تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
جاء إلينا بعد ترشحه لانتخابات مجلس الشعب، وقتها نصحه الراحل أبوالعز الحريري بمقابلة الدكتور إبراهيم السايح مسئول التجمع في دائرة المنشية والجمرك، وبعد أقل من عشر دقائق أدرك السايح أنه أمام موهبة فذة، وبدأت حكاية الراحل الجميل جلال عامر.
كنا نستعد لإصدار صحيفة التجمع التي شرفت برئاسة تحريرها، وكتب عم جلال عمود مميز بعنوان "جلاليات"، تحول بفعل موهبته الطاغية إلى صفحة كاملة بعنوان "صباح النور"، كانت الصفحة أهم مايميز صحيفة التجمع، وصنع عم جلال شخصيات من لحم ودم مثل الباتعة الكيكي والصول خميس عبر من خلالهما عن وجهة نظره في كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصرية، وكان يوم إصدار الصحيفة هو يوم فرح حتى أن عم جلال كان ينتظرها فجرا عند مسئول التوزيع في محطة مصر.
كان عم جلال دائم التريقة على أي موضوعات لاتعجبه وحتى المحررين، ولم يسلم رئيس التحرير، حيث اتهمني بمحاباة بعض الزميلات وفرد موضوعاتهم، وكان له مسرحية شفوية على طريقتي في إدارة الجريدة يختتمها بدخول محررة ومعها موضوع، ودون قراءة أحييها وأقول لها في الدوبل ياست الكل.
كانت صحيفة التجمع جريدة فقيرة تعتمد على كتيبة من المحررين المتطوعين وكنت عضو النقابة الوحيد في الجريدة، ولكن عم جلال رضي أن يكتب مجانا خلال سنة كاملة حتى تقرر له مكافأة 150 جنيها في السنة الثانية من الصدور، صفحة كاملة ب150 جنيها بينما حصل على 15 ألف جنيه من كتابة عمود في الصحف المستقلة.
كانت ميزة التجمع أن الكتابة فيها دون قيد أوشرط، وهو ماجعل عم جلال يتصدر المشهد.
ومن الغريب أن من كتب تعريف عم جلال في الموسوعة الحرة قد أسقط أهم فترة في حياته الصحفية الخصبة، صحيفة التجمع.
بعد غلق جريدة التجمع لظروف مالية، انتقل عم جلال للكتابة في جريدة البديل وبعدها إلى المصري اليوم، تألق كعادته، لكن الكتابة كانت بحساب .
ورغم كل ماكتبه جلال عامر، فإن أروع منه كان في حكاياته على مقهى الهندي في ميدان المنشية بالإسكندرية. وهى حكايات لم يمهل الزمن عم جلال لكتابتها، كانت حياته غنية وثرية إلى أبعد الحدود، في حارة اليهود التي شهدت مولده وطفولته ومراهقته وشبابه، أو ذكريات القوات المسلحة التي عمل بها ضابطا محترفا خلال ثلاث حروب ضد إسرائيل.
تقول الموسوعة الحرة عن كتابه "مصر على كف عفريت" وهو صادر عام 2009 وصدرت منه طبعات عديدة، إنه محاولة لبحث حالة وطن كان يملك غطاء ذهب فأصبح من دون غطاء بلاعة، لماذا وكيف؟ فقد بدأت مصر «بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسئول يتولى منصبه يقسم بأنّه سوف يسهر على راحة الشعب، من دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ في مصر لا يمشي الحاكم بأمر الدستور، بل بأمر الدكتور، ولم يعد أحد في مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتاجاز، فهل مصر في يد أمينة أم في إصبع أميركا أم على كف عفريت»؟.
ويكتب جلال عامر أيضا عن زيارة حسني مبارك إلى قبري جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهى الزيارة السنوية التي كان يحرص عليها، متخيلاً ما الذي يمكن أن يقوله أمام قبر كل منهما، هكذا، سيقول أمام قبر عبد الناصر: «طبعا إنتَ عارف أنا لا عايز أزورك ولا أشوفك بس هى تحكمات السياسة اللعينة، حد يا راجل يعادي أمريكا؟ ويحارب المستثمرين، على العموم ارتاح، أنا بعت كل المصانع إلى انت عملتها، والعمال اللي انت مصدعنا بيهم أهم متلقحين على القهاوي».
وأمام قبر السادات، سيقرأ الفاتحة ثم يمسح وجهه وينصرف.
هذه الأيام تمر الذكرى الثالثة على رحيل الكاتب الفذ جلال عامر، والسؤال بماذا كان سيعلق على المشهد العبثي الحاليإ اذا ماعاد للحياة، أغلب الظن أنه سيعود مرة أخرى إلى المقابر دون كلمة واحدة.