ما أشبه اليوم بالبارحه.. يوما ما كان اللقاء بمناسبة انتخابات البرلمان، بدأ اليوم استقبال اوراق الترشيح.. قال بفخر وكأنه واعظ دين او رجل اعمال "اصل انا نشاطي عراك".. وظل يكرر جملته كأنها مقطع في "كوبليه" غنائي.. كان صاحبنا احد افراد فريق الدعاية الانتخابية لمرشح الحزب الوطني بدائرة خلت بوفاة نائبها.. جاء الينا بعد دورية عمل لانه سمع "اننا عيال لبط.. وضد الحكومة.. وبتوع خناقات مع الحاكم".. كان يتكلم بفم "معووج" ولسان ثقيل.. همس لي واحد "معلهش يا افندي أصله غاوي عجل".. سألت عن علاقة "العجل" بثقل اللسان، عرفت أن "العجل" يعني البرشام ويشتق منها اسم الفاعل "عجلاتي" اي "برشمجي" هكذا اتضحت الرؤية.. صاحبنا نشاطه عراك وغاوي عجل اي محترف خناقات ومزاجه برشام، كانت هذه المعلومات هي بداية التعارف مع "محمد كسكسي" وظل طوال الليل يبحث عن طلبه حتى انتهت الليلة بعلقة سخنة علي باب قسم الشرطة عندما طلب من المخبرين طبق كسكسي باللبن سكر خفيف.
جلسنا في مقر "العيال اللبط" وعندما طلبنا الشاي قال عامل البوفيه "مفيش سكر" صاح محمد "عندي طلبكم والكمية اللي انتم عايزينها".. لكن عامل البوفيه تردد في اعطائه النقود خوفا من هروبه بها لشراء كمية جديدة من "العجل" بعد قليل سألته عن مكان السكر في منتصف الليل.. قال "كسكسي بثقة: من مخزن صاحبه محبوس ويتولي "ولاد الحلال" ادارة المخزن بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر.. وعرفت ان "ولاد الحلال" متخصصون في بيع السلع الممنوعة والمهربة ويدخل في نشاطهم البضائع "الشحة" في الاسواق بدأت صداقة محمد كسكسي مع ولاد الحلال مع اول برشامة واستمرت حتى اودت به الى حكم السجن في جريمة سرقة خزينة احد كبار التجار. وكانت هذه الصداقة وراء انضمام محمد الى فريق العمل الانتخابي لمرشح الحزب الوطني، عندما سألته عن حكاية الخزينة، قال بنبرة احتجاجية "جرى ايه يا افندي.. انت عايز تزاولني"؟.. وفهمت بعد الشرح ان فعل "يزوال" يعني يشتغل او يقسم او يضحك ولا يمكن فهم الفعل الا في سياق الجملة فيقال "فلان يزوال علان" او "يزواله" يعني ان "فلان يشتغل على علان ويقوم بالتقسيم عليه او الضحك عليه.
اوضحت له بعد الشرح اللغوي انني لا اريد مزاولته.. وبدأ كسكسي يحكي قصته مع خزينة التاجر.. كانوا اربعة افراد واثناء العملية استشعر محمد بوجود كمين من البوليس.. ولان محمد "هارش" القانون قرر ان يهرب من مكان الجريمة بأي ثمن، وبالفعل يستطيع الافلات من الكمين ويصل الى منزله في حالة اعياء لكنه ينام حتى يأتي رجال الامن للقبض عليه، طلبت ايضاحا من "كسكسي" عن حدود "هرشه للقانون" اعتدل في جلسته وواصل سيجارة من اخرى وقال بلهجة العارفين ببواطن الامور: "شوف يا افندي انا شغل المحامين ميكلش معايا في المشوار ده".. وهنا كسكسي يقصد انه لا يقتنع بعمل او اراء المحامين خاصة في تلك القضية وفعل "مايكلش" اي لا يأكل يعني لا ينفع اما "المشوار" فيعني الحالة او الموضوع.. ولأن محمد لا يقتنع بعمل "المحاميّة" قصده المحامين، فقد حرص دائما على حضور جلسات المحاكم وهو متابع جيد لاخبار القضايا والحوادث بالصحف واحكام القضاء المنشورة ويجيد الانصات لخبرات أصحابه الكبار في دوائر "الولاد الحلال" ومن هنا كان اصراره على الافلات من الكمين في مكان الجريمة حتى لا يضبط متلبسا بالسطو المسلح –قرن الغزال لا تفارق جيبه– ويضطر للاشتباك مع رجال الامن –لان نشاطه عراك- وتكون النتيجة سطوا مسلحا بالاكراه ومقاومة سلطات.. وبهروبه تنتفي ايضا تهمة التشكيل العصابي اللازم لها اربعة افراد.. وهكذا فإن سرعة تصرف محمد انقذته من تهمة برأتها -كما يقول– سبع سنوات سجن مع الشغل واكتفت المحكمة بحبسه ستة اشهر فقط .
اثناء كلام "كسكسي" كان الكل ينصت باهتمام وكأنها وصلة من أغنيات ام كلثوم بينما كان محمد في وضع "سلطنة" بفعل "العجل" والذكريات، تأملت محمد.. كانت ملامح وجهه مثل الاطفال وتتناقض مع كل ما يحكيه.. سألت عن عمره وعرفت انه لم يتجاوز الثلاثة والعشرين، قلت له: ألا تفكر في مهنة اخرى تبعدك عن "اولاد الحلال" قال بسخرية "جرى ايه يا افندي.. انا مدرس قد الدنيا.. والفيش والتشبيه الموجود بالوزارة عليه ختم لا شيء.. وعندما لاحظ دهشتي قال بثقة "لو مش مصدق تعال معايا دلوقت نروح المدرسة".. واخرج سلسلة مفاتيح واضاف "ده مفتاح المخزن" ومستعد ابيع لكم عدة النجارة تقضوا بيها في الانتخابات.. بس تدفع ثمن العجل، المشكلة كانت ان العجل عند على حمصى، اليوم 8 فبراير، يعود محمد كسكسى، فى مواجهة على حمصى، انتخابات مجلس النواب، كل سنة وانتم طيبين.