ليس مطلوبًا من الملك سلمان بن عبد العزيز أن يقر بكل ما نريده منه، ليس معقولًا أن نملى عليه ما يقوله، ليس منطقيًا أن يعلن موقفه من الثورة المصرية كما نتصور ونحب، فهو حر فى موقفه وقراراته وأفكاره أيضًا.
هو ملك جديد، من حقه أن يبدأ عصره بالطريقة التى يريدها، وحتى لو اختلف عن سلفه الملك عبد الله، فهذا من حقه، ليس من حقنا أن نلومه أو نعاتبه عليه، وليس من العقل أن نشترى عداء الملك لمجرد أن هناك أخبارًا يتم تداولها تشير إلى أنه يمكن أن يكون متعاطفًا مع الإخوان وقضيتهم.
لقد تعامل بعض الزملاء فى الصحف والفضائيات المصرية على طريقة الدبة التى قتلت صاحبها، قاموا بضربة استباقية للملك سلمان، ربما اعتقادًا منهم أنهم يرسلون له برسالة أنهم سيقفون له بالمرصاد، إذا ما تغير موقف المملكة من مصر وثورتها وشعبها ودعمها.
هل يمكن أن نسمى الأشياء بأسمائها؟
ولِم لا.. ما حدث فعليًا يشير إلى حالة من المراهقة المهنية والسياسية، خاصة أن من هاجموا الملك سلمان اعتمدوا على تقارير مجهولة الهوية، لقيطة غير معروفة المصدر، وبذلك وقعوا فريسة مواقع إخوانية حلًا لها أن تعيد نشر صور للأمير سلمان، وهو إلى جوار محمد مرسى، وإلى بعض تصريحاته بضرورة منح محمد مرسى فرصة، وكأن الصور والتصريح يمكن أن تشكل حجة أو دليلًا على أن سلمان من مريدى مرسى أو من المتعاطفين مع جماعته.
لو منح هؤلاء أنفسهم لتأمل الأمر قليلًا، لعثروا على صور لعبد الفتاح السيسى نفسه مع محمد مرسى عندما كان السيسى وزير دفاع مرسى، ولوجدوا كذلك تصريحات للسيسى تحمل نفس المعنى، وهى أن يأخذ مرسى فرصته فى الحكم، ورغم هذا ساند السيسى ثورة الشعب المصرى ضد محمد مرسى.
لقد حاول الإعلام الإخوانى أن يؤكد فرضية تأييد ملك السعودية الجديد للإخوان المسلمين، من خلال التركيز على فيديو يقرأ فيه الملك القرآن بصوته، وكأن القرآن منتج إخوانى لا يردده إلا الإخوان والمتعاطفون معهم، وللأسف الشديد أخذ البعض من ذلك دليلًا على أن ملك السعودية متدين، وطالما أنه متدين فحتمًا يميل إلى الإخوان، ناسين أو متناسين أيضًا أن السيسى متدين، ومع ذلك رفض تطرف الإخوان وخيانتهم لوطنهم باسم الدين.
التفاصيل كثيرة، لكن النتيجة واحدة، فنحن أمام حالة لا نتردد أبدًا عن وصفها بالمؤامرة، يسعى من يخططون لها إلى إفساد العلاقة بين مصر والسعودية، يحاولون أن يجعلوا من ملك السعودية خصمًا لما جرى منذ ٣٠ يونيو الآن، يحاولون اللعب فى عقول المصريين، بأن السعودية ستطالب بعودة الإخوان مرة أخرى، أو على الأقل تفرض على مصر ضرورة إدماجهم فى الحياة السياسية... ويكفى الإلحاح على هذه الحالة إعلاميًا حتى تتحول إلى واقع، فالحروب تحسم فى الإعلام أولًا... ثم يصبح ما يحدث على الأرض مجرد تحصيل حاصل.
لقد بنى من يحاولون الوقيعة خطتهم على ما حدث على الأرض صحيح، من عدم حضور السيسى جنازة الملك عبد الله، دون أن ينتبهوا إلى أنه قدم واجب العزاء فى اليوم الثانى، يشيرون إلى هجوم بعض الإعلاميين على الملك سلمان، دون أن يدركوا أن الرئاسة أبلغت هؤلاء باستيائها الشديد مما جرى، يتعللون بحركة الإبعاد الضخمة التى قادها سلمان ضد رجال عبد الله، دون أن يعرفوا أن طبيعة الأشياء تقتضى ذلك، فالملك الجديد لابد أن يكون له رجاله المقربون منه، فلكل عصر دولة ورجال.
منذ ٣٠ يونيو ومحاولات الوقيعة قائمة على قدم وساق، حاولوا الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، حاولوا الوقيعة بأكثر من شكل بين الشعب والجيش... ولما فشلت هذه المحاولات جميعًا، جاء الدور على وقيعة وتأليب الدول الحليفة لمصر عليها وعلى ثورتها، وهى المحاولة التى ستفشل أيضًا.
صحيح أن موقف السعودية فى عهد الملك عبد الله كان فاصلًا للغاية، لكننى أتبنى وجهة نظر لا أتردد عن إعلانها، وهى أن السعودية لم تكن تحمى مصر فقط، ولكنها كانت تحمى نفسها أيضًا، لم ترفع سكينة الإخوان من على رقبة مصر، بل رفعتها من على رقبتها ورقبة منطقة الخليج كلها... وهذه هى المساحة التى لا يجب أن نغادرها أبدًا.
أعرف أن الإخوان يعيشون فى حالة من الوهم... يحاولون البحث عن أى معنى أو دليل أو تصريح أو فيديو يطمئنهم بأن ما حدث فى ٣٠ يونيو يمكن أن ينتهى، فيعودون بعد ذلك إلى حكم مصر، وهو وهم لو تخلوا عنه فسوف يواجهون حالة من العدم السياسى يمكنهم أن تدفعهم إلى الانتحار الجماعى... لكن للأسف الشديد هناك من بين من وقفوا فى معسكر ٣٠ يونيو يتماهون مع وهم الإخوان ربما خوفًا وربما جهلًا.. وربما مؤامرة (ولا أريد أن أقول ذلك أو أتبناه)... وهؤلاء ليس عليهم إلا الصمت.
علاقات الدول لا تحددها الأمزجة.. وتغيير ملك ليس معناه تغيير سياسة كاملة، فمصالح الدول لا تتغير بتغير الأشخاص.. قد يكون الصمت مريبًا، والشائعات مزعجة، لكن ليس معنى ذلك أن نستبق الأحداث، أو نصدر الأحكام.. أعرف أن العلاقات بين مصر والسعودية فى حالة ترقب، ربما يكون حذرًا، لكن ليس معنى ذلك أن نفتح الطريق أمام ندابات السياسة والإعلام، هؤلاء الذين يفسدون كل شىء، والبداية كانت من محاولة اصطياد الملك سلمان وجعله هدفًا للهجوم... تحويل ملك السعودية إلى خصم ليس عقلًا على الإطلاق، والتعامل معه على أنه عدو محتمل ليس من السياسة فى شىء... فاتركوا هذا الملف قليلًا، فباطنه أعمق كثيرًا... ثم أننا لن ننتظر طويلًا... فالقادم حتما سيأتى.