الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حول استعادة نموذج الخلافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظل تجميع البشر في تحت قيادة مركزية تستند إلي مرجعية فكرية واحدة أملا يداعب الفكر الإنساني منذ بداية التاريخ و لم يكف البشر عن محاولة تحقيق هذا الحلم حتى يومنا هذا سعيا لتجسيد عالم مثالي نموذجي ينعم البشر في ظله إذا ما تحقق بأقصى قدر من الرفاهية و السعادة.
و يفيض التاريخ البشري بما لا حصر له من بحور الدماء التي سالت لتجسيد مثل ذلك الحلم علي الأرض في صورة الدولة العقائدية أي تلك الدولة التي تقوم علي تصور نظري مسبق اكتملت صياغته من قبل، وتظل الدولة ملتزمة بها أو محاولة ذلك خلال ممارستها العملية لدورها.
و رغم أن الحلم بعالم أفضل هو القوة المحركة لأي تقدم إنساني أو تغيير اجتماعي, فإن الأمر يصبح مأساة حقيقية حين تتحول الدعوة إلي تحقيق ذلك العالم المثالي المنشود من الكلمة و الإقناع إلي القهر و الإجبار و محاولة دفع البشر قسرا و سوقهم بالسلاسل إلي تلك الجنة الموعودة.
يشهد عالمنا المعاصر تزايدا ملحوظا لأفكار و ممارسات ترفع رايات ذلك الحلم القديم بتوحيد العالم: الولايات المتحدة تسعي لتوحيد العالم أو عولمته ولو اقتضي الأمر خوض حروب دامية, كما نشهد تصاعدا لجماعات إسلامية هدفها البعيد المعلن منذ انهيار دولة الخلافة العثمانية يتمثل في السعي إلي إقامة “,”الدولة الإسلامية“,” التي قد تختلف الرؤى و تتباين حول تفاصيل ملامحها؛ و لكنها تتفق علي كونها دولة عقائدية عالمية ذات قيادة مركزية.
و لعله من المناسب و الأمر كذلك أن نعرض في عجالة لأهم نموذجين تاريخيين في هذا المجال, كان كلاهما تجسيد لمفهوم الدولة العقائدية, رغم أنهما يقفان علي طرفي النقيض من حيث المنطلقات الفكرية: دولة الخلافة الإسلامية, و دولة الاتحاد السوفييتي الماركسية. و أوجه تناقضهما الفكري غنية عن البيان, أما أهم أوجه التشابه فتتمثل فيما يلي:
أولا: العالمية
شهد تاريخنا الإسلامي منذ حقبة مبكرة جدلا فكريا شديدا حول تحديد معالم هوية المسلم الحق التي تميز بينه و بين غيره: تري هل يكفي الاقتناع و التسليم أم انه لا بد من بيعة و جهاد و دولة و خليفة؟ هل يمكن الاكتفاء بإقامة دولة إسلامية في حدود قطر واحد فحسب؟ أم أنه ينبغي السعي لتشمل مظلة الخلافة البشر جميعا؟ و هل الانتماء الإسلامي ينبغي أن يتخطى حدود الانتماء القومي؟ و استند المتجادلون جميعا إلي فهمهم لنصوص الكتاب الكريم و السنة النبوية الشريفة.
و كان الأمر شبيها بذلك فيما يتعلق بالماركسية السوفييتية التي انطلقت من أرضية مناقضة للديانات السماوية, إذ واجهت أسئلة شبيهة: تري هل يكفي الاقتناع بالفكر الماركسي أم انه لا بد من التنظيم الشيوعي و السعي إلي السلطة؟ هل يمكن إقامة هذه السلطة في حدود دولة واحدة أم المطلوب استمرار الثورة إلي أن ينجح عمال العالم في إقامة دولتهم العالمية؟ هل الالتزام الماركسي ينبغي أن يتخطى حدود الالتزام القومي؟ و استند الجميع إلي فهمهم و تأويلهم لما قال به المؤسسون الكبار للنظرية.
ثانيا: وحدة مركز القيادة
أقام الماركسيون تنظيما أمميا عالميا اتخذ من موسكو مركزا لقيادة عملية التوحيد, و كان منطقيا أن تكون للكريملين الكلمة العليا في ذلك التنظيم الأممي, و في اختيار قادته و ممثليه في العالم؛ و لم يكن ذلك بالأمر المستغرب باعتبار أن الانتماء للماركسية يعلو غيره من الانتماءات القومية “,”الشوفينية“,”.
و بالمقابل فقد تمثل السعي الإسلامي في إقامة دولة الخلافة إسلامية التي تنقلت مراكز قيادتها بين مكة و دمشق و بغداد و القاهرة إلي آخره, و لم يكن حكام أقاليم الخلافة الإسلامية من مسلمي الأقاليم المفتوحة طوعا أو غصبا بل من أصحاب الفتح عربا كانوا أو أتراكا, و لم يكن ذلك بالأمر المستغرب باعتبار أن الانتماء للعقيدة الإسلامية يعلو علي غيره من الانتماءات القومية “,”الشعوبية“,”
ثالثا: الاتهامات بالزندقة و المراجعة
في ظل الحرص علي وحدة الدولة العالمية فكرا و ممارسة لم يكن بد من التصدي بمنتهي الشدة التي تصل إلي حد القتل لمن يهدد تلك الوحدة, و من انهالت الإدانات بالمراجعة و الردة و الخيانة بل و العمالة علي كل من يخرج علي التأويل الرسمي السوفييتي المعتمد للنظرية الماركسية محاولا تفتيت وحدة الصف الشيوعي, كما انهالت إدانات مماثلة بالزندقة و الردة و التحريف علي كل من يخرج علي التأويل المعتمد من مقر الخلافة للقرآن الكريم و السنة المطهرة. و طالت تلك الاتهامات من كانوا يحتلون مراكز الصدارة في المشهد الماركسي من كاوتسكي و تروتسكي إلي ماوتسي تونج إلي تيتو و جارودي, و لم تختلف تلك الاتهامات في جوهرها كثيرا عن تلك التي وجهت إلي العديد من رموز الفكر و قادة العمل الإسلامي من ابن رشد إلي ابن حنبل إلي شيخ الأزهر.
لقد انهار الاتحاد السوفييتي, و انهارت كذلك دولة الخلافة, و أصبحتا في ذمة التاريخ و لكن ثمة من ما زالو يحلمون باستعادة نموذج الخلافة الإسلامية