إن مجرد أعمال النظر فى خبراتنا اليومية كفيل بإبراز حقيقة تعدد التعبيرات اللفظية الصادرة عن الفرد الواحد وتباينها وفقا لتباين مواقف التفاعل الاجتماعى ، والأمثلة تفوق الحصر ، ودلالتها غنية عن البيان ، ولعلنا لسنا فى حاجة إلى سوق بعضها، فبعض الكثير كثير• ويكفينا أن نشير إلى خبراتنا فى بحث البحيرة والتى سبق أن عرضنا لها ليتضح لنا أن أقوال الفلاحين التى ثبت بتباعدها عن أفعالهم كانت أقوال "فلاحى الاستبيانات" وأن لهم أقوالا أخرى تتسق تماما مع أفعالهم•
ولقد أتيح لي شخصيا أن أعايش خبرة فريدة قد بدأت فيها بالاستبيان المقنن لتنتهي إلى المقابلة التلقائية التي رأيت في نتائجها القدر الأكبر من الصدق والموضوعية وتتلخص تلك الخبرة الشخصية باختصار في أنني قد كنت ضمن فريق أجرى بحثا ميدانيا للتعرف على اتجاهات الفلاحين نحو تنظيم الأسرة في بعض قرى البحيرة عام 1958 وتحت إشراف الأستاذ الدكتور السيد محمد خيري، وكانت خطة البحث تقوم على تطبيق استبيان يضم عددا من الأسئلة، على عينة ممثلة للفلاحين • وبعد بذل الجهود المضنية المعهودة لتعيين فقرات الاستبيان وترتيبها، والاطمئنان إلى صدقه وثباته ، وتدريب الباحثين على استخدامه، بعد هذا كله بدأنا التطبيق، وكنا نقيم في ضيافة المحافظة، وكان علينا أن نجتمع كل مساء لإجراء المراجعات المكتبية المطلوبة للاستمارات التي تطبقها • ولاحظت في الأيام الثلاثة الأولى أن حصيلة البيانات التي تتجمع لدينا توحي بصورة بالغة الإشراق للفلاح المصري ، صورة تتناقض تماما مع انطباعاتنا الشخصية• عن السلوك الفعلي لذلك الفلاح كما تعرفه• أن فلاح الاستبيان مؤمن أشد الإيمان بتنظيم الأسرة، مساند أشد المساندة لجهود الحكومة في هذا المجال داعيا لها بالتوفيق والسداد، لا فرق لديه بين أن تنكشف زوجته في حال مرضها على طبيب أو طبيبة فالكل طيبون • لا فرق لديه بين خلفة الذكور وخلفة الإناث• ولا يرى في كثرة الذرية سوى الفقر والعوز• إلى آخره وقبلت الأمر على علاته، فالاستبيان موضوعي مضبوط، وأمامي إجابات الفلاحين على أسئلة اسمعها وأسجلها• إلى أن أتيح لي ذات ليلة أن أتجول بمفردي في إحدى قرى البحث دون حقيبة الأوراق التقليدية، ودون سيارة المحافظة وكوكبة الموظفين• وساقتني قدماي إلى منزل أحد الفلاحين الذين قمت باستجوابهم صباح نفس اليوم • كان يجلس أمام منزله ، وقبلت دعوته لشرب الشاي وجلسنا نتحدث في أمور الدنيا وكان الحديث سجالا يسألني كما أسأله وأجيبه كما يجيبني• ومضى الحديث لاكتشف قرب نهاية الجلسة أنني أمام فلاح آخر يختلف تماما عن فلاح الاستبيان الذي قابلته منذ ساعات: يرى في تنظيم الأسرة الكفر بعينه• ويرتاب أشد الريبة فيما تستهدفه الجهود الحكومية في هذا الصدد• ويفضل دون تردد أن تقوم طبيبة بعلاج زوجته إذا ما أمكن ذلك• ويسوق الكثير من خبراته الشخصية وخبرات من يعرفهم شخصيا لتأكيد أن كثرة الذرية تعنى الرزق الوفير وأن قلتها نذير بالفقر• إلى آخره ولم أجد حرجا في نهاية المقابلة وبعد أن ذابت بيننا الثلوج أن أسأله تفسيرا لموقف المتناقض، وإذا به يتمتم مرددا ما معناه "لم أكن أعرفك •• المجاملة واجبة وأنتم ضيوفنا قدمتم إلينا من القاهرة متحملين المشاق في سبيل تنظيم الأسرة فلم أشأ أن أردكم مكسوري الخاطر"•
ولقد أتيح لي شخصيا أن أعايش خبرة فريدة قد بدأت فيها بالاستبيان المقنن لتنتهي إلى المقابلة التلقائية التي رأيت في نتائجها القدر الأكبر من الصدق والموضوعية وتتلخص تلك الخبرة الشخصية باختصار في أنني قد كنت ضمن فريق أجرى بحثا ميدانيا للتعرف على اتجاهات الفلاحين نحو تنظيم الأسرة في بعض قرى البحيرة عام 1958 وتحت إشراف الأستاذ الدكتور السيد محمد خيري، وكانت خطة البحث تقوم على تطبيق استبيان يضم عددا من الأسئلة، على عينة ممثلة للفلاحين • وبعد بذل الجهود المضنية المعهودة لتعيين فقرات الاستبيان وترتيبها، والاطمئنان إلى صدقه وثباته ، وتدريب الباحثين على استخدامه، بعد هذا كله بدأنا التطبيق، وكنا نقيم في ضيافة المحافظة، وكان علينا أن نجتمع كل مساء لإجراء المراجعات المكتبية المطلوبة للاستمارات التي تطبقها • ولاحظت في الأيام الثلاثة الأولى أن حصيلة البيانات التي تتجمع لدينا توحي بصورة بالغة الإشراق للفلاح المصري ، صورة تتناقض تماما مع انطباعاتنا الشخصية• عن السلوك الفعلي لذلك الفلاح كما تعرفه• أن فلاح الاستبيان مؤمن أشد الإيمان بتنظيم الأسرة، مساند أشد المساندة لجهود الحكومة في هذا المجال داعيا لها بالتوفيق والسداد، لا فرق لديه بين أن تنكشف زوجته في حال مرضها على طبيب أو طبيبة فالكل طيبون • لا فرق لديه بين خلفة الذكور وخلفة الإناث• ولا يرى في كثرة الذرية سوى الفقر والعوز• إلى آخره وقبلت الأمر على علاته، فالاستبيان موضوعي مضبوط، وأمامي إجابات الفلاحين على أسئلة اسمعها وأسجلها• إلى أن أتيح لي ذات ليلة أن أتجول بمفردي في إحدى قرى البحث دون حقيبة الأوراق التقليدية، ودون سيارة المحافظة وكوكبة الموظفين• وساقتني قدماي إلى منزل أحد الفلاحين الذين قمت باستجوابهم صباح نفس اليوم • كان يجلس أمام منزله ، وقبلت دعوته لشرب الشاي وجلسنا نتحدث في أمور الدنيا وكان الحديث سجالا يسألني كما أسأله وأجيبه كما يجيبني• ومضى الحديث لاكتشف قرب نهاية الجلسة أنني أمام فلاح آخر يختلف تماما عن فلاح الاستبيان الذي قابلته منذ ساعات: يرى في تنظيم الأسرة الكفر بعينه• ويرتاب أشد الريبة فيما تستهدفه الجهود الحكومية في هذا الصدد• ويفضل دون تردد أن تقوم طبيبة بعلاج زوجته إذا ما أمكن ذلك• ويسوق الكثير من خبراته الشخصية وخبرات من يعرفهم شخصيا لتأكيد أن كثرة الذرية تعنى الرزق الوفير وأن قلتها نذير بالفقر• إلى آخره ولم أجد حرجا في نهاية المقابلة وبعد أن ذابت بيننا الثلوج أن أسأله تفسيرا لموقف المتناقض، وإذا به يتمتم مرددا ما معناه "لم أكن أعرفك •• المجاملة واجبة وأنتم ضيوفنا قدمتم إلينا من القاهرة متحملين المشاق في سبيل تنظيم الأسرة فلم أشأ أن أردكم مكسوري الخاطر"•