الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تركيا وكوباني والأكراد وسوريا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أول لحظة في الاجتياح الداعشي لسوريا والعراق، بدا واضحاً أن مدينة (عين العرب/ كوباني) سوف تكون ساحة معركة فاصلة في الحرب علي تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، وهي- بطبيعتها الكردية رغم عدد سكانها القليل الذي لا يتجاوز 360 ألف نسمة- نقطة اهتمام دولية وذلك بالموقع الذي تأخذه قضية الأكراد في إهتمام الغرب والولايات المتحدة، لابل وبالموقع الذي تحتله فكرة إقامة وطن قومي (كردستان) للأكراد في المشروع الحالي لتقسيم المنطقة الذي نعيش موجته الجديدة، بعد فشل خطة ضرب مصر وإسقاط الدولة فيها بقيام ثورة 30 يونيو وإسقاط حكم الإخوان الإرهابيين وفكرة الخلافة وإحياء العثمانية التركية.
اليوم .. تحررت عين العرب / كوباني من سيطرة تنظيم داعش في نقلة دراماتيكية لمسار الحرب ضد التنظيم المتطرف والمتوحش، وهنا كانت لحظة الانكشاف أو دعنا نقول لحظة الحقيقة في موقف تركيا من ملفات كثيرة وبما نوجزه فيما يلي :
• أولا: أعلنت تركيا- بوضوح- أنها تقبل وتعترف بقيام دولة كردستان، إذ بدا واضحاً من قوة الدفع- التي حققها الأكراد بتحريرهم كوباني بقوات البيشمركة والحشد الشعبي والمرأة- أن حلمهم بقيام دولتهم بات قيد إستحقاقية المطالبة به، بعد أن قاتلوا (علي نحو بطولي) لتحرير كوباني، وإستماتوا- قبل ذلك- في الدفاع عنها من شارع إلي شارع.
• ثانياً: إعلان تركيا عدم الإعتراف بكردستان أو السماح بقيامها يأتي من أن كردستان- كفكرة- تشتمل علي أجزاء (بالإضافة إلي كردستان العراق) من سوريا وقسم من إيران وجزءاً معتبراً من جنوب شرق تركيا، ومن ثم فإن تركيا تشعر أن قيام كردستان سوف يكون بالخصم- حتي- من جغرافيتها.
• ثالثاً: قيام كردستان يعني- بوضوح- انتصاراً لحزب العمال الكردستاني، الذي خاضت تركيا ضده معركة تاريخية وإعتقلت قائده عبد الله أوجلان .. والحقيقة أن عداء تركيا للحزب والأكراد تجلي لي واضحاً خلال جلسة مطولة وحواراً أجريته في لندن مع جلال الدين طالباني (وقتما كان الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني عام 1996)، في ذلك الحوار قال لي: "الأتراك يعارضون قيام الكيان الكردي الداخل في العراق بأي شكل، وحتي في الاجتماعات التي تضمنا والأمريكان والإنجليز لا يسمحوا باستخدام كلمة (الأكراد)، كما أن السياسة التركية تعتبر (الكيكيا) حزب العمال الكردستاني في تركيا منظمة إرهابية، ينبغي قتالها، ونحن لا نوافق علي هذا، فحزب العمال الكردستاني (التركي) هو من أقوي الأحزاب الكردية، ونحن نؤمن بالحل السياسي بقضيته ولكن النتيجة أن هناك 176 مثقفاً تركياً في السجن الآن لأنهم يدعون إلى الحل السياسي لقضيتة الكردية، ومن هنا فقد أبعدتنا تلك السياسات عن تركيا، أما مسعود بارازاني (زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق) فعلاقته جيدة مع الأتراك (في ذلك الوقت طبعاً، أما نحن فإن الصحف التركية تتهمنا بأننا طرف في جبهه مع سوريا وإيران وحزب العمال الكردستاني"
وبالطبع فإن هناك فوارق زمنية منذ إجراء هذا الحوار (الذي نشرته في صحيفة الأهرام بالعربية وفي جريدة الأهرام ويكلي بالإنجليزية) حتي اليوم، وقد أسفرت تلك الفوارق الزمنية عن اختلافات في مواقف أطراف كردية من تركيا، لا بل وتباين في اتجاهات قوي كردية من قوي كردية أخري .. ولكن- رغم فوارق الزمن- فإن كلام طالباني لي في تلك النقطة بالذات كشف عن حجم العداء والمرارة التركية إزاء الأكراد، والتي وصلت- الآن- ليس فقط لرفض الاعتراف بكردستان، ولكن إلي رفض السلطات التركية السماح- حتي- لعبور اللاجئين الأكراد (الذين يعيشون مأساة مروعة) الحدود بين سوريا وتركيا!
• رابعاً: بدون شك فإن تركيا كانت عاملاً ساعد علي نشأة ونمو تنظيم (داعش) تمويلاً وتسليحاً وتدريباً، أيا كانت الجهة الأساسية الراعية التي دفعت إلي تصنيع أو تخليق ذلك التنظيم المتوحش، وما زالت تركيا- حتي الآن- هي بوابة ذهبية تعبر منها العناصر التي نجح داعش في تجنيدها من أوروبا كلها، وبحيث تلتحق بمعسكراته ومناطق تجمعه في سوريا.
وتركيا كانت تري في داعش رقماً عكسياً يمكن أن يتوازن مع تأثير الأكراد، وبخاصة أن داعش لديه قضية وعقيدة فكرية يتعصب لها، كمثل عقيدة الأكراد وقضيتهم القومية التي يعيشون من أجلها.
ولكن تأييد تركيا لداعش لم يك نهائياً قاطعاً، وإنما إعتبرته (كمثل الأكراد) ورقة تلعب بها عند اللزوم أو تحرقها عند اللزوم كذلك، فعلي حين كانت تركيا تبدو متوددة للأكراد وتحاول الحصول منهم علي حصة من بترول العراق (وهو ثروة سيادية لا يحق للأكراد التصرف فيها منفردين) بأسعار منخفضة وتقوم بتهريبها إلي ميناء جيهان التركي أو ميناء عسقلان الإسرائيلي، إلا الأن تركيا- في اللحظة المناسبة- كانت تنقلب علي الأكراد وتعلن عدم الإعتراف بحقوقهم القومية، وكانت تركيا تسمح لأكراد العراق بعبور الحدود العراقية مع تركيا ثم المرور داخل الأراضي التركية حتي وصولها إلي كوباني وما حولها دون الإصطدام بوجود قوات داعش.
وكانت تركيا من جانب آخر تدعم داعش وتدربها، ولكن عند اللزوم فإنها تهددها بضربها بالطيران، وقد حدث ذلك (اللزوم) حين بدا أن داعش تتربص الدوائر بضريح سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية، والذي سمحت اتفاقية بين فرنسا وتركيا عام 1922 ببقائه تحت السيادة التركية داخل الأراضي السورية وفي حماية ثلاثمائة من الجنود الأتراك، ولكن عداء السلفيين الجهاديين في "داعش" للأضرحة دفعهم إلي التهديد بهدمه، وهو ما أشعل غضب الأتراك الذين ينظرون لذكرى الرجل بطريقة تضعها علي مشارف القداسة، ومن ثم فقد هددت تركيا داعش بأن تضربه بالطيران لو مس الضريح، وفي توقيتات أخري فإن الحامية التركية للضريح كانت تصل إليه في حراسة قوات داعش!
• خامساً: كانت رؤية تركيا لداعش (بإعتباره معادلاً موضوعياً للتهديد الكردي لوحدة أراضي تركيا وخصماً لمكون سكاني تركي علي أساس عرقي وهو الأكراد) ترتب موقفاً تركياً من التحالف الدولي لمحاربة داعش، وهو الموقف الذي تحير فيه البعض، وشعروا أن تركيا متقاعسة أو متمنعه عن أداء دورها في إطار التحالف، ولكن الأمر- كله- كان يتعلق بالحفاظ علي (كارت) داعش سليماً لتلعب به أنقرة وقتما شاءت في مواجهة أرقام كثيرة في معادلات المنطقة، وأهم تلك الأرقام (الأكراد) بطبيعة الحال.
ونحن نري طائرات التحالف تقوم بضرب جبلي الأكراد والتركمان، وقد جاءت من ناحية تركيا، ولكن ذلك في إطار تحاول تركيا الإبقاء عليه وهو اللا سلم واللا حرب مع داعش، وبخاصة أنها وضعت شروطاً تحقق مصالحها للمشاركة في ضرب سوريا منها فرض منطقة عازلة، وحظر الطيران فوق سوريا وإزالة نظام الأسد، وكل تلك الخطوات- عملياتياً علي الأرض- تؤدي إلي صالح القوى الدينية المتطرفة الموجوده في سوريا وبطريقة تؤدي- مرة أخري- إلي موازنة قوة الأكراد، أولئك الذين ينعمون بمساندة أمريكية وأوروبية جعلتهم غير قابلين للمساس بهم، بالضبط مثلما حدث حين اجتاح داعش العراق والشام فلم يفكر الأمريكيون في التدخل إلا حين زحف التنظيم الإرهابي ناحية كركوك وكردستان التي تقيم فيها حامية أمريكية من خبراء عسكريين رفيعي المستوى.