تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
احتج أحدهم على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى المفاجئة للكاتدرائية الكبرى بالعباسية، أثناء قداس عيد الميلاد المجيد، قائلا إن الرئيس قطع الصلاة وهذا أمر لا يليق، وكان من المفروض أن تكون هناك ترتيبات أخرى، بحيث يكون دخوله في الوقت المناسب، دون أن يحدث حالة من الربكة أثناء طقس الصلاة.
استمعتُ إلى هذا الاحتجاج بدهشة شديدة، فما أحدثته الزيارة من أثر يفوق بالنسبة لى أهمية الحفاظ على قدسية الصلاة، فالله يفرح بأن يكون عباده متحابين ومتقاربين، أكثر من فرحته بصلاتهم له.
كانت زيارة السيسى للكاتدرائية مثل الزلزال الذي أنهى عصرًا كاملًا من التربص وتخليق الكراهية والسفسطة الفارغة التي كانت تدور حول تحريم مشاركة الأقباط الاحتفال بأعيادهم.
لقد وصلت الرسالة.. السيسى يقرر الذهاب إلى الكنيسة بشكل مفاجئ ودون إعلان أو استئذان؛ لأنه يعتبر أن الكنيسة بيته، فكل بيوت المصريين وكل دور عبادتهم بيته يدخلها في أي وقت ليشارك مواطنيه فرحتهم واحتفالهم بعيدهم، ثم إنه وكما أكد في كلمته القصيرة يتعامل مع الجميع على أنهم مصريون، انتهى عصر مسلم ومسيحى وأصبح لدينا عصر نعلى فيه من قيمة المصرى، بصرف النظر عن دينه أو معتقده أو مذهبه الفكرى أو السياسي.
قبل الزيارة الأسطورية التي لم تستغرق سوى ١٣ دقيقة.. دخلت النخبة السياسية والفكرية في حوار طويل محاولين الإجابة عن سؤال واحد، وهو: هل يحضر السيسى الاحتفال بعيد الميلاد المجيد؟ كانت هناك دعوات ملحة من مفكرين أقباط ومسلمين على السواء ليكون السيسى حاضرًا في المشهد، ورأوا ضرورة الحضور دون أن تكون لدى أحد معلومة واحدة عن نية الرئيس، ولا عما سيفعله، خاصة أنه كان في رحلة سياسية واقتصادية بالكويت.. وكان من المقرر أن يعود في نفس يوم الاحتفال.
سبق السيسى تفكير الجميع، أدى ما عليه، وما تفرضه ضرورات أن يكون رئيسا لكل المصريين.. لكنه زاد على كل المعانى التي فكر فيها من طالبوه بالحضور، فقد ذهب دون إجراءات أو تأمين.. اللهم إلا التأمين العادى للكنيسة في مثل هذا اليوم.. ليقول للجميع إن الرئيس الذي تحيط به الأخطار من كل مكان يثق في حالة الأمن التي تعيشها مصر، رغم حالة التربص التي تحيط بها من كل مكان.
بدأ السيسى بزيارته إلى الكاتدرائية عصرًا جديدًا، كان مهمًا- كما قال- أن يذهب إلى الأقباط بنفسه ليقول لهم كل سنة وهم طيبون، لكن الزيارة تجاوزت كل معانى ودلالات التهنئة العابرة التي كان يمكنه أن يرسلها بطريقة رسمية، أو يكتفى بالمندوب الذي أوفده لحضور الاحتفال.
لقد ظلت العلاقة بين الرئيس والكنيسة ملتبسة طوال العقود الماضية، عبدالناصر وضع حجر الأساس للكاتدرائية الكبرى بالعباسية، وكان كتفا بكتف مع البابا كيرلس السادس لكنه لم يحضر الاحتفال بعيد الميلاد، الرئيس السادات زار الكاتدرائية وسار فيها مع مجموعة من رجاله، وسجلت صورة شهيرة ذلك، ووعد البابا شنودة بكل ما يريد من كنائس لكن شيئا من هذا لم يحدث، ولم يحضر أيا من الاحتفالات بالأعياد المسيحية. الرئيس مبارك ربطته علاقة شد وجذب بالبابا شنودة، استقبله أكثر من مرة، راحت وجاءت عبارات الغزل السياسي بينهما، لكنه لم يحضر أيضا أيا من الاحتفالات، وكان يكتفى بحضور أولاده. محمد مرسي حضر عيد الميلاد بوصفه رئيسا لحزب الحرية والعدالة وعندما أصبح رئيسا تجاهل الأقباط ولم يحضر الاحتفال ولم يشارك في جنازة البابا شنودة. الرئيس عدلى منصور كان الأكثر ودًا وقربا لكنه لم يحضر الاحتفال هو الآخر.
لكن ولأن السيسى مختلف في كل شيء، فقد قرر أن يكون أول رئيس مصرى يفعلها بصدق وإخلاص ومحبة، ورغبة في التأكيد على أنه رئيس لكل المصريين.
لم يسع عبدالفتاح السيسى إلى مجد شخصي، يكفيه ما فعله، فهو رجل مستقبله خلفه، ولكنه ذهب ليبعث رسالة إلى الجميع بأنه سيظل قابضًا على الجمر من أجل أن تظل وحدة المصريين باقية وخالدة.. وسيظل المصريون قادرين على إبصار العالم بشعبهم ورئيسهم.
أثبت السيسى أن القيادة ليست كلامًا ولا خطبًا ولا تصريحات.. ولكنها أفعال.. وقد فعلها، وقف بين مواطنيه الأقباط ليقول إنه لن يتأخر أبدًا عنهم، وسيكون بينهم، ضاربًا عرض الحائط بمحاولات الوقيعة والإقصاء وضرب أسافين الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
قد يرى البعض في الأمر مبالغة.. لكن دخول السيسى إلى الكاتدرائية وصعوده ليقف أمام البابا متحدثًا إلى الشعب المصرى كله، أهم عندى من وقوف السادات متحدثًا إلى العالم عن السلام، وأعتقد أن العالم كله تابع هذه الدقائق القصيرة العابرة باهتمام شديد وبغيظ أشد، فالرجل الذي قالوا إنه جاء ليفرق المصريين، ها هو نفسه يجمعهم، ويدعو إلى محبة صادقة وخالصة وجادة بينهم.. يفعل ذلك بثقة كاملة.. فلا يهمه سوى شعبه ولا يشغله إلا مستقبل بلاده.
سبق السيسى تفكير الجميع، أدى ما عليه، وما تفرضه ضرورات أن يكون رئيسا لكل المصريين.. لكنه زاد على كل المعانى التي فكر فيها من طالبوه بالحضور، فقد ذهب دون إجراءات أو تأمين.