامت بإطلاق الكثير من الشعارات والدعايات التي طالت الليكود ونتنياهو.
وتقدم الليكود بشكوى إلى لجنة الانتخابات المركزية مطالبا بوقف حملات دعائية لمنظمات "النصر 2015" و"مشروع الـ61 (61 صوتا في الكنيست لحكومة بديلة من نتنياهو)"، مدعيا بأن "هذه الحملات حزبية وسياسية وتقوم بدعاية انتخابية خفية، مما يعني أنها غير قانونية ومضللة للجمهور". ولكن سرعان ما تراجع وسحب طلب الاتهام في خطوة فسرتها تلك المنظمات بأنها "بائسة وانتهت بتراجع محرج".
(v 15 ) الرقم الصعب في معادلة نتنياهو الانتخابية
وتركزت لائحة اتهام الليكود على منظمة (v 15 ) التي تقول على موقعها الإلكتروني أنها "حركة أسسها شباب إسرائيليون،، بدافع الشعور بضرورة انتشال إسرائيل من الواقع المحبط، ونقلها إلى واقع جديد"، كما تقدم الحملة نفسها بأنها "لا تحمل أي توجهات، ولا تعمل لصالح أي حزب سياسي، ولكن هدفها "الأسمى" هو تغيير رأس السلطة لصالح جميع المواطنين".
وتتعاون جمعية (v 15 ) مع منظمة أمريكية تدعى "صوت واحد" والتي أسسها رجل الأعمال (الأمريكي - المكسيكي) "دانيال لوبيتسكي" في عام 2002، الذي حضر اسمه بقوة في هذا التراشق.
وأفاد موقع "صوت واحد" على شبكة الإنترنت بأنه ضمن "مجلس المستشارين الفخريين" لجمعية (v 15 ) سياسيون إسرائيليون من حزب العمل مثل المرشحين في الانتخابات الحالية داني عطار ويوئيل حسون إضافة إلى عضو الكنيست السابقة عن حزب العمل كوليت أفيطال وعضو الكنيست السابق إفرايم سنيه.
وتمول وزارة الخارجية الأمريكية منظمة "صوت واحد" التي تتشارك نفس المكتب مع (v 15 ) في تل أبيب. وتدعى "صوت واحد" الأمريكية أن الأموال التي حصلت عليها من الخارجية الأمريكية لا تستعمل لتمويل V15 إلا أن عضو مجلس الشيوخ "تيد كروز" وعضو مجلس النواب "لي زيلدين" يشككان بعكس ذلك وطلبا من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري توفير أدلة تشير إلى أن أموال الضرائب الأمريكية لا تستخدم للتأثير على نتيجة الانتخابات القريبة في إسرائيل.
"نحن أعضاء V 15 فقط لأن إسرائيل في حاجة إلى رئيس حكومة ينصت لصوت المواطنين".. هكذا سطرت الجمعية بيانها في حملة واسعة لإسقاط نتنياهو في الانتخابات المقبلة وبدأت الحملة بنشر عشرات المتطوعين في أنحاء إسرائيل أخذوا يتنقلون من باب إلى آخر لإقناع الناخبين وجها لوجه، ويعملون تحت قادة مركزيين يتلقون رواتب من الجمعية". وتهدف حملة الجمعية إلى الوصول لأكثر من 150 ألف منزل حتى يوم الانتخابات.
وتمثل جمعية (v 15 ) الرقم الصعب في معادلة الليكود بصفة عامة في انتخابات الكنيست القادمة، وطوال الفترة الماضية قادت مستويات من التنسيق مع حملات وجمعيات منها جمعية "إقصاء 2015" التي تعلن هذا بشكل رسمي، على صفحتها في "فيس بوك"، بأن هدفها هو إسقاط نتنياهو في الانتخابات.
وقد كشف دانيال ابراهام مؤخرا أنه "تبرع بملغ كبير لا يعرف قدره، لجمعية V15 على اعتبار أّنه يمنح كل قلبه لإسرائيل وللشعب اليهودي بكل الطرق والوسائل المتاحة أمامه". وقال أبراهام في لقاء صحفي: "أقدم المساعدة لأنني أريد أن تبقى إسرائيل دولة يهودية، ديمقراطية فخورة بنفسها ومستقلة وليست نصف يهودية ونصف عربية" على حد وصفه.
في حين ينشط في هذا المجال أيضا تنظيم في إسرائيل يحمل اسم "مشروع 61" التابع لمعهد "مولاد" وهذا المشروع يهدف إلى 61 صوتا في الكنيست لحكومة بديلة عن نتنياهو.وهناك أيضا حملة أخرى باسم "مليون يد"، تدعو أيضا إلى "استبدال سلطة نتنياهو".
إلى جانب ذلك هناك جمعية تدعى "قادة من أجل أمن إسرائيل"، وتضم عشرات المسئولين الأمنيين السابقين من بينهم الجنرال (احتياط) دان حالوتس، ورئيس الموساد سابقا تسفي زمير.
وتفيد التقارير الواردة من إسرائيل بأن المسئول عن الحملة الانتخابية لأوباما خلال عام 2012، جيرمي بيرد، زار إسرائيل مؤخرا، برفقة طاقم يضم أربعة مستشارين أمريكيين، للمساهمة في حملة جمعية ( v 15) من أجل تغيير عملية انتخاب نتنياهو.. وهو ما يظهر حجم المأزق والتوتر الذي يشوب العلاقة بين إدارتي نتنياهو وأوباما.
وفى مقابل ذلك قام نتنياهو بتوظيف فنسنت هاريس وهو إستراتيجي أمريكي لتعزيز حملته الانتخابية...وهاريس هو إستراتيجي تابع للجمهوريين الذين يشكلون الداعم الرئيسي للرئيس الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وعمل في الماضي مع السيناتور تيد كروز، أكثر المعارضين للرئيس الأمريكي باراك أوباما. وكروز هو سيناتور جمهوري عن ولاية تكساس، وحقق شهرة واسعة خلال الفترة الأخيرة بسبب معارضته لأوباما وسياساته الداخلية والخارجية، حتى أصبح أحد نجوم التيار المحافظ في الولايات المتحدة.
وفى ضوء ذلك تبدو الانتخابات متداخلة ومعقدة وأكثر سخونة وسط أجواء إقليمية تلفها الضبابية، وتبقى إدارة أوباما تراوغ مكانها في هذه الانتخابات المهمة في انتظار الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي في الثالث من مارس المقبل.