السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

تباين الآراء بشأن اتفاق أروشا بين "مشار" وسلفا كير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يخرج الوضع في جنوب السودان عن أحد أمرين أولهما الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية أو وضع البندقية على الأرض والركون للسلام والتوافق تحقيقا للاستقرار المنشود و التنمية لابناء الدولة الوليدة، وفى هذا الاسبوع.
وقع رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت ونائبه المقال رياك مشار، في مدينة أروشا شمال تنزانيا وبحضور عدد من القادة الإقليميين، اتفاقا يهدف إلى إنهاء أكثر من عام من الحرب الأهلية في البلاد، ينص على إعادة توحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحزب الذي قاد جنوب السودان إلى الانفصال كبلد مستقل عن السودان عام 2011، والمصالحة والتوحد بين الفصائل الثلاثة المكونة لحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم في جنوب السودان.(فصيل سلفاكير وفصيل مشار ومن يعرفون بالمعتقلين السابقين).
ومن المقرر أن تستأنف المفاوضات بين الطرفين لاستكمال القضايا التفصيلية للاتفاق النهائي في 20 فبراير الجاري، على أن يصل الطرفان قبل الموعد بيوم وألا يعودا لبلادهما إلا بالتوقيع على اتفاقية سلام نهائي في إطار أقصاه 5 مارس المقبل، وحال وقوع خروقات ترفع الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا "إيجاد" تقريرا إلى كل من مجلس السلم والأمن الإفريقي، ومجلس الأمن الدولي.
وينص الاتفاق؛ على أن تتم هيكلة قيادة حكومة "الوحدة الوطنية" الانتقالية: للرئيس ويكون من الحكومة، ثم النائب الأول من المعارضة، والنائب الثاني من المناطق الإستوائية (3 ولايات)، ومجلس وزراء يضم الرئيس ونائب الرئيس الأول و27 وزيرًا.
على أن تكون نسب تقاسم السلطة وفقا للاتفاق كالتالي: 60% للحكومة الحالية في جوبا، و30% للمتمردين بقيادة ريك مشار، و10% من نصيب المفرج عنهم والأحزاب السياسية الأخرى، وأن تتشكل الجمعية الوطنية "البرلمان" تتكون من 400 عضو، والإبقاء على الأعضاء الحاليين البالغ عددهم 332، ويضاف إليهم 68 عضوا جديدا يتم تقسيمهم وفقا لاتفاق تقسيم السلطة.
وأكد الاتفاق أن نصيب الحكومة الحالية لجنوب السودان هو 60% من 400 مقعد في البرلمان، و30% للحركة للمتمردين والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة ريك مشار، و10% للمفرج عنهم والأحزاب السياسية الأخرى، على أن يتم اتخاذ القرارات داخل الحكومة خلال الفترة الانتقالية بالتوافق بنسبة 80%، أما في الجمعية الوطنية فيكون اتخاذ القرارات بتوافق الآراء، وحال فشل الجمعية الوطنية في التوصل إلى توافق يكون الحسم بموافقة 80% من أعضائها.
كما نص الاتفاق على أحقية الترتيب للفترة الانتقالية التي لا تتجاوز ثلاثة أشهر وتنفيذ اتفاق السلام وتهدئة الأوضاع في البلاد و"تسهيل عملية المصالحة الوطنية ووضع الدستور وإصلاح الحكم".
ووافقت حكومة جمهورية جنوب السودان، والفصائل المناوئة لها على وقف إطلاق نار دائم يدخل حيز التنفيذ خلال 72 ساعة من بعد إتمام الاتفاق النهائي، وهو ينطبق على جميع القوات والجماعات المسلحة أو الميليشيات المتحالفة مع أي من الطرفين، وتم الاتفاق على أن تبلغ الأطراف المعنية قواتها على الأرض عن اتفاق السلام الموقع عليه.
ولم تنجح اتفاقات سابقة؛ في وقف إطلاق النار بين الفصيلين المتحاربين، الذي اندلع قبل أكثر من عام، جراء التنازع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار، الذي قرر سلفا كير إقالته في يوليو 2013، ووجه له الاتهام بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري ضد السلطة الشرعية في البلاد، ورد مشار باتهام الرئيس بـ"الديكتاتورية"في مؤتمر صحفي.
وفي 15 ديسمبر 2013 وقعت اشتباكات عنيفة، شكلت بداية الحرب بين الفصيلين، التي أودت بحياة ما يربو على 10 آلاف قتيل، وسببت نزوح مليون شخص، كما شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تعددت بين تجنيد الأطفال وحالات الاغتصاب، وفق تقارير منظمات حقوقية وإغاثية دولية.
واندلع القتال، عقب إعلان الحكومة عن محاولة انقلاب عسكري ضد الرئيس سلفاكير قادها النائب السابق لرئيس جنوب السودان رياك مشار، الذي دعا الجيش إلى الإطاحة بسلفا كير ميارديت، مؤكداً انه لا يريد أن يناقش إلا "شروط رحيل" منافسه.
ويبلغ عدد سكان دولة جنوب السودان حوالي عشرة ملايين نسمة، يتوزعون على ستين قبيلة وإثنية مختلفة، تشكل قبيلة "الدينكا" –التي ينحدر منها الرئيس سلفا كير ميارديت- الغالبية العظمى من السكان70%، وهي حاضرة بقوة في رئاسة الدولة والجيش، وتتهمها القبائل والإثنيات الأخرى، لاسيما قبيلة "النوير" المنافسة على السلطة والتي ينتمي إليها رياك مشار، بمحاولتها السيطرة على مقدرات البلاد.
وتعتبر الصراعات بين الإثنيات المختلفة من مخلفات الحرب الأهلية التي عاشها جنوب السودان، وترجع الأسباب العميقة لأعمال العنف إلى الصراعات القديمة بين المتمردين الذين صاروا زعماء سياسيين، بالإضافة إلى جراح لم تندمل للحرب الأهلية التي دارت لأكثر من 20 عاماً بين المتمردين الجنوبيين وسلطات الخرطوم، خاصة أن رياك مشار قاتل أولا إلى جانب حكومة الخرطوم، قبل أن ينضم لمتمردي الجنوب عام 2000.
ويعد الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي أسسه الزعيم التاريخي للتمرد في الجنوب الجنرال جون قرنق الذي لقى مصرعه في حادث تحطم الطائرة التي أقلته من أوغندا في 2005، الحاضنة التي تربى فيها كل قيادات دولة الجنوب الفتية. ويترأس الفريق سلفاكير ميارديت الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجناح السياسي السابق للتمرد، وهو في السلطة منذ توقيع اتفاقيات نيفاشا في عام 2005، من دون معارضة تذكر.
فمنذ أن تولى سلفاكير زعامة الحركة الشعبية، ورئاسة حكومة الإقليم الجنوبي، فضلاً عن موقع رئيس جمهورية دولة جنوب السودان بعد الانفصال، ازدادت التشققات داخل الحزب الحاكم: الحركة الحاكمة الشعبية لتحرير السودان (الحركة الشعبية)، وأصبح الجيش معرضاً أكثر من وقت مضى لانقسامات على أساس إثني، بسبب المشاكل الداخلية التي تمزقه، إضافة إلى انتشار الأسلحة على نطاق واسع، الأمر الذي جعل الأوضاع متقلبةً.
ويقول مراقبون إن هشاشة البنية السياسية والاقتصادية لدولة جنوب السودان، تحيط إمكانية تنفيذ الاتفاق بظلال كثيفة من الشك، مدللين على ذلك بنقض اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار بين الفصيلين المتنازعين، وموضحين أن بنية السلطة في الدولة وانتشار الفساد تمنح الكثيرين من القادة، خصوصا من أطاح بهم الرئيس ميارديت، أسبابا لاستمرار التمرد ومواصلة القتال.
كما يدلل المتخوفون من عدم تنفيذ الاتفاق بالانقسامات التي يشهدها جيش جنوب السودان المتشكل من إدماج فصائل التمرد التي نشبت بينها اقتتالات داخلية قبل الانفصال، ولازالت تملك موروثا من الثأر، يهدد بإمكانية تجدد التقاتل الداخلي.
وكان اتفاق اروشا قد سبقته جولات محادثات استضافتها العاصمة الاثيوبية اديس ابابا اواخر يناير الماضى لكنها منيت بالفشل فى تحقيق انفراجة فورية للصراع ، وازاء ذلك اعتبر المراقبون ان جنوب السودان سيستمر في معاناته وحالة الفوضى التي تمر بها البلاد بسبب استمرار الخلاف بين الرئيس سلفاكير وزعيم المتمردين ريك مشار مع فشل كل المحاولات والمبادرات التي حاولت إيقاف الحرب المشتعلة وتوقيع إتفاقية سلام دائم بينهما فى اطار تسوية سياسية شاملة .
وبحسب بيان أصدره المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، عقب نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات بين كير ومشار كما وردت في الاتفاق الذي وقع في أديس أبابا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعرب عن أسفه لعدم تقديم الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس السابق الدكتور رياك مشار لأية صيغة مقبولة من أجل تقاسم السلطة.
وأكد الأمين العام أنه لن يكون هناك سلام مستدام في جنوب السودان إذا لم يقدم قادة البلاد مصالح الشعب على مصالحهم الخاصة، قائلا إن هناك حاجة ملحة إلى الاتفاق على اتفاق سلام شامل وجامع يعالج الإصلاحات الأساسية المؤسسية، والإدارة الاقتصادية، والمصالحة، والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت منذ بداية الصراع بطريقة تتفق مع المعايير الدولية.
وجدد الأمين العام دعوته لكلا الطرفين إلى الالتزام بسرعة وبدقة باتفاق وقف الأعمال العدائية الذي وقع يوم 23 يناير 2014 وحثهما على الاستعداد للجولة القادمة من المحادثات مع القصد لإنهاء الصراع على وجه السرعة.
وكان دبلوماسيون إقليميون قد حذروا الطرفين المتحاربين من أن الإخفاق في التوصل لاتفاق جديد قد يؤدي لفرض عقوبات عليهما.
وتفجر القتال والمواجهات العسكرية في أحدث دولة بأفريقيا في ديسمبر2013 بين طرفي النزاع في جنوب السودان، سلفا كير رئيس الدولة، ونائبه السابق مشار، الذي تتهمه الحكومة بمحاولة القيام بانقلاب عسكري، ما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة، بعد لجوء العديد من سكان جنوب السودان إلى النزوح من منازلهم خوفاً على حياتهم وسط المعارك الضارية التي تشهدها البلاد.
وقتل أكثر من عشرة آلاف شخص كما شرد نحو 1.5 مليون شخص ويواجه كثيرون في تلك الدولة المنتجة للنفط التي يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة صعوبة في العثور على غذاء كاف.
وحذرت تقارير دولية من تعاظم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في جنوب السودان، وقالت إن هناك مخاوف من انتشار بعض الأمراض والأوبئة بين النازحين.
ويعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال، حيث كانت هناك شكوك لدي الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام.
وفي عام 1958 وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم "حزب سانو" باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963، وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965. وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا أنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983 أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإِختلاس أموال، كما تم إرسل قوات لإخضاعها فأدي ذلك إلى هروبها إلى الادغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب، فكلفت الحكومة العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة، إلا أنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسًا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش، وأعلن إن هدف الحركة هو "تأسيس سودان علماني جديد" قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد، وقام برفع شعارات يسارية فحصل علي دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصًا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام.
وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985 كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة، ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986. وفي نوفمبر من عام 1988 تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983، ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989 بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار "الجهاد الإسلامي" ضد القوى الجنوبية مستعينة بتسليح مليشيات تدعى قوات الدفاع الشعبي، وحققت الحكومة عددة انتصارات عسكرية.
وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام مناجستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت باسم "وثيقة فرانكفورت" والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها بعد ذلك وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال "منظمة الإيغاد" إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" وذلك في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات.