ثمة ما يدفعني- اللحظة الراهنة – إلى يقين يرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مشارف عتبة جديدة فيما يخص مجالها الإقليمي والدولي، ومبعث اعتقادي إنما يمكن إيجازه في النقاط التالية:
أولاً: صحيح أن طهران تود الآن الخروج من مشنقة العقوبات الاقتصادية، والتي أثرت على اقتصاداتها (وبخاصة مع الانخفاض الكبير في سعر البترول، والذي يتردد في الأسواق الدولية أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت سبباً فيه للضغط على إيران وروسيا الاتحادية، وذلك عن طريق زيادة إنتاجها من البترول الصخري، أو تحريض دول الخليج على الإحتفاظ بمستويات إنتاجهم النفطي والمشاركة في الضغط على إيران)، ولكن طهران- في إطار محاولاتها المستميتة للخروج من دائرة العقوبات – لا تود الانزلاق إلى صيغة اتفاق مع دول (5+1) حول ملفها النووي، تكون غير ناضجة أو محققة- تماماً – للمصالح الإيرانية، أو بعبارة أخرى ، محاولة تعظيم الفائدة الإيرانية جراء تلك الصفقة السياسية الكبرى.
ثانياً: ترى الولايات المتحدة الأمريكية- في اللحظة الراهنة – أن الوصول إلى تسوية مع إيران في مسألة (الملف النووي) أصبحت جوهرية جداً، لأنها تمس أعقد مسائل الأمن القومي على مدى عقود كاملة، ومن أجل ذلك أعلن الرئيس أوباما أنه على استعداد لاستخدام حق النقص (الفيتو) ضد الكونجرس، لو أصر الأخير على فرض عقوبات جديدة (وهذا الإجراء استثنائي جداً وقد لجأ إليه الرئيس روزفلت من قبل)، لا بل فإن القمة الأنجلو ساكونية التي جمعت رئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون والرئيس أوباما الخميس الفائت أومأت- على نحو واضح جداً – إلى أن أي عقوبات جديدة ضد إيران ستسيء إلى إمكانية حل دبلوماسي وأن الزعيمين لا يؤيدا تبني أي عقوبات في هذه المرحلة، حتى وإن كانتا مصممتين على عدم السماح لإيران بإنتاج سلاح نووي.
وإصرار أوباما على حماية اتفاق يتصوره وشيكاً مع إيران (في يونيوالقادم) ويبدأ (بالسياسي) أولاً ثم (الفني والبروتوكولات والملاحق بعد ذلك)، إنما يعكس رغبة واشنطن في التفرغ لعدد من القضايا الكبرى تريد الاشتباك في ساحتها، ولا تبغي أن يكون التصعيد أو التأزم مع إيران عائقاً أمام ذلك .. إذ وضح من مفاوضات كاميرون / أوباما أن الدولتين تريدان التضاغط مع عدد من القوى الفلتانة في عالم اليوم في قضايا مثل الأمن الإلكتروني الذي برزت أهم ملامحه في إتهام كوريا الشمالية بالهجوم علي شركة سوني بعد إنتاجها فيلماً ساخراً عن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون أسمه (الزيارة)، وكذلك ما ترتب على هجوم مجموعة من الإرهابيين الجهاديين على مقر مجلة (شارلي إبدو) في باريس، والضغط على روسيا بسبب ما تصفه واشنطن: (الأعمال العدائية في أوكرانيا) وهو ما حظى بالقدر الأكبر من هجوم أوباما في خطابه بالدورة التاسعة والستين للأمم المتحدة، فضلاً عن ما يسمى (الحرب على داعش في سوريا والعراق)، ومواجهة تنظيم بوكو حرام المتوحش والمتطرف في أفريقيا وهجماته المروعة في نيجيريا والكاميرون والتي وصل الحد فيها إلى إبادة سكان مدينة كاملة يقدرون بالآلاف، ولكن يبقى موضوع الأمن الإلكتروني هو مسألة من أعقد تلك المواجهات كونه يتعلق بالموازنة الضرورية جداً بين ضرورات الأمن ومحددات الحرية الشخصية، ومن ثم تتحرك بريطانيا وأمريكا الآن بحذر في إطار مفاوضات عمالقة الشركات الإلكترونية والمعلوماتية (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وجوجل) مظللين بتخوفات فرضتها قضية إفشاء إدوارد سنودن (الموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكي) لحقيقة تجسس الإدارة الأمريكية على أسرار مواطنيها الخاصة، ومن جهة أخرى فإن ما تنخرط فيه بريطانيا- الآن - من مواجهات مع بعض التنظيمات الإرهابية (وآخرها خلية ليستر) تفرض المراقبة الإلكترونية ومواجهة ما يعرف بالحرب على الإرهاب الإلكتروني، وبخاصة أن لندن تتصرف بإنتقائية إزاء التشكيلات الإرهابية، وبالذات مواقفها الطرية اللينة تجاه الإخوان كون ذلك التنظيم- بالذات - صناعة بريطانية، ويدين بالعمالة لبريطانيا منذ اتصالات حسن البنا والسير مايلز لامبسون، وحسن الهضيبي والمستشار السياسي للسفارة البريطانية في القاهرة تريفور إيفانز.
كل تلك ساحات الإشتباك تجعل الولايات المتحدة الأمريكية راغبة- بقوة - في نفض يديها من الموضوع الإيراني، لا بل واختراع دور لطهران (إقليمياً ودولياً) وبما يورط إيران مع الغرب أكثر في خطط وترتيبات مشتركة.
ثالثاً: هناك من تحرص إيران (في ترتيبات اللحظة الأخيرة قبل الاتفاق) إذ جاز التعبير، على الاستيثاق من وضوح نواياه تجاهها مثل ألمانيا وبالذات فرنسا، التي اعترض وزير خارجيتها لوران فابيوس في نوفمبر فبل الماضي على صيغة أولية للاتفاق المبدأي الذي جمع إيران بدول (5+1) في جنيف، إذ أن فرنسا تخشى أن تندفع واشنطن تحت ضغط رغبتها من أجل (لم) أوراق إيران وملفها النووي، في قبول صيغة غير ناضجة للاتفاق، وبما يحقق إنجازاً ديبلوماسياً يعتبر أوباما في مسيس الحاجة إليه، ويستطيع من خلال التفرغ لمواجهاته الصاخبة الأخرى.
فرنسا تراجع بدقة وفاء إيران بمستويات التخصيب المطلوبة، وإعداد أجهزة الطرد المركزي، وكميات اليرورانيوم المخصب عند نسبة 20% الموجوده داخل إيران.
رابعاً: ومن جهتها فإن إيران هي الأخرى متوجسة ولا تريد أن يدفعها إحساسها بالاختناق تحت وطأة العقوبات إلى قبول مالا ينبغي قبوله، وربما كان ذلك هو سبب تصريحات محمد جواد ظريف التي أكد فيها أن الاتفاق حول الملف النووي جاهز شريطة عدم وضع خطوط حمراء جديدة من جانب الغرب.
ولكن الصفقة السياسية ليست متعلقة بالملف النووي فحسب، وإنما بطبيعة دور طهران فيما أسميه: (رباعي إيران) أي العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان.
إيران تتوق إلى دور أوسع في ذلك الرباعي، وهي تتحرك الآن- بالفعل - فيه حين يمرح الجيش الإيراني والميليشيات الشيعية في العراق، وحين يذهب قاسم سليماني قائد فيلق القدس ليتجول في المناطق الكردية بشمال سوريا ويلتقط الصور الفوتوغرافية هناك، بل إن إيران لم تنتظر كامل السماح لها بالحركة، وبدأت في محاولة إحداث اختراقات جديدة سواء بالمطالبة بالإفراج عن محمد سلمان زعيم حركة الوفاق الشيعية بالبحرين، أو بحسم التضاغط بين الصقور والحمائم في إيران للتمهيد لقبول الاتفاق النووي، إذ بدا واضحاً أن حسن روحاني رئيس الجمهورية ومعسكره من مؤيدي الاتفاق، هو صاحب اليد الأعلى والموقف الأكثر شعبية من علي خامنئ المرشد العام ورجاله من أمثال مستشار الشئون الدولية علي أكبر ولاياتي الذين يتشددون مؤكدين أن إيران لن تتنازل عن حقوقها النووية تحت أي ظرف من الظروف.
الاحتمالات في الفضاء السياسي الإيراني ما زالت متنوعة جداً، ولكنها ستختزل نفسها إلى عدد محدود من الاحتمالات حين- يتبلور اتفاق الملف النووي أو يتم التصديق عليه.
كل ما ينبغي لنا أن نشير إليه هو أن طهران لو نجحت في توقيع الاتفاق ستحصل على مزايا تبتغيها من وراء تلك الصفقة، وبما يضعها على عتبة جديدة، وهي ما وصفه على فضاوي قائد بحرية الحرس الثوري: (إيران ستفرض نفسها علي أمن الخليج وأمريكا ستكون في حال بليد)، وهذا ما يفرض على مصر ودول الخليج السعي نحو مأسسه تحالفهم لحماية الأمن في الخليج والتنسيق الدفاعي والعسكري.
أولاً: صحيح أن طهران تود الآن الخروج من مشنقة العقوبات الاقتصادية، والتي أثرت على اقتصاداتها (وبخاصة مع الانخفاض الكبير في سعر البترول، والذي يتردد في الأسواق الدولية أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت سبباً فيه للضغط على إيران وروسيا الاتحادية، وذلك عن طريق زيادة إنتاجها من البترول الصخري، أو تحريض دول الخليج على الإحتفاظ بمستويات إنتاجهم النفطي والمشاركة في الضغط على إيران)، ولكن طهران- في إطار محاولاتها المستميتة للخروج من دائرة العقوبات – لا تود الانزلاق إلى صيغة اتفاق مع دول (5+1) حول ملفها النووي، تكون غير ناضجة أو محققة- تماماً – للمصالح الإيرانية، أو بعبارة أخرى ، محاولة تعظيم الفائدة الإيرانية جراء تلك الصفقة السياسية الكبرى.
ثانياً: ترى الولايات المتحدة الأمريكية- في اللحظة الراهنة – أن الوصول إلى تسوية مع إيران في مسألة (الملف النووي) أصبحت جوهرية جداً، لأنها تمس أعقد مسائل الأمن القومي على مدى عقود كاملة، ومن أجل ذلك أعلن الرئيس أوباما أنه على استعداد لاستخدام حق النقص (الفيتو) ضد الكونجرس، لو أصر الأخير على فرض عقوبات جديدة (وهذا الإجراء استثنائي جداً وقد لجأ إليه الرئيس روزفلت من قبل)، لا بل فإن القمة الأنجلو ساكونية التي جمعت رئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون والرئيس أوباما الخميس الفائت أومأت- على نحو واضح جداً – إلى أن أي عقوبات جديدة ضد إيران ستسيء إلى إمكانية حل دبلوماسي وأن الزعيمين لا يؤيدا تبني أي عقوبات في هذه المرحلة، حتى وإن كانتا مصممتين على عدم السماح لإيران بإنتاج سلاح نووي.
وإصرار أوباما على حماية اتفاق يتصوره وشيكاً مع إيران (في يونيوالقادم) ويبدأ (بالسياسي) أولاً ثم (الفني والبروتوكولات والملاحق بعد ذلك)، إنما يعكس رغبة واشنطن في التفرغ لعدد من القضايا الكبرى تريد الاشتباك في ساحتها، ولا تبغي أن يكون التصعيد أو التأزم مع إيران عائقاً أمام ذلك .. إذ وضح من مفاوضات كاميرون / أوباما أن الدولتين تريدان التضاغط مع عدد من القوى الفلتانة في عالم اليوم في قضايا مثل الأمن الإلكتروني الذي برزت أهم ملامحه في إتهام كوريا الشمالية بالهجوم علي شركة سوني بعد إنتاجها فيلماً ساخراً عن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون أسمه (الزيارة)، وكذلك ما ترتب على هجوم مجموعة من الإرهابيين الجهاديين على مقر مجلة (شارلي إبدو) في باريس، والضغط على روسيا بسبب ما تصفه واشنطن: (الأعمال العدائية في أوكرانيا) وهو ما حظى بالقدر الأكبر من هجوم أوباما في خطابه بالدورة التاسعة والستين للأمم المتحدة، فضلاً عن ما يسمى (الحرب على داعش في سوريا والعراق)، ومواجهة تنظيم بوكو حرام المتوحش والمتطرف في أفريقيا وهجماته المروعة في نيجيريا والكاميرون والتي وصل الحد فيها إلى إبادة سكان مدينة كاملة يقدرون بالآلاف، ولكن يبقى موضوع الأمن الإلكتروني هو مسألة من أعقد تلك المواجهات كونه يتعلق بالموازنة الضرورية جداً بين ضرورات الأمن ومحددات الحرية الشخصية، ومن ثم تتحرك بريطانيا وأمريكا الآن بحذر في إطار مفاوضات عمالقة الشركات الإلكترونية والمعلوماتية (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وجوجل) مظللين بتخوفات فرضتها قضية إفشاء إدوارد سنودن (الموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكي) لحقيقة تجسس الإدارة الأمريكية على أسرار مواطنيها الخاصة، ومن جهة أخرى فإن ما تنخرط فيه بريطانيا- الآن - من مواجهات مع بعض التنظيمات الإرهابية (وآخرها خلية ليستر) تفرض المراقبة الإلكترونية ومواجهة ما يعرف بالحرب على الإرهاب الإلكتروني، وبخاصة أن لندن تتصرف بإنتقائية إزاء التشكيلات الإرهابية، وبالذات مواقفها الطرية اللينة تجاه الإخوان كون ذلك التنظيم- بالذات - صناعة بريطانية، ويدين بالعمالة لبريطانيا منذ اتصالات حسن البنا والسير مايلز لامبسون، وحسن الهضيبي والمستشار السياسي للسفارة البريطانية في القاهرة تريفور إيفانز.
كل تلك ساحات الإشتباك تجعل الولايات المتحدة الأمريكية راغبة- بقوة - في نفض يديها من الموضوع الإيراني، لا بل واختراع دور لطهران (إقليمياً ودولياً) وبما يورط إيران مع الغرب أكثر في خطط وترتيبات مشتركة.
ثالثاً: هناك من تحرص إيران (في ترتيبات اللحظة الأخيرة قبل الاتفاق) إذ جاز التعبير، على الاستيثاق من وضوح نواياه تجاهها مثل ألمانيا وبالذات فرنسا، التي اعترض وزير خارجيتها لوران فابيوس في نوفمبر فبل الماضي على صيغة أولية للاتفاق المبدأي الذي جمع إيران بدول (5+1) في جنيف، إذ أن فرنسا تخشى أن تندفع واشنطن تحت ضغط رغبتها من أجل (لم) أوراق إيران وملفها النووي، في قبول صيغة غير ناضجة للاتفاق، وبما يحقق إنجازاً ديبلوماسياً يعتبر أوباما في مسيس الحاجة إليه، ويستطيع من خلال التفرغ لمواجهاته الصاخبة الأخرى.
فرنسا تراجع بدقة وفاء إيران بمستويات التخصيب المطلوبة، وإعداد أجهزة الطرد المركزي، وكميات اليرورانيوم المخصب عند نسبة 20% الموجوده داخل إيران.
رابعاً: ومن جهتها فإن إيران هي الأخرى متوجسة ولا تريد أن يدفعها إحساسها بالاختناق تحت وطأة العقوبات إلى قبول مالا ينبغي قبوله، وربما كان ذلك هو سبب تصريحات محمد جواد ظريف التي أكد فيها أن الاتفاق حول الملف النووي جاهز شريطة عدم وضع خطوط حمراء جديدة من جانب الغرب.
ولكن الصفقة السياسية ليست متعلقة بالملف النووي فحسب، وإنما بطبيعة دور طهران فيما أسميه: (رباعي إيران) أي العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان.
إيران تتوق إلى دور أوسع في ذلك الرباعي، وهي تتحرك الآن- بالفعل - فيه حين يمرح الجيش الإيراني والميليشيات الشيعية في العراق، وحين يذهب قاسم سليماني قائد فيلق القدس ليتجول في المناطق الكردية بشمال سوريا ويلتقط الصور الفوتوغرافية هناك، بل إن إيران لم تنتظر كامل السماح لها بالحركة، وبدأت في محاولة إحداث اختراقات جديدة سواء بالمطالبة بالإفراج عن محمد سلمان زعيم حركة الوفاق الشيعية بالبحرين، أو بحسم التضاغط بين الصقور والحمائم في إيران للتمهيد لقبول الاتفاق النووي، إذ بدا واضحاً أن حسن روحاني رئيس الجمهورية ومعسكره من مؤيدي الاتفاق، هو صاحب اليد الأعلى والموقف الأكثر شعبية من علي خامنئ المرشد العام ورجاله من أمثال مستشار الشئون الدولية علي أكبر ولاياتي الذين يتشددون مؤكدين أن إيران لن تتنازل عن حقوقها النووية تحت أي ظرف من الظروف.
الاحتمالات في الفضاء السياسي الإيراني ما زالت متنوعة جداً، ولكنها ستختزل نفسها إلى عدد محدود من الاحتمالات حين- يتبلور اتفاق الملف النووي أو يتم التصديق عليه.
كل ما ينبغي لنا أن نشير إليه هو أن طهران لو نجحت في توقيع الاتفاق ستحصل على مزايا تبتغيها من وراء تلك الصفقة، وبما يضعها على عتبة جديدة، وهي ما وصفه على فضاوي قائد بحرية الحرس الثوري: (إيران ستفرض نفسها علي أمن الخليج وأمريكا ستكون في حال بليد)، وهذا ما يفرض على مصر ودول الخليج السعي نحو مأسسه تحالفهم لحماية الأمن في الخليج والتنسيق الدفاعي والعسكري.