في أوساط الراقصات والعوالم يعرف الجميع مصطلح «شيال العدة».. يرددونه بلا خجل أو شعور بالانتقاص من مهنة «شخص» يعيش بينهن.. غالبًا يدعى هذا «الشيال» أنه في الأصل «فنان» بس مالقاش فرصة.. وعشان يعيش في الجو اللى بيحبه قريبًا من حلمه «ضحى» وقبل أن يقوم بالدور.. وهو لكل من يعرف دور ممكن أي حد يعمله.. لأنه تقريبًا ما بيعملش حاجة.. هو يادوب أول ما العربية الميكروباص اللى بتنقل الفرقة والرقاصة لمكان الفرح توصل ينزل جرى يشيل الشنط.. كل الشنط.. ثم يعود لينقل «آلات الفرقة».. وهو ما يطلقون عليه «عدة الشغل».. ومن بين هؤلاء ناس محترمون.. يعملون لأنهم لا يجيدون مهنة أخرى.. وهذه هي المهنة الوحيدة التي تحصلوا عليها لسد رمقهم وإشباع حاجتهم وعوزهم.. لكنهم لا يتنطعون على من يعملون فعلًا ويدعون أنهم «نجوم» أو أنهم «من أرباب المهنة».
نموذج.. شيال العدة ما يختلفش كتير عن «صبى العالمة» فالأول يمارس مهنته في العلن وأمام الناس.. التانى يمارسها في المنزل، وفى الجلسات الخاصة والسرية.. يجيب للست كل اللى ما حدش يعرف يجيبه وحتى يحافظ على «مهنته وأكل عيشه» فهو غالبًا كتوم وحريص على إظهار تفانيه في خدمة سيدته.
هذه النماذج ليست جديدة على المجتمع المصري.. من عوالم الحرب العالمية الثانية مرورًا بعوالم شارع محمد على، وحتى عوالم شارع الهرم وبارات وكباريهات الفنادق ذات النجوم السبع.. لكن طول الوقت لم يكن يشعر بها أحد.. حتى خرجت مثل الفيروسات الجديدة التي أصابت أكباد المصريين.. خرجوا من «حيزهم الضيق» وشوارعهم المحفوظة لدى رجال شرطة الآداب والمصنفات والسياحة.. إلى عالم البيزنس والتجارة والإعلام والسياسة أيضًا.. ولأنهم يجيدون تزويق بضاعتهم، ولأنهم لا يتورعون عن أداء أي مهنة يخجل منها «المنتجون» الحقيقيون في البلاد.. وجدوا من يفسح لهم الطرق في زمن «المسخ» وفى الوقت الذي يعانى فيه الفلاح.. المنتج الأهم في تاريخ بلادنا الأمرين.. في الوقت الذي تنكره قوانين البلاد وتضن عليه بالعلاج في مستشفياتها النظيفة..وتخجل من أبنائه في مدارسها الفاخرة.. وتخجل منه هو شخصيًا ومن مهنته التي عاشت مصر بحالها طول عمرها على خيرها، هم يلفظونه ويلقون به في آخر الصف.. أو خارج الصف أصلًا وتحولت مهنته إلى عار يلاحق ذويه وأبناءه، إذا ما فكروا في الالتحاق بمهنة جرى تصنيفها على أنها موقرة.. مثل السلك الدبلوماسى أو القضاء أو الشرطة.. وحتمًا لن يستطيع المرور إلى عالم الإعلام أيضًا.. إلا فيما ندر.
في الوقت الذي تتخلى فيه الحكومة عن «العمال» أصحاب الياقات الزرقاء وتهمل مصانعهم مثلما أهملتهم هم شخصيًا.. في الوقت الذي ترفع فيه الدعم عن «منسوجاتهم» وقطنهم القادم من مزارع فلاحين.. في هذا الوقت تحديدًا تملأ صور وأخبار «اللقطاء» من شيالى العِدد وصبيان العوالم مقدمة الشاشة.. ويحظى بعضهم بدعم حكومى غير محدود في محاولة لمنحه أو منحهم عددا من مقاعد البرلمان.. ويسطع بعضهم كمقدمى برامج في الفضائيات الخاصة، يتحدثون ببجاحة عن مصر ومستقبل مصر وناس مصر.. وعمالها وفلاحيها ومدرسيها وصناعها وبنائيها.. من سلسال الحلوانى الأعظم.. هؤلاء «الحلوانية» وأبناؤهم.. لن تجد أسماءهم حتمًا في قوائم المرشحين لأى وظيفة قادمة.. فالزمن زمن شيال العِدة حتى إشعار آخر.