يثير الحادث الإرهابي الشنيع بالهجوم على مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة في باريس يوم الأربعاء 7 يناير الفائت، وما تبعه من عمليات احتجاز رهائن في ناحيتي (سين إيه مارن) و(بوابة فنسان) قدراً هائلاً من التساؤلات والانطباعات لم تضع النهاية الدموية – بقتل الأخوين شريف وسعيد كواشي في الموقع الأول، وأحمدي كوليبالي في الموقع الثاني- حداً لها.
وأوجز مجموعة ملاحظات على ذلك الحادث في النقاط التالية :
• أولاً : أن الإرهابيين - جميعاً - ينتمون إلى خلية إرهابية إسمها (بوت شومون) في فرنسا، ويعرفها البوليس الفرنسي، لا بل وبعض الباحثين في الاجتماع السياسي والدارسين في معهد الدراسات السياسية في باريس، وتطرح تلك الحقيقية ملف القصور الشديد في أداء جهاز الشرطه الفرنسي، ومخابرات المكتب الثاني التي تعددت الشواهد وربما القرائن من خلال ذلك الحادث - عليه، إذ بدت تلك الخلية (التي تحرك أفرادها للقتل والهرب واحتجاز الرهائن) آمنة تماماً من أي تصد أمني.
• ثانياً : إن مجلة "إنسباير" التابعة لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، حددت مؤخراً جداً، عدداً من الأسماء التي يستهدفها التنظيم في فرنسا، ونشرت تلك المجلة التي تظهر علي الإنترنت - مجموعة من صور المستهدفين وبينهم، وربما علي رأسهم ستيفان شاربونييه رئيس تحرير مجلة "شارلي إيبدو"، وهو مالم ترافقه أي إجراءات فرنسية أمنية استثنائية لحماية الرجل أو مقر المجلة الذي اقتحمه الإرهابيون وجاسوا فيه وتحركوا من دون أي مقاومة تذكر، ومن دون حواجز تأمين من أي نوع.
• ثالثاً: إن فكرة وضع العناصر الإرهابية تحت المراقبة هي فكرة خرقاء بلهاء لا تفضي إلى أي نتيجة لأن الإرهابيين يعيشون حياة طبيعية جداً ليس فيها ما يثير أي شبهه إلى حين التحرك لتنفيذ عمل إرهابي، وبالتالي فإن وضعهم تحت المراقبة ليس له معنى طالما لا يمثل إجراء وقائياً فعالاً أو مؤثراً، وقد لاحظت شيئاً من ذلك بنفسي في بريطانيا، حين كنت أسأل - في منتصف التسعينيات – كل الوزراء البريطانيين ذوي الصلة بملف الإرهاب في الخارجية أو وزارات شئون الشرق الأوسط، أو الداخلية والدفاع عن الإجراء الذي سيقومون به في مواجهة العناصر الإرهابية المصرية اللاجئة لبريطانيا والمحكوم عليها في القاهرة، - وكنت دائماً - أواجه برد واحد هو : (أنهم تحت المراقبة وإذا قاموا بعمل إرهابي أو خططوا من فوق الأراضي البريطانية للقيام بعمل إرهابي في دولة أخرى فسوف نتعرض لهم)، وقد ثبت خرق تلك الفكرة حين تعددت الهجمات الإرهابية في لندن ومن ضمنها تفجيرات 7/7 عام 2005 وغيرها، وعندها بدأت لندن في تطبيق المداهمات ضد العناصر الإرهابية الإسلامية التي تعيش فيها، باستثناء العناصر الحليفة للأجهزة الأمنية البريطانية، والتي أسهمت بريطانيا - تاريخيا - في تأسيسها مثل (الإخوان المسلمين) والتنظيمات التي تقابلهم، وتجدر - هنا - الإشارة إلى أن دافيد كاميرون رئيس مجلس وزراء بريطانيا كان أعلن عن إجراء تحقيق حول جذور جماعة الإخوان وعلاقتها بالإرهاب، وتأخر إعلان نتيجة هذا التحقيق حتي تسربت منذ أسابيع، وأنها تضمنت (تشديد المراقبة) وليس (الحظر) وبما يشي بالعلاقة الخاصة بين الإخوان وبريطانيا، والتي جعلتني أنشر - هنا – مقالاً عند إعلان كاميرون عن تحقيقه بعنوان: "بريطانيون كاذبون"!
• رابعاً: هناك جانب في قصة الاعتداء على شارلي إيبدو يتعلق باختلاف الثقافة بين الدول الأوروبية ومواطنيها ذوي الأصول العربية أو المسلمة، إذ أن العناصر الإسلامية وبالذات المتطرفة تنظر إلى التطاول السافل من جانب بعض منابر التعبير الغربية علي أنه جزء من مؤامرة على الإسلام ورموزه المقدسة، وليس عندي ما يثبت جانب المؤامرة في الموضوع، ولكن رغم إدانتي الأخلاقية بأشد ما أملك من عبارات لمحاولات الإساءة إلى النبي - صلي الله عليه وسلم - أو إلى الإسلام، فإنني أرى تلك المسألة جزءاً من ثقافة أخرى تسمح بذلك، وفي أثناء إعدادي لأطروحتي لنيل درجة الدكتوراه في الصحافة (في الثمانينيات) وكانت عن علاقة نظام السادات السياسي بالصحافة (دراسة حالة علي الكاريكاتير كمادة رأي) وجدتني أمام مئات الرسوم التي تسخر من الكنيسة والبابا والمسيح بل والذات الإلهية والعياذ بالله في مجلات مثل (لوكانارد أنشينية) أو (شارلي إبدو).
وما أريد قوله – هنا – أن الاختلاف الكبير بين ثقافة مجتمعات أوروبية وهؤلاء من ذوي الأصول العربية والإسلامية الذين يعيشون فيها يخلق فرصاً هائلة للاحتكاك، ويراكم غضباً وشعوراً بالاستهداف في نفوس العرب والمسلمين، وبخاصة هؤلاء الذين لم ينجحوا في إذابة أنفسهم في ثقافة مجتمعاتهم الجديدة، أو أولئك من الذين إرتبطوا بتنظيمات إرهابية وراء البحار نجحت في توظيفهم وإستخدامهم لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والسياسية.
• خامساً: إن هناك معلومات توفرت لدى أجهزة الأمن الأمريكية أن أبطال الإرهاب في فرنسا مدرجين على ثلاثة قوائم أمريكية للإرهاب، ومع ذلك لم تلاحقهم أمريكا على الرغم من أنها التي تختص بالمواجهة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية واليمن الذي ينتمي إليه الإرهابيين، والذي نجحت واشنطن في إصطياد قائده أنور العوالقي عام 2011 بغارة شنتها طائرة بدون طيار وتردد أنها تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية، وهكذا فعلت مع نائب قائد التنظيم سعيد الشهري بعدها بشهور، كما أنها رصدت 10 ملايين دولار من أجل القبض على زعيم التنظيم الحالي ناصر الوحيشي .
يعني الولايات المتحدة ركزت على القيادات وأغفلت متابعة العناصر القاعدية علي الرغم من وجودها علي قوائم الإرهاب الأمريكية.
• سادساً : تشي تطورات حادث باريس بأن هناك تساهلاً عبيطاً جداً إزاء ما يعرف بإعلانات الإرهابيين للتوبة أو إستجاباتهم لما يسمي: (برامج المناصحة) إذ أن سعيد الشهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة السعودي قبل أن تقنصه طائرة المخابرات الأمريكية، كان سجيناً في معتقل جوانتانامو ثم عاد وانضم إلي برنامج المناصحة السعودي، وبعده رجع إلى عادته القديمة وولد إرهابياً من جديد وبات الرجل الثاني في تنظيم القاعدة باليمن، بما يدلل علي فشل الحوار أو أفكار التوبة عند الإرهابيين العقائديين، وهو ما يشبه الذي جرى في مصر حين عادت كوادر الإسلام السياسي إلى ممارسة الإرهاب - في رابعة وبعدها – بمجرد أن أتيحت لهم الفرصة لذلك.
ومن جهة أخرى فإن بعض ما أفصحت عنه المعلومات الأولية التي تيسرت بعد أيام من الحادث يقول أن الأخوين سعيد وشريف كواشي ذهبا إلى اليمن تحت ستار تلقي دراسات دينية هناك، وهو ما يبدو أمراً مفتعلاً يبعث علي الشك وكان ينبغي أن يحرك بعض جهات التحقيق والتحري الفرنسية لتبين طبيعة تلك الدراسات الإسلامية التي يسافر من أجلها فرنسيان من أصل عربي إلى اليمين لتلقيها، وبالذات إذا كان الأخوان مرصودان من عدة جهات تعرف ارتباطهما برجل كان خطيباً في مسجد بفرنسا إلتقطهما وبدأ يزرع أفكاره المتطرفة في رأسيهما بعد أن كانا بعيدين تماماً عن الدين، يعني كانا مادة خام ومساحة من الخلاء الفكري يزرع فيها المتطرف ما شاء من أفكار بوصفها (الدين)!
وأوجز مجموعة ملاحظات على ذلك الحادث في النقاط التالية :
• أولاً : أن الإرهابيين - جميعاً - ينتمون إلى خلية إرهابية إسمها (بوت شومون) في فرنسا، ويعرفها البوليس الفرنسي، لا بل وبعض الباحثين في الاجتماع السياسي والدارسين في معهد الدراسات السياسية في باريس، وتطرح تلك الحقيقية ملف القصور الشديد في أداء جهاز الشرطه الفرنسي، ومخابرات المكتب الثاني التي تعددت الشواهد وربما القرائن من خلال ذلك الحادث - عليه، إذ بدت تلك الخلية (التي تحرك أفرادها للقتل والهرب واحتجاز الرهائن) آمنة تماماً من أي تصد أمني.
• ثانياً : إن مجلة "إنسباير" التابعة لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، حددت مؤخراً جداً، عدداً من الأسماء التي يستهدفها التنظيم في فرنسا، ونشرت تلك المجلة التي تظهر علي الإنترنت - مجموعة من صور المستهدفين وبينهم، وربما علي رأسهم ستيفان شاربونييه رئيس تحرير مجلة "شارلي إيبدو"، وهو مالم ترافقه أي إجراءات فرنسية أمنية استثنائية لحماية الرجل أو مقر المجلة الذي اقتحمه الإرهابيون وجاسوا فيه وتحركوا من دون أي مقاومة تذكر، ومن دون حواجز تأمين من أي نوع.
• ثالثاً: إن فكرة وضع العناصر الإرهابية تحت المراقبة هي فكرة خرقاء بلهاء لا تفضي إلى أي نتيجة لأن الإرهابيين يعيشون حياة طبيعية جداً ليس فيها ما يثير أي شبهه إلى حين التحرك لتنفيذ عمل إرهابي، وبالتالي فإن وضعهم تحت المراقبة ليس له معنى طالما لا يمثل إجراء وقائياً فعالاً أو مؤثراً، وقد لاحظت شيئاً من ذلك بنفسي في بريطانيا، حين كنت أسأل - في منتصف التسعينيات – كل الوزراء البريطانيين ذوي الصلة بملف الإرهاب في الخارجية أو وزارات شئون الشرق الأوسط، أو الداخلية والدفاع عن الإجراء الذي سيقومون به في مواجهة العناصر الإرهابية المصرية اللاجئة لبريطانيا والمحكوم عليها في القاهرة، - وكنت دائماً - أواجه برد واحد هو : (أنهم تحت المراقبة وإذا قاموا بعمل إرهابي أو خططوا من فوق الأراضي البريطانية للقيام بعمل إرهابي في دولة أخرى فسوف نتعرض لهم)، وقد ثبت خرق تلك الفكرة حين تعددت الهجمات الإرهابية في لندن ومن ضمنها تفجيرات 7/7 عام 2005 وغيرها، وعندها بدأت لندن في تطبيق المداهمات ضد العناصر الإرهابية الإسلامية التي تعيش فيها، باستثناء العناصر الحليفة للأجهزة الأمنية البريطانية، والتي أسهمت بريطانيا - تاريخيا - في تأسيسها مثل (الإخوان المسلمين) والتنظيمات التي تقابلهم، وتجدر - هنا - الإشارة إلى أن دافيد كاميرون رئيس مجلس وزراء بريطانيا كان أعلن عن إجراء تحقيق حول جذور جماعة الإخوان وعلاقتها بالإرهاب، وتأخر إعلان نتيجة هذا التحقيق حتي تسربت منذ أسابيع، وأنها تضمنت (تشديد المراقبة) وليس (الحظر) وبما يشي بالعلاقة الخاصة بين الإخوان وبريطانيا، والتي جعلتني أنشر - هنا – مقالاً عند إعلان كاميرون عن تحقيقه بعنوان: "بريطانيون كاذبون"!
• رابعاً: هناك جانب في قصة الاعتداء على شارلي إيبدو يتعلق باختلاف الثقافة بين الدول الأوروبية ومواطنيها ذوي الأصول العربية أو المسلمة، إذ أن العناصر الإسلامية وبالذات المتطرفة تنظر إلى التطاول السافل من جانب بعض منابر التعبير الغربية علي أنه جزء من مؤامرة على الإسلام ورموزه المقدسة، وليس عندي ما يثبت جانب المؤامرة في الموضوع، ولكن رغم إدانتي الأخلاقية بأشد ما أملك من عبارات لمحاولات الإساءة إلى النبي - صلي الله عليه وسلم - أو إلى الإسلام، فإنني أرى تلك المسألة جزءاً من ثقافة أخرى تسمح بذلك، وفي أثناء إعدادي لأطروحتي لنيل درجة الدكتوراه في الصحافة (في الثمانينيات) وكانت عن علاقة نظام السادات السياسي بالصحافة (دراسة حالة علي الكاريكاتير كمادة رأي) وجدتني أمام مئات الرسوم التي تسخر من الكنيسة والبابا والمسيح بل والذات الإلهية والعياذ بالله في مجلات مثل (لوكانارد أنشينية) أو (شارلي إبدو).
وما أريد قوله – هنا – أن الاختلاف الكبير بين ثقافة مجتمعات أوروبية وهؤلاء من ذوي الأصول العربية والإسلامية الذين يعيشون فيها يخلق فرصاً هائلة للاحتكاك، ويراكم غضباً وشعوراً بالاستهداف في نفوس العرب والمسلمين، وبخاصة هؤلاء الذين لم ينجحوا في إذابة أنفسهم في ثقافة مجتمعاتهم الجديدة، أو أولئك من الذين إرتبطوا بتنظيمات إرهابية وراء البحار نجحت في توظيفهم وإستخدامهم لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والسياسية.
• خامساً: إن هناك معلومات توفرت لدى أجهزة الأمن الأمريكية أن أبطال الإرهاب في فرنسا مدرجين على ثلاثة قوائم أمريكية للإرهاب، ومع ذلك لم تلاحقهم أمريكا على الرغم من أنها التي تختص بالمواجهة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية واليمن الذي ينتمي إليه الإرهابيين، والذي نجحت واشنطن في إصطياد قائده أنور العوالقي عام 2011 بغارة شنتها طائرة بدون طيار وتردد أنها تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية، وهكذا فعلت مع نائب قائد التنظيم سعيد الشهري بعدها بشهور، كما أنها رصدت 10 ملايين دولار من أجل القبض على زعيم التنظيم الحالي ناصر الوحيشي .
يعني الولايات المتحدة ركزت على القيادات وأغفلت متابعة العناصر القاعدية علي الرغم من وجودها علي قوائم الإرهاب الأمريكية.
• سادساً : تشي تطورات حادث باريس بأن هناك تساهلاً عبيطاً جداً إزاء ما يعرف بإعلانات الإرهابيين للتوبة أو إستجاباتهم لما يسمي: (برامج المناصحة) إذ أن سعيد الشهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة السعودي قبل أن تقنصه طائرة المخابرات الأمريكية، كان سجيناً في معتقل جوانتانامو ثم عاد وانضم إلي برنامج المناصحة السعودي، وبعده رجع إلى عادته القديمة وولد إرهابياً من جديد وبات الرجل الثاني في تنظيم القاعدة باليمن، بما يدلل علي فشل الحوار أو أفكار التوبة عند الإرهابيين العقائديين، وهو ما يشبه الذي جرى في مصر حين عادت كوادر الإسلام السياسي إلى ممارسة الإرهاب - في رابعة وبعدها – بمجرد أن أتيحت لهم الفرصة لذلك.
ومن جهة أخرى فإن بعض ما أفصحت عنه المعلومات الأولية التي تيسرت بعد أيام من الحادث يقول أن الأخوين سعيد وشريف كواشي ذهبا إلى اليمن تحت ستار تلقي دراسات دينية هناك، وهو ما يبدو أمراً مفتعلاً يبعث علي الشك وكان ينبغي أن يحرك بعض جهات التحقيق والتحري الفرنسية لتبين طبيعة تلك الدراسات الإسلامية التي يسافر من أجلها فرنسيان من أصل عربي إلى اليمين لتلقيها، وبالذات إذا كان الأخوان مرصودان من عدة جهات تعرف ارتباطهما برجل كان خطيباً في مسجد بفرنسا إلتقطهما وبدأ يزرع أفكاره المتطرفة في رأسيهما بعد أن كانا بعيدين تماماً عن الدين، يعني كانا مادة خام ومساحة من الخلاء الفكري يزرع فيها المتطرف ما شاء من أفكار بوصفها (الدين)!