الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"المايل والمعدول" في قصة إزالات أرض مدينة السادات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المصريون يطلبون مساواتهم بـ«الكوايتة» في تقنين أوضاعهم
قضية الـ17 ألف فدان التي قررت الحكومة فجأة تحويلها لمضمار خيول ومدينة للموضة -مش عارف يعنى إيه مدينة للموضة بصراحة- ليست هي القصة.. الموضوع أكبر من ذلك بكثير.. ويكاد يصل إلى حد أن هناك من يضرب الأمن القومى المصرى في العمق.. هذه هي الأزمة.. والأزمة الأكبر أن كل وزارة.. ومدينة.. ومسئول في هذا البلد.. يعمل وكأنه في جزيرة لوحده.. والدليل فيما سنعرضه الآن.
في ديسمبر من عام 2012 كشف الدكتور على إسماعيل وكان وقتها رئيسا لهيئة التعمير والتنمية الزراعية أن من تقدموا لوزارة الزراعة يطلبون تقنين وضع يدهم على أراض استصلحوها بالآلاف، وأن الأرض المطلوب تقنينها تزيد على مليون فدان «نعم مليون فدان».. وأضاف سيادته في تصريحات صحفية.. أن مجلس الوزراء يدرس مشروع قرار بتمليكها لهم بعد ثبوت جدية استصلاحها وزراعتها وتوفر مصادر رى لها.. ثم قال بشكل قاطع وحاسم «لو وافق مجلس الوزراء.. ستكون مشكلة أراضى وضع اليد في مصر قد انتهت للأبد».
هذا هو الرجل الأهم في وزارة الزراعة وقتها.. وهو بالمناسبة لا يزال مسئولا مهما في الوزارة ذاتها.. لكن مجلس الوزراء لم يفعل شيئا.. ليه.. ما حدش عارف؟!
مليون فدان استصلحها المصريون فعلا.. لم تستفد الحكومة منها شيئا.. لأن من استصلح يريد أن يدفع تمنها حتى يستريح.. الوزارة حددت 22 ألف جنيه للفدان.. والفلاحون مستعدون لدفع ما هو أكثر.. لكن الحكومة مش عاجبها.. ليه.. لأن هناك من يريد أن تستمر معاناة الأهالي.. حتى يستفيد.. وهذا هو مربط الفرس.
القوانين العجيبة في مصر تقول إنك لو عايز تتملك أرض.. لازم تثبت جدية.. تثبت إزاي.. تزرع الأرض اللى أنت اشتريتها من البلطجية والأعراب- الملاك الحقيقيون لكل أرض مصر والدكر يكدبني- وبعدين تروح تعمل شبكة ميه.. وتحفر آبار.. كل ده اللى بيوصل على الأقل خمسين ألف جنيه للفدان.. وبعدها تروح للزراعة.. تقدم طلب.. وتدفع ألف جنيه عن كل فدان.. والوزارة تديك إيصال وتبعت لجنة.. واللجنة عشان تروح عايز «نبى يزعق لها».. أو دليل أو واسطة يخليها تتحرك.. وغالبا يبعتوك لمركز استخدامات أراضى الدولة.. ترجع من هناك بورقة تقول إن الأرض تابعة للزراعة.. فالزراعة تقولك هات ورق من الرى والآثار والبترول والتعدين والإسكان والقوات المسلحة.. تقول إن الأرض لا فيها آثار ولا دهب ولا بترول ولا أي حاجة خالص.. وفى كل وزارة يوجد سماسرة لتخليص الأوراق وعشان توصلهم عايز واسطة.. وفلوس.. وحكايات.. وبعد ما تجيب كل ده.. تروح اللجنة تعمل معاينة تانية.. بعدها تقول يا حضرتك جاد.. يا إما بتهزر.. وممكن تفكر الوزارة تديلك عقد «ابتدائي» بعد ما اللجنة تسعر الأراضى لتقول أنت هتدفع كام!! سياسة دوخينى يا لمونة هذه تقر أولا بأن الرجل الذي يريد أن يعمر ويزرع وينتج ليس معتديا على الأرض.. بل هو رجل يحاول إثبات جديته.. لكن وفى الوقت نفسه الحكومة تقيد هذا الرجل قليل الأدب اللى ما اترباش ومش فاهم ألغاز الحكومة.. معتدى على الأرض.. إذا ما طلع في بالها تعمل حملة وتشيله هوه والمسكن بتاعه والمواشى والزرع وعياله لو أمكن ما فيش مانع.. فهو لا يملك أي ورقة تقول بأنه مالك!
هذا هو الحال منذ 30 سنة ويزيد.. والأغرب أن الوزارات في الحكومة الواحدة كل منها تتنازع مع الأخرى على تبعية الأرض.. فمن النكت أن الإسكان عندها أراضى زراعية والتعدين كمان والحكم المحلى أيضا.. فيه أرض اسمها طرح نهر وأرض «تالف» وأرض منافع وأرض أملاك دولة.. كل هذا يحدث في بلد واحد.. ليه ماحدش عارف!
وقصة أرض السادات هي ذاتها قصة أي أرض في بر مصر.. منذ عام 2007 وهناك قرار بنقل تبعية الأرض من الإسكان للزراعة.. جلسات ومحاضر.. جلسات واجتماعات ووقفات احتجاجية ورؤساء حكومات.. جميعهم في النهاية لا يحلون شيئا.. فيما يجىء دستور يجرم الاعتداء على الأرض الزراعية.. يعنى هؤلاء البشر مجرمين.. طب البشر دول راحوا للزراعة قالت لهم الأرض مش تبعي.. إحنا مستنيين مجلس الوزراء يطلع قرار.. فطلع القرار.. رقم ٣٨ بتاريخ ١٩/٩/٢٠٠٧ بالموافقة على نقل تبعية بعض الأراضى الزراعية - الحكومة أهى هية اللى بتقول زراعية خلى بالك- الواقعة في مدينة السادات وبعض الأراضى الواقعة على جانبى طريق وادى النطرون - العلمين بعمق ٥ كم من هيئة المجتمعات العمرانية لهيئة التعمير والتنمية الزراعية وفى جلسة اجتماع ضم ممثلين عن المركز الوطنى والزراعة والرى وغاب مندوب الإسكان.. سجل المجتمعون أن المركز سيقوم بتجهيز إجراءات استصدار قرار جمهورى بذلك.. ولكن ذلك لم يحدث منذ عام ٢٠٠٧ حتى الآن.
الغريب أن خطابا من مكتب وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربى إلى أحد أعضاء مجلس الشعب أكد أنه «جار نقل كل الأراضى الزراعية لهيئة التنمية الزراعية».. لكن الأغرب أن «جار هذه» ما زالت مستمرة من أيام المغربى حتى مصطفى مدبولي.. بس الأغرب أنه لا أحد يعلم من الذي لعب في «جار هذه» وقرر وقف كل هذه الإجراءات التي تمت على مدى ٧ سنوات.. وقرر تحويل الأرض الزراعية إلى مدينة للموضة.. ومضمار للخيول ومشروعات سياحية أخرى لم يحددها المسئول الخفي.. وإن كانت الأوراق التي تحت أيدينا تشير إلى أن الدكتور عادل لطفى مستشار وزير الإسكان في ٢٠١٢ أرسل إلى د. طارق وفيق وزير الإسكان وقتها يؤكد أنه «لم يتم وضع قواعد للتصرف في تلك الأرض لعدم وجود مقنن مائي»، وما يقوله سيادة الدكتور المستشار مفاجأة.. فمن الذي سمح لمجلس الوزراء باستصدار قرار بنقل أرض دون أن يكون لها مقنن مائي.. وكانت فين وزارة الرى التي حضر مندوبها كل جلسات مركز استخدامات أراضى الدولة.. ولماذا صمت مندوب الإسكان طيلة كل تلك الفترة.. ومن الذي ضلل أحمد المغربى ليوافق على نقل تبعية أرض ليس لها مقنن مائى للزراعة.
هذا العبث هو الذي يهدد مشروع الرئيس عبدالفتاح السيسى باستصلاح وزراعة ٣.٨ مليون فدان لتصبح مصر دولة زراعية بجد تملك قوتها.. حتى تستقل بإرادتها.. الدولة الجديدة التي يريد المصريون بناءها هي نفسها دولة محمد على وعبدالناصر وعبدالفتاح السيسى وكل مصرى شريف يعرف أن الله لم يهبنا هذه الأرض لنعبث بها بل لنعمرها.. وهذه الملايين لن نستطيع أن نزرعها بهذا الشكل العبثي.. فالمليون الأول تحتاج إلى ٢٨٠ مليارا.. لا تعرف الحكومة من أين ستأتى بها.. وهذا أمر غريب.. لماذا تبحث الحكومة عن مليارات فيما هناك فلاحون يزرعون الأرض مثلا ومستعدون لدفع ٥٠ ألف جنيه في كل فدان.. يعنى تكلفة استصلاح المليون الثانية موجودة.. والأولى مزروعة فعلا.. ولا تحتاج إلا لضمير مسئول وصاحب قرار ينهى كل هذا العبث.
الطريق طويل نعرف.. لكن خطوة أولى في الاتجاه الصحيح كافية.. أما الاستمرار فيما نفعل فهو الطريق الوحيد لتفريخ ملايين الإرهابيين الجدد فما الذي يفعله بالله عليكم شاب لم يجد وظيفة.. وقرر استصلاح الصحراء.. وباع كل ما يملك.. وزرع وانتج فعلا ثم يجيء من يحرق له أرضه فيما جاره «الخليجي» يمرح في الأرض دون أن يدفع مليما واحدا.. هل يطلب جنسية جاره الخليجى حتى تتم معاملته بالمثل.. أم يتحول إلى مشروع إرهابي.. ولا ياخد بعضه إلى أقرب مركب غير شرعى يوصله بلد تانية؟! الحال المايل ده لن يعدل طريقنا المعوج.. والأمر برمته يحتاج إلى تدخل رئاسى عاجل.. ليس في أرض مدينة السادات فقط.. ولكن في أراضى مصر كلها.. والحملات التي حرقت الزرع.. عليها أن تذهب أولا لاستعادة أرض البلد من البلطجية وقطاع الطرق والعرباوية- وهم معروفون بالاسم.. فهؤلاء لا يزرعون.. ولا ينتجون قمحا ولا ملحا والنار أولى بهم.. فالأرض لمن يزرعها يا سادة.. هكذا علمونا.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
من النسخة الورقية