مازال يُنظر لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها التيار الأكبر والأكثر تأثيرًا وتنظيمًا في الحياة السياسية المصرية، وهو أيضًا التيار الأكثر ثراء وتنوعًا في استخدام إستراتيجيات مختلفة ومركبة تبعًا لظروف كل عصر، بحيث نجحت في الاستمرار رغم المحن والأزمات التي مرت بها. ودخلت الجماعة في صدام قاس مع السلطة الناصرية، وعانى أعضاؤها من ويلات السجون والمعتقلات، كما فرضوا على أنفسهم سياجًا من العزلة، والانسحاب من المشاركة في الحياة السياسية طوال عهد الرئيس السادات، الذي أفرج عنهم في بداية حكمه وعاد واعتقلهم في نهايته. وقد اتسمت علاقاتهم مع نظام الرئيس مبارك بالشد والجذب تارة والتناغم العضوي تارة أخرى، فهي لم تكن علاقة ملاحقات أمنية مستمرة كما يصورها البعض، ولكن كان فيها العديد من الصفقات في الانتخابات البرلمانية وغيرها.
بناء على المحددات التى زكرناها فى المقالات السابقة، هناك أربع سيناريوهات لمستقبل جماعة الإخوان في مصر، تقع جميعها على خط مستقيم واحد، ولكنها على طرفي نقيض. وقد يستغرق تحقيق أي من هذه السيناريوهات وقتًا ليس بالقصير، ولكنه ليس بالبعيد أيضًا. بمعنى مغاير، ربما يستغرق حل الحزب أو جمعية الإخوان وقتًا يتراوح ما بين العام والثلاث أعوام، ولكن ستحاول الجماعة الحفاظ على نفس المسميات التي اتخذتها واكتسبتها طوال العقود الماضية.
•السيناريو الأول: وهو الخاص بحل الجماعة والإبقاء على الحزب أو العكس. في الواقع إذا خير الإخوان المسلمين بين الإبقاء على الجماعة أو الحزب –تحت وطأة الملاحقات القانونية- فإن الأولوية بدون أدنى شك للجماعة وليس الحزب. ومن الأهمية القول إنه بعد قيام قادة الجماعة بالتصريح بأنها هي التي تقف وراء عمليات العنف في مختلف ربوع مصر، وفي سيناء على وجه التحديد، فقد تقدمت وزارة التأمينات الاجتماعية ببلاغ لحل جمعية الإخوان، وسيكون بالتأكيد مثواها الحل؛ طبقًا لأحكام القانون الذي يحظر على الجمعيات الأهلية تكوين ميليشيات مسلحة. ومن ثم ستحل الجماعة وسيتم الإبقاء على الحزب.
أما إذا حدث اتفاق داخل الجماعة على ضرورة الإبقاء عليها والتضحية بالحزب، فإنه يمكن إلصاق هذه التكوينات المسلحة بحزب الحرية والعدالة، ومن ثم تكون التضحية بالحزب مؤقتًا للعودة مرة أخرى تحت مسمى جديد، على غرار ما كان يحدث في تركيا في التسعينيات من القرن المنصرم.
أما السيناريو الثاني، فقد استمرار الوضع القائم،وكما كان قائمًا قبل ثورة 25 يناير، حيث يقوم هذا السيناريو على الدخول في نفق طويل من الجدل القانونيوالسياسي حول مدى قانونية جماعة الإخوان وحزبها السياسي. وفي ظل وجود نظام دائم للبلاد معادٍ للجماعة ومدرك لخطورتها على تطور النظام السياسي المصري والعربي، فإن الجماعة مستمرة كجماعة دعوية وسياسية تجند أعضاءها وتعلمهم بعض الأفكار السياسية، وتبقى غير مرخص لها بالعمل القانوني، وذلك في حال النص في الدستور الجديد على حظر إنشاء الأحزاب على أسس أو مرجعية دينية، وألا يحدث تغيير في طريقة تعامل النظام الجديد مع الجماعة في اتجاه دمجها كحزب سياسي مدني يلتزم بالدستور والنظام الجمهوري وحقوق المواطنة. ومن ثم، تظل الإشكالية الكبرى لإخوان الألفية الثالثة، وهي عدم نجاحهم (وربما عدم رغبتهم) في الفصل بين الحيز الدينيوالسياسي، بصورة تعتبرهم تنظيمًا سياسيًّا مدنيًّا يسعى بشكل سلمي للوصول إلى السلطة وفق القواعد الديمقراطية، وليس جماعة هدفها إصلاح الناس ودعوتهم إلى التمسك بتعاليم الإسلام، تتصور إمكانية الوصول للسلطة عبر برنامج أخلاقي لهداية الناس، حتى لو استفاد من المؤسسات المدنية الحديثة كالبرلمان والنقابات لتحقيق هذا الهدف الدينيوالأخلاقي.
وقد اعتبر الإخوان أن ترددهم في حسم مسألة “,”الهوية السياسية“,”، يرجع أساسًا إلى عدم قبولهم كتيار سياسيشرعي وفق قواعد قانونية محددة تحكم حركة كل القوى السياسية السلمية، وبالتالي اعتبروا أن مطالبتهم بتمييز خطابهم السياسي عن الديني في ظل واقع سياسي لا يعطيه من الأصل حق الوجود القانونيوالشرعي قضية يسأل عنها الواقع السياسي أولاً، لا الإخوان المسلمون. وقد بدا حرصهم على استمرار هذا التداخل بين الحيز الديني والسياسيوكأنه نوع من “,”الحماية“,” الإخوانية للذات، بتصوير أي ملاحقة لهم وكأنها أحيانًا اعتداء على الإسلام، وفي أحيان أخرى اعتداء على “,”المسلمين المتدينين“,” الذين “,”يعرفون الله“,”؛ مما يساعدهم على اكتساب تعاطف قطاعات من الرأي العام.
وفي ظل هذا الوضع، ستظل الجماعة خارج إطار الشرعية القانونية، بحجة عدم دستورية تأسيس حزب سياسي على أساس ديني، وهو الأمر الذي سيرفضه الإخوان، وسيقومون بالتأكيد على أن حزب الحرية والعدالة حزب مدني، يستند إلى مرجعية إسلامية. وسيبقى المدخل الأمنيوالإداري المدعوم بحملات التشويه والسب والقذف هو السلاح المشهر في وجه الإخوان.