تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
فتش عن القطرى التافه... والتركى العميل... والأمريكى الأحمق
لا يطيب لى ما يفعله بعض من يفسرون ما يدور حولنا على أنه مؤامرة كاملة، لكنهم يتخففون من عبء ما يقولون بالتقديم بين يدى كتاباتهم أو أقوالهم بأنهم لا يؤمنون بنظرية المؤامرة.. ثم يتحدثون حديثا طويلا ومستفيضا عن مؤامرات يلعب فيها الخيال دورا ومساحة لا يستهان بهما.
فأنا لا أؤمن فقط بنظرية المؤامرة، بل أعتقد أنها المدخل المناسب لكل ما جرى في التاريخ الإنسانى كله، حتى قبل أن ينزل آدم عليه السلام من جنته، فما أخرجه الشيطان منها -طبقا للرواية الدينية- إلا بمؤامرة محكمة اشتركت فيها أطراف عديدة.
ولذلك، وعندما نقترب مما حدث في حادث كمين الجورة، فلا يمكن أن نعزل أنفسنا عن نظرية المؤامرة. إننا منها في القلب، ولن نستطيع أن نخرج منها أبدا.
لا أتحدث عن مؤامرة الإخوان، فمؤامراتهم لا تنتهى أبدا، هم في حالة دائمة من التآمر، ولا أتحدث عن مؤامرات صغيرة قد يكون منفذو العملية خططوا لها ونفذوها وهم في وعى كامل، ولديهم أسبابهم التي يتحركون من خلالها بقناعة كاملة، أن ما فعلوه كان صحيحا، بصرف النظر عن أن ما فعلوه كان فيه سفك لدماء أبرياء تكفى قصصهم الإنسانية لتدمى القلوب، لكن من قال إن في قلوب هؤلاء أي رحمة.
إننى أتحدث عن المؤامرة الكبرى التي تستهدف مصر، ودعونى ألخص الموقف -من وجهة نظرى- حول الهدف منها، فالقوى الدولية والإقليمية والطامعة تعرف أنه ليس من مصلحتها أن تقع مصر أو تنهار، فلو جرى ذلك لانهارت المنطقة كلها، وانهيار المنطقة لا أحد يتحمله على الإطلاق، فالمصالح كثيرة ومعقدة ومتشابكة، لكن في الوقت نفسه لا يريد العالم لمصر أن تقف على قدميها، لأن معنى وقوفها وقيامها منتصبة الظهر أن تتولى هي القيادة والزعامة، بما لديها من مقومات، ولذلك فمصر تتعرض لحالة من الإنهاك الشديد والدائم والمتكرر.
والدليل على ذلك، وببساطة شديدة، أنه خلال الشهور الماضية كانت القاهرة قد بدأت في التقاط الأنفاس، وحققت زيارات السيسى الخارجية حالة من الرواج للنظام المصرى الجديد، وبدأت الصورة التي عاش عليها العالم في أعقاب ٣٠ يونيو تتغير تدريجيا، وبدأت حالة من الانفتاح الشديدة، عززها ما يتم الإعداد له للتجهيز للمؤتمر الاقتصادى، وهو ما يشير إلى أن هناك فرصا للاستثمار، بما يعنى أن حالة من الاستقرار ستعم، لا يمكن أن نخصم من ذلك مشاركة السيسى في القمة الأفريقية بأديس أبابا، بما يعنى انفراجة في أزمة سد النهضة، وهى الأزمة التي عملت على صنعها وتضخيمها أنظمة دولية وإقليمية، فكان لا بد من ضربة قوية، يعتقدون أنها مزلزلة، ليتم من خلالها لفت اهتمام النظام المصرى عن المشروعات الكبيرة التي يعمل عليها، ليعيدونا جميعا إلى المربع رقم صفر، وهو المربع الذي يجعل القضية الأولى والوحيدة لدينا هي الإرهاب، ولا شيء غيرها.
لم يكن هذا هو الهدف الوحيد لعملية كمين الجورة فيما أعتقد، فهناك المؤامرة الكبرى التي تعمل عليها الجماعات الإرهابية، وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، وهى تكسير الجيش وتحطيم جهاز الشرطة، وإفقاد الشعب المصرى الثقة فيهما، طمعا في تفكيكهما، بما يعنى أن الحماية التي يبسطها الجيش المصرى على الشعب سترفع تماما، وساعتها سيكون من السهل أن تنفرد هذه الجماعات بالشعب المصرى الأعزل، ليفعلوا به وفيه ما يريدون.
الرهان الآن على تماسك الشعب المصرى ووقوفه خلف قيادته، ومعرفته ووعيه أن الضرب ليس في الجيش فقط، ولا في الشرطة وحدها، ولكنه ضرب في حالة الاستقرار التي يسعى الشعب وراءها، فمهما جرى لا يجب أن ينفض الناس عن جيشهم، لا يمكن أن ننكر أو نتنكر لحالة الغضب المكتوم في النفوس، ولا حالة الحزن الكامنة، ولا يمكن أن نغفل الأسئلة الحائرة في عيون الناس حول ما يجرى، لكن في النهاية لا بد أن يعلم الناس أن المصريين في حالة حرب، ومصر تواجه أعداءً من الأشباح الذين لا يتأخرون عن التمويل والتسليح والتخطيط والتنفيذ، وفى أوقات الحروب لا بد أن نؤجل الأسئلة، طالما أننا نفوض جيشنا ليعمل، وهو جيش لا يملكه غيرنا، فهؤلاء أبناؤنا وإخواننا وآباؤنا، ولا يحتاج العدو إلا أن يجعلنا في مواجهة معهم.
قد لا يعجبك بعض ما تقوله القيادة السياسية عن مؤامرات خارجية، لكن هذا ما يحدث بالفعل، ولا يمكننا أن نتجاهله أو نسخر منه أبدا، فهو واقع لا مفر ولا مهرب منه.
ودعونا نلتفت لنقطة ليست بعيدة على الإطلاق، فمنذ شهور كانت هناك بادرة انفراج في العلاقة المعقدة والمتشابكة بين مصر وقطر، وتحدث كثيرون عن المصالحة التي ستأتى في الطريق، ويومها كنت واضحا مع نفسى ومع من يقرأون لى، قلت إنه لا تطبيع مع إسرائيل ولا مصالحة مع قطر.
كانت وجهة نظرى واضحة جدا، فالنظام المصرى عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، لكن هذه الاتفاقية لم ترتب علاقات طبيعية بين الشعبين، ولا يزال الشعب المصرى يرفض أي شكل من أشكال العلاقات مع إسرائيل، وهو ما سيحدث مع قطر، فقد ترى القيادة السياسية أنه من المصلحة عقد اتفاق مصالحة مع قطر، لكن الشعب المصرى الذي يعرف جيدا ما فعلته القيادة القطرية من تمويل للفوضى والخراب الذي لحق بمصر، لن يتسامح أبدا في حقه، ولن يفتح ذراعيه ليستقبل هؤلاء الذين يشاركون في تمزيقه، وزرع الخوف في كل أركانه.
وحتى عندما صدر بيان رسمى من الرئاسة بالمصالحة مع قطر، وهى المصالحة التي رعاها الملك الراحل عبد الله ملك السعودية، كنا على موقفنا، فالمسألة سياسية بالأساس، وكنت أشك طول الوقت في قناعة القيادة القطرية بفكرة المصالحة، ووصفت الأمر بالمصالحة التكتيكية التي سرعان ما ستنتهى.
بوفاة الملك عبد الله، انهارت المصالحة، وتلاشى أي كلام عنها، خاصة أنه وقبل وفاته لم تكن هناك أي خطوات جادة أو إيجابية لتحقيق المصالحة، اللهم إلا إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وهو لم يكن بالأمر الكبير، فهناك قنوات إخوانية أخرى أخطر من الجزيرة مباشر مصر كانت تواصل القصف لكل ما يتعلق بمصر، وكانت قطر هي الراعية الأساسية لهذه القنوات، وكانت هي الممولة لها والقائمة على أمرها.
في اليوم التالى لوفاة الملك عبد الله، عادت الجزيرة إلى سيرتها الأولى، عادت من خلال قناتها العامة لوصف ما حدث في مصر بالانقلاب، وبدأت تتحدث عن مسيرات مناهضة لهذا الانقلاب، حتى لو كان المشاركون فيها لا يتجاوز عددهم العشرات.
بوفاة الملك عبد الله الذي كان فيما يبدو الضامن الأساسى للمصالحة أو لنقل المانع الأساسى لمحاولات استهداف مصر، بدأت موجة جديدة من الإرهاب، وهى موجة تظهر فيها أصابع قطر وتركيا وأمريكا بشكل واضح، ولا يمكن أن نغفل ما جرى على الأرض، من حالة تسخين من خلال القنوات التي تبث من تركيا قبل ٢٥ يناير، وإدارة غرف عمليات لمتابعة الوضع من الدوحة، فالهدف كما يقولون كان ثورة من جديد ضد النظام المصرى.
ولما فشلت الجماعة على الأرض بالفعل في أن تصنع حراكا على الأرض، باستثناء بعض البؤر التي سرعان ما تعامل معها المصريون، كان لا بد من توجيه ضربة كبيرة، فجاءت عملية كمين الجورة.
إننا أمام ثلاثى لا يريد أن يهدأ، حاكم قطرى ليس أكثر من لعبة في أيادى أنظمة خارجية، ينفذ لها ما تريد دون أن يعترض على شيء، يراوغ ويناور، لكنه لا يتراجع عن تنفيذ الأوامر الصادرة إليه، وحاكم تركى مغرور أصيب بجنون العظمة، ويعتقد أنه يمكن أن يكون خليفة مرة أخرى، وإدارة أمريكية لا يريد القائمون عليها أن ينسوا أبدا أن الإدارة المصرية ليست على هواهم، وأن ما حدث في ٣٠ يونيو تم دون علمهم ورغبتهم وإرادتهم، ولذلك فهم يريدون أن يهدموا المعبد على رأس الجميع.
لا ينتبه هؤلاء إلى أن الشعب المصرى في النهاية هو الحامى والضامن لأن تستمر مصر دون أن يكسرها أحد، لا يعرفون ما الذي يمكن أن يفعله هذا الشعب عندما يشعر بالخطر وعندما يريد، وهذه هي أزمتهم الكبرى، أو ورطتهم التي لا يريدون أن يلتفتوا لها، فدعوهم وما يخططون له، وفكروا فقط في الحفاظ على بلدكم، لا تتركوها تفلت من بين أيديكم، لأنها لو ضاعت فسنتعب جميعا حتى نستعيدها.