تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
صديقى المطرب الجميل، محمد منير، له أغنية جميلة كتبها بهاء الدين محمد منذ سنوات وأصدرها «الملك» بعد أن تخطى حاجز «منتصف العمر» بسنوات أيضًا، ورغم أننا في جلساتنا الخاصة كنا نستخدمها وسيلة للدعابة والسخرية من أنفسنا، رغبة في اقتناص لحظة فرح حتى ولو مصطنعة، فإنها صارت شعارًا لمعظم أبناء جيل الثمانينيات، ويبدو أن شعار «خايف أوعدك ما اوفيش، وأقول لك فيه تلاقى مافيش» سيطال أجيالا أحدث بعدما قررت الحكومة، وحسب خبر تناقلته معظم وسائل الإعلام منذ أيام، الوصول بعمر المواطن المصرى إلى ٧٩ سنة، يعنى نص عمره بقى تحت الأربعين، وعشان ما حدش فيكم مخه يروح لبعيد، الحكاية مش في إن الواحد يعيش أزمة منتصف العمر، وهى لمن لا يعرف، شعور البنى آدم فينا فجأة بأنه محتاج يستعيد شبابه سواء «بجوازة تانية» أو علاقة عاطفية عابرة لإثبات الوجود، ويتعدى الأمر ذلك إلى محاولة الفوز باللذات كل اللذات بشراهة، وأكيد منها وفى مقدمتها طبعًا، الحصول على المناصب والأراضي، والشقق، و«المقاعد السياسية»، سواء في كيانات تنتمى للدولة، أو تشبهها، يعنى باختصار أزمة «نص العمر» مش حالة عاطفية بس، البعض وخصوصًا الأطباء المحسوبين على علم النفس، أو أساتذة الاجتماع، يعتبرونها مرضا ينبغى العلاج منه، وإخواننا المنظرون بيعتبرونها نزوة.
عمومًا أنا شخصيا لا أخجل من الاعتراف بأننى عشت هذه «الأزمة»، وربما مازلت أعيشها، لكننى أجزم أنها لم تتحول إلى مرض، لحد دلوقتى على الأقل، لكن المشكلة فيمن لا يعترفون بذلك، ويمارسونها ليل نهار ومعظمهم لم يتعد «نص العمر» فقط، بل تجاوز العمر نفسه بسنوات، ورغم ذلك تجدهم يتكالبون على «مصر الجديدة» أو التي نريدها جديدة.
لقد فزع جيل صفوت الشريف وكمال الشاذلى ويوسف والى عندما كتب هيكل أن السلطة شاخت في مقاعدها، وربما كان سر فزع ذلك الجيل ليس إحساسه بأنه «شاخ»، ولكن خوفه من أن يتحول الكلام عن الشيخوخة إلى واقع، خصوصا أن أندية العلاج الطبيعى كانت قد انتشرت في مصر بكثرة، وعرف الميسورون ورجال السلطة الطريق إلى منتجعات سرية في اليونان وغيرها وعادوا أكثر نضارة، لكنهم ظلوا مفزوعين من أزمتهم الحقيقية، لأنهم كانوا محترفين بما يكفى لأن يعرفوا أن السلطة شاخت فعلًا وأنهم لا يعانون مجرد أزمة- وهتعدي- بل كانوا يعرفون فعلًا أن العمر كله «عدي»، فقرروا ليس فقط ممارسة السلطة بكل شهواتها، ولكن «امتلاكها حتى آخر نفس».
هذه الأيام مصر بحالها تعيش أزمة «منتصف العمر»، لكن المقاعد المتاحة لا تكفى الجميع، ولذلك سيصبح الصراع أكثر حدة، خصوصًا مع التلميح الذي أصبح علنيًا من رئيس الجمهورية بأنه «منحاز للشباب»، لأنه يعرف أن البلد دى مش هتقوم لها قومة بحد غيرهم.
هؤلاء الشيوخ غير القادرين على مواجهة أنفسهم، عليهم استعادة أغنية «منير» جيدًا، وأن يحسموا أمرهم ويبحثوا لأنفسهم عن متعة أخرى، ربما يكون أهمها ملاعبة أحفادهم على موائد الطعام، وأن يعترفوا مثلما اعترفنا ونحن من جيل عيال عيالهم بأن إحنا مش هناخد زمنا وزمن غيرنا، لأنه زمن غيرهم فعلًا.