الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محاولات أسلمة الدولة في مصر وتركيا (1 ـ 2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
والمقارنة هنا تأتي ليس لمجرد المضمون. وإنما هى محاولة لدراسة كيفية تحول بذرة التأسلم ذات المحتوى الواحد فى واقعين مختلفين.
خاصة أن هذا المحتوى الواحد لم يأت من مجرد قراءة او اعتماد نصوص واحدة، وإنما لأن النبتة التركية جاءت وليدها للشجرة الأصلية أى جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
فطالب كلية الهندسة فى جامعة ميونيخ آربكان تتلمذ فى المركز الإسلامى العالمى هناك على يد سعيد رمضان مؤسس المركز، وهو زوج ابنة الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان.
ويقال إن أربكان أعجب بشدة بكتاب "معالم فى الطريق"، وهو الدستور الأكثر تشددًا للتأسلم السياسى، والذى صاغه الأستاذ سيد قطب، وأنه ترجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية، وعندما عاد أربكان إلى إسطنبول قام بتدريس هذا الكتاب لحلقة صغيرة من الشباب فى مسجد "إسكندر صاده" وعندما اكتشفه الأمن تحول وبشكل سرى إلى تكوين حلقات.. انتهت لتصبح حزبا حمله الى السلطة.. ثم كانت التداعيات التى انتهت بحزب جديد، ذى تفاهمات أكثر عمقًا مع الواقع التركى، وكان حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان.
ولعل هذه الورقة تستهدف فحص أثر الواقع المحلى على المعطيات النظرية حتى ولو كانت ملتزمة بذات الالتزام العقائدى المرتبط بمحتوى دينى واحد.
ونبدأ المقارنة.
< الجيش فى تركيا علماني، وقد نصب نفسه وعلى مدى عقود كحامٍ للعلمانية. لكنها حماية مرتدية زيًا عسكريًا تتولد منه منازعات مع التوجه الديمقراطي.
< العلمانية التركية ارتبطت بالنهوض الشامل للمجتمع التركى على يد زعيم مهيب، ويطل مهيبًا على الدوام هو أتاتورك. وتربت أجيال تركية متعاقبة، وهى تقارن بين تركيا العثمانية وتركيا الحديثة، وتمنح أتاتورك والعلمانية استحقاق التمجيد.
< الحلم التركى بالانتماء لأوروبا والاتحاد الأوروبى، وإن كان النهوض الاقتصادى الحالى قد قلل من النزوع نحو هذا الحلم.
< الدور الأمريكي السري والعلني وسط النخبة التركية ذات التوجه الإسلامي. وتنامى هذا الدور بتأثير الدبلوماسى الأمريكى المخضرم أبراموفتش الذى دعا أمريكا إلى المراهنة على تركيا السنية ذات حكومة إسلامية معتدلة، وذات قاعدة أمريكية عسكرية (أنجرليك) وذات علاقات وثيقة مع إسرائيل.
مع كل ما يحققه ذلك من توازنات جديدة قد يتغير معها شكل المنطقة كلها. وهى توازنات تتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة.
< الدروس القاسية التى تلقتها النخبة التركية ذات التوجه الإسلامى منذ التصادمات بين العسكريين وأربكان والإحساس بضرورة تطويع نصوص الأدبيات ذات الصبغة الإسلامية لتتلاءم - ودون التخلى الفعلى عن مفهوم النص الأصلي- مع الإصرار التركى العام والجذرى على العلمانية والديمقراطية. فى إطار العمل على تقديم نموذج مختلف للحكم سواء فى مجال الشفافية أو التطور الاقتصادي.
لكن الواقع المصرى مختلف.
< فالجيش ليس علمانيًا بل إن رجاله ينساقون مثل الغالبية المصرية إلى فكرة أن العلمانية فكرة كافرة.
< ومصر لا تمتلك حلمًا بالانتماء الى أوروبا المتوسطية، فهذه الفكرة تنمو قليلًا لتتراجع أكثر تحت أفكار مناهضة التغريب، وأيضا بسبب التواجد الإسرائيلى فى أى إطار متوسطي. ومع تفضيل الانتماء عربيًا أو حتى إفريقيًا.
< وجماعة الإخوان ظلت ومنذ نشأتها تهاجم "التغريب" وتسعى نحو توجه إسلامى يحلم باستعادة الخلافة.
< الليبرالية نشأت ضعيفة وظلت ضعيفة لأنها ومنذ رفاعة الطهطاوى أرادت أن تبرر نفسها عبر المرور من ثقب إبرة الالتزام الديني.
< ومع مطلع القرن الماضى تبنى عدد من المفكرين الشوام (شبلى شميل- فرح أنطون- نقولا حداد) فكرة ليبرالية ترى أن الدين (مطلق الدين) قيد على الإبداع العقلى، الأمر الذى عزلهم عزلة قاسية عن شعب متدين خاصة أنهم كانوا فى ذات الوقت يقفون فى معسكر الاحتلال البريطانى نكاية فى الخلافة العثمانية التى اضطهدتهم واضطهدت شعبهم وخاصة مسيحييه بما دفع بهم الى القدوم لمصر.
< ومن الهجوم الشديد الذى شنه الشيخ رشيد رضا (التلميذ المنشق عن فكر محمد عبده)، ومعه البنا وعديد من رجال الدين عاد الجيل الجديد من الليبراليين، وهو جيل مصرى تمامًا إلى فكرة المزاوجة بين الوعاء الدينى والفكر الليبرالى فى محاولة لإضاءة الطرفين، وانغمس الكثيرون من مفكرى هذا الجيل فى كتابات دينية صرفة ذات مسحة ليبرالية مثل عباس العقاد... طه حسين - أحمد أمين - حسين هيكل، فعادت الليبرالية لتتعثر إذ تحاول ذات محاولة رفاعة الطهطاوى بعد قرن كامل من الزمان.
< وإذا كان أردوغان يتطلع أوروبيًا وحتى أحيانا يترفع بقدر من التعالى على الجميع، فإن جماعة الإخوان بوضعها الراهن تتطلع إلى حديقتها الخلفية، وهى حكم حماس فى قطاع غزة بما يحمله ذات من تأثير مضاد.
< وكذلك فإن الشريك الأساسى لحزب الحرية والعدالة (ذراع جماعة الإخوان)، هو حزب النور السلفى ذو التوجه الوهابى الخالص. وفى مثل هذه الحالة يضطر الطرف الإخوانى إلى قدر من التشدد لكى يسحب البساط من تحت أقدام منافسيه فى حزب النور.
إنها ذات الحالة التى تجد الأحزاب اليسارية نفسها فيها إذ يتواجد إلى جوارها فصيل متشدد سواء كان تروتسكيا أو جيفاريا فتجد نفسها مضطرة إلى بعض من التشدد لتتوازن مع جماهيرها التى قد تجنح لسبب محلى موضوعى نحو التشدد.
من النسخة الورقية