قد يستريب القارئ المتخصص فى عنوان كهذا العنوان، وقد يحتج وبحق على حديث يلقى على عواهنه عن سيكلوجية الفلاح المصرى دون دراسة ميدانية متخصصة، حتى ولو كان الحديث لا يعدو أن يكون "وجهة نظر" ونحن نسلم دون تحفظ بوجاهة هذا الاعتراض، ونبادر فنقرر أن ما نوشك أن نورده تحت هذا العنوان لا يعدو أن يكون نوعا من التجريد النظرى لخبرات شخصية مباشرة وغير مباشرة بالفلاح المصرى، اعتمدنا فيه على الاسترجاع الاستيطانى للخبرات الشخصية المباشرة وعلى التحليل المنطقى للخبرات الشخصية غير المباشرة.
وكل مانطمع إليه هو أن يكون ما نقدمه بمثابة الدعوة لضرورة الاهتمام بدراسات متعمقة لموضوع سيكلوجية الفلاح المصرى:
أولا: الفلاح المصرى أميل إلى التشكك العميق فى "الأفندية" أو أهل البندر: التشكك فى، نواياهم حياله، واتجاهاتهم نحوه، وتفسير تلك الخاصية السيكولوجية ليس بالأمر الصعب، فالتشكك، إذا لم يكن مرضا، فلابد وأن يكون نتيجة لخبرات سابقة مؤلمة ومحيطة، والفلاح المصرى قد تجاوز عمره على الأرض المصرية خمسة آلاف عام أو مايقرب من ذلك، ولم ير الفلاح من أهل البندر طوال ذلك التاريخ وحتى مؤخرا سوى الصراف والمأمور ومندوب الجهادية ووكيل النيابة، ومن إليهم من رجال السلطة الذين ساموا الفلاح سوء العذاب، وليس غريبا والأمر كذلك أن يتشكك الفلاح فى نوايا أبناء البندر، وأن مأخذ حذره منهم بطريقته الخاصة.
ثانيا: يتميز الفلاح المصرى بقدر هائل من "المجاملة الشديدة" لأبناء البندر، وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى متعارضا مع ما أشرنا إليه من تشككه فيهم، غير أننا نستطيع بغير عناء كبير أن نستخلص من الخبرات المتوافرة أن تلك المجاملة الشديدة لاتعدو أن تكون فى أغلب الأحيان نوع من "إتقاء الشر"، أى أنها ميكانيزم سيكلوجى قد يلجأ إليه الفلاح ويبالغ فى استخدامه تغطية لتشككه في الغريب ودرءا لما يتوقعه من شره، ويكفي أن نشير فى هذا المقام إلى خبرات العديد من الباحثين الميدانيين الذين عملوا في مجال الفلاحين والذين تؤكد خبراتهم أن المجاملة الشديدة المبالغ فيها التى يلقونها فى البداية لا ترتبط بحال بدرجة تعاون المبحوث سواء علي المستوى اللفظي تعبيرا عن اتجاهاته أو على المستوى العملى تغييرا لتلك الاتجاهات.
ثالثا: يلجأ الفلاح المصرى فى كثير من الأحوال إلى إبراز سمة قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها نوع من "تحقير الذات" فعبارة مثل" "واحنا ايش عرفنا" "إحنا فلاحين" تتردد بشكل غير عادى فى محاورات الفلاحين مع أبناء الحضر، ومثل تلك العبارات لا علاقة لها- فيما نرى - بسمة تحقير الذات، أن إدعاء الجهل هو السلوك التوافقى الأمثل الذى توصل إليه فلاحنا بعد خبرة آلاف السنين من القهر الحضرى، فهو السلوك الذى يصلح لتخفيف الحساب على الخطأ، وهو فى نفس الوقت السلوك الذى يثير في الحضرى أشد أنواع الغرور مما قد يدفعه إلى التسامح مع هذا الفلاح "الساذج".
تلك مجرد خصائص ثلاث اخترناها بالذات لأن المتخصصين فى علم النفس وفى حدود ما نعلم لم يتعرضوا لها ولم يقفوا أمامها كثيرا، وذلك لا يعنى بحال أنها الخصائص الوحيدة، كما أنه لا يعنى أن عرضنا لها في هذا الحيز وبهذا الإيجاز في الكفاية.
أن المشكلة التى نحن بصددها لا تعدو أن تكون تعبيرا عن ظاهرة أشارت اليها مختلف المراجع التقليدية فى علم النفس الاجتماعى وهى تتناول طبيعة العلاقة بين "السلوك" والاتجاه" أو بين "التعبير اللفظى" والممارسة الفعلية" إلى آخر تلك التسميات، وأنها مجرد مرحلة طبيعية لابد وأن يمر بها الإنسان لينتقل من تقبل الفكرة إلى الممارسة الفعلية لها، وأن طرح هذا الأمر"الطبيعى" كما لو كان " تناقضا أو مشكلة إنما يرجع إلى نقص في معرفتنا بقواعد وتطبيقات علم الاتصال الجماهيرى الحديث ومن ثم فإن علينا الالتجاء إلى الأساليب العلمية التى تساعد الفرد على تغيير سلوكه بحيث يتفق مع تعبيره اللفظى رغم استمرار ضغوط الظروف البيئية التى تدعم سلوكه القديم.
ونحن نختلف مع هذا التفسير جملة وتفصيلا سواء من حيث المنطلقات النظرية أو من حيث المترتبات التطبيقية. فتعارض القول مع الفعل لا يمثل فيما نرى خاصية إنسانية ترجع إلى طبيعة الإنسان بما هو إنسان، بل على العكس فالطبيعى أن يتسق فعل الفرد مع قوله باعتبار أن القول والفعل على حد سواء تعبير عن وعى الفرد بواقعه الاجتماعى ومن ثم فإن الفجوة بين القول والفعل إنما تعبر عن وجود ضغوط اجتماعية تحول دون الفرد والتعبير اللفظى عن وعيه الخاص بواقعه أو تحول دونه ودون السلوك وفقا لهذا الوعى، وأنه بمجرد زوال تلك الضغوط الاجتماعية يعود الفرد إلى الاتساق الطبيعى بين الوعى والقول والفعل، وبعبارة أخرى فإن "التعبير اللفظى" لاينبغى أن يؤخذ على علاته دون نظر إلى ديناميات الموقف الاجتماعى الفعلى الذي يصدر فيه، بل على العكس ينبغى أن نتناول "التعبيرات اللفظية" على تعددها باعتبارها تتابين بتباين المواقف الاجتماعية التى تحيط بصدورها، والتى تحكمها فى النهاية طبيعة العلاقة الاجتماعية المتبادلة بين الفرد والآخر، أى بين القائل "والمستمع" وهى علاقة حتمية على أى حال طالما أننا لانتصور"قائلا" دون "مستمع" ولا العكس.
وكل مانطمع إليه هو أن يكون ما نقدمه بمثابة الدعوة لضرورة الاهتمام بدراسات متعمقة لموضوع سيكلوجية الفلاح المصرى:
أولا: الفلاح المصرى أميل إلى التشكك العميق فى "الأفندية" أو أهل البندر: التشكك فى، نواياهم حياله، واتجاهاتهم نحوه، وتفسير تلك الخاصية السيكولوجية ليس بالأمر الصعب، فالتشكك، إذا لم يكن مرضا، فلابد وأن يكون نتيجة لخبرات سابقة مؤلمة ومحيطة، والفلاح المصرى قد تجاوز عمره على الأرض المصرية خمسة آلاف عام أو مايقرب من ذلك، ولم ير الفلاح من أهل البندر طوال ذلك التاريخ وحتى مؤخرا سوى الصراف والمأمور ومندوب الجهادية ووكيل النيابة، ومن إليهم من رجال السلطة الذين ساموا الفلاح سوء العذاب، وليس غريبا والأمر كذلك أن يتشكك الفلاح فى نوايا أبناء البندر، وأن مأخذ حذره منهم بطريقته الخاصة.
ثانيا: يتميز الفلاح المصرى بقدر هائل من "المجاملة الشديدة" لأبناء البندر، وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى متعارضا مع ما أشرنا إليه من تشككه فيهم، غير أننا نستطيع بغير عناء كبير أن نستخلص من الخبرات المتوافرة أن تلك المجاملة الشديدة لاتعدو أن تكون فى أغلب الأحيان نوع من "إتقاء الشر"، أى أنها ميكانيزم سيكلوجى قد يلجأ إليه الفلاح ويبالغ فى استخدامه تغطية لتشككه في الغريب ودرءا لما يتوقعه من شره، ويكفي أن نشير فى هذا المقام إلى خبرات العديد من الباحثين الميدانيين الذين عملوا في مجال الفلاحين والذين تؤكد خبراتهم أن المجاملة الشديدة المبالغ فيها التى يلقونها فى البداية لا ترتبط بحال بدرجة تعاون المبحوث سواء علي المستوى اللفظي تعبيرا عن اتجاهاته أو على المستوى العملى تغييرا لتلك الاتجاهات.
ثالثا: يلجأ الفلاح المصرى فى كثير من الأحوال إلى إبراز سمة قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها نوع من "تحقير الذات" فعبارة مثل" "واحنا ايش عرفنا" "إحنا فلاحين" تتردد بشكل غير عادى فى محاورات الفلاحين مع أبناء الحضر، ومثل تلك العبارات لا علاقة لها- فيما نرى - بسمة تحقير الذات، أن إدعاء الجهل هو السلوك التوافقى الأمثل الذى توصل إليه فلاحنا بعد خبرة آلاف السنين من القهر الحضرى، فهو السلوك الذى يصلح لتخفيف الحساب على الخطأ، وهو فى نفس الوقت السلوك الذى يثير في الحضرى أشد أنواع الغرور مما قد يدفعه إلى التسامح مع هذا الفلاح "الساذج".
تلك مجرد خصائص ثلاث اخترناها بالذات لأن المتخصصين فى علم النفس وفى حدود ما نعلم لم يتعرضوا لها ولم يقفوا أمامها كثيرا، وذلك لا يعنى بحال أنها الخصائص الوحيدة، كما أنه لا يعنى أن عرضنا لها في هذا الحيز وبهذا الإيجاز في الكفاية.
أن المشكلة التى نحن بصددها لا تعدو أن تكون تعبيرا عن ظاهرة أشارت اليها مختلف المراجع التقليدية فى علم النفس الاجتماعى وهى تتناول طبيعة العلاقة بين "السلوك" والاتجاه" أو بين "التعبير اللفظى" والممارسة الفعلية" إلى آخر تلك التسميات، وأنها مجرد مرحلة طبيعية لابد وأن يمر بها الإنسان لينتقل من تقبل الفكرة إلى الممارسة الفعلية لها، وأن طرح هذا الأمر"الطبيعى" كما لو كان " تناقضا أو مشكلة إنما يرجع إلى نقص في معرفتنا بقواعد وتطبيقات علم الاتصال الجماهيرى الحديث ومن ثم فإن علينا الالتجاء إلى الأساليب العلمية التى تساعد الفرد على تغيير سلوكه بحيث يتفق مع تعبيره اللفظى رغم استمرار ضغوط الظروف البيئية التى تدعم سلوكه القديم.
ونحن نختلف مع هذا التفسير جملة وتفصيلا سواء من حيث المنطلقات النظرية أو من حيث المترتبات التطبيقية. فتعارض القول مع الفعل لا يمثل فيما نرى خاصية إنسانية ترجع إلى طبيعة الإنسان بما هو إنسان، بل على العكس فالطبيعى أن يتسق فعل الفرد مع قوله باعتبار أن القول والفعل على حد سواء تعبير عن وعى الفرد بواقعه الاجتماعى ومن ثم فإن الفجوة بين القول والفعل إنما تعبر عن وجود ضغوط اجتماعية تحول دون الفرد والتعبير اللفظى عن وعيه الخاص بواقعه أو تحول دونه ودون السلوك وفقا لهذا الوعى، وأنه بمجرد زوال تلك الضغوط الاجتماعية يعود الفرد إلى الاتساق الطبيعى بين الوعى والقول والفعل، وبعبارة أخرى فإن "التعبير اللفظى" لاينبغى أن يؤخذ على علاته دون نظر إلى ديناميات الموقف الاجتماعى الفعلى الذي يصدر فيه، بل على العكس ينبغى أن نتناول "التعبيرات اللفظية" على تعددها باعتبارها تتابين بتباين المواقف الاجتماعية التى تحيط بصدورها، والتى تحكمها فى النهاية طبيعة العلاقة الاجتماعية المتبادلة بين الفرد والآخر، أى بين القائل "والمستمع" وهى علاقة حتمية على أى حال طالما أننا لانتصور"قائلا" دون "مستمع" ولا العكس.