تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
إذا قال لك أحد إن المهندس أحمد عز يحب مصر.. لا تصدقه.
وإذا قال لك إنه يريد دخول البرلمان ليكون في عون وعين أهالي دائرته.. لا تثق فيه.
وإذا قال إنه نسى الماضى ويريد أن يفتح صفحة جديدة مع الجميع.. فلا تركن إليه.
فأحمد عز الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس قبل ثورة يناير، وكان قاب قوسين أو أدنى من غرفة الرجل الثانى في مصر.. لن ينسى أبدا الليالى الطويلة السوداء التي قضاها في السجن، ولن يغفر لهذا الشعب ما يعتبره جريمة في حقه.. ولن يسامح مَن شمتوا فيه وأعلنوا فرحتهم في سجنه وإهانته وإذلاله.
ما عاد عز ليخدم.. بل جاء ليهدم.
ومن هنا يمكن أن نحاول الإجابة عن سؤال يمكن أن نعتبره مراوغا، وهو: ما الذي يريده أحمد عز؟
قد يمتلك أحمد عز وحده إجابة عن هذا السؤال، يمكن أن يتحدث كل من حوله عنه وعن طموحه وعن مراوغاته وعن خططه وعن أياديه البيضاء على أعماله وأهل دائرته، وعن أهمية عودته إلى المشهد السياسي الآن، لأنه خبرة سياسية جبارة مصر في حاجة إليها.
لكن لا أحد على الإطلاق يملك الصورة الكاملة إلا هذا القزم السياسي الذي لا يرى في مرآته الخاصة إلا عملاقا يريد أن يملك ويسيطر ويحكم.
لكن قبل الإجابة عن سؤال ماذا يريد؟ ما رأيكم أن نتحدث قليلا عما يفعله الآن.
****
على الأرض انتهى أحمد عز فعليا من تسجيل جانب كبير من مذكراته وسيرة حياته في حلقات تليفزيونية قرر أن يهديها إلى إحدى القنوات الفضائية، ويجرى حاليا مشاورات ليحدد طريقة العرض وتوقيته، فهو يريد أن تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، ولذلك فهو يجهز لأكبر حملة إعلانية للترويج لحلقاته الخاصة، متحديا مشاعر النفور من كل ما يتعلق به.
عبر الحلقات التي سجلها وباشر تنفيذها مخرج كبير، تحدث أحمد عز عن طفولته وتعليمه ومشواره السياسي حتى أصبح أمينا عاما للحزب الوطنى، تحدث عن معرفته بجمال مبارك وطبيعة العلاقة الخاصة جدا التي جمعت بينهما، ولقاءاته مع الرئيس مبارك وماذا دار فيها، وكيف أنها كانت لقاءات جماعية، فلم يسبق لعز أن اجتمع بمبارك لقاء فرديا أبدا، وشكل العلاقة التي ربطت بينه وبين سوزان مبارك، ثم تطرق إلى تضحية النظام به وتقديمه ككبش فداء تحت أقدام حالة الغضب التي اجتاحت الشارع في ٢٥ يناير 2011، وتحدث عن الفترة التي قضاها في السجن.
حاول أحمد عز في الحلقات التي سجلها أن يغسل سمعته وتاريخه، أن يقدم مبررات منطقية من وجهة نظره لكل ما جرى.. حاول أن يبرئ نفسه من جريمته الكبرى، وهى المساهمة بشكل كامل في إسقاط نظام ظل قابضا على رقبة المصريين لثلاثين عاما.. ثم جاء هو ليفتت هذا النظام في سنوات قليلة.
المفاجأة التي ربما لم يتوقعها أحمد عز، أنه عندما سعى للقاء محمد حسنين هيكل عبر نجله رجل الأعمال أحمد، تحدث معه الكاتب الكبير عن ضرورة كتابة مذكراته السياسية، اقترح هيكل أن ينشر عز مذكراته في كتاب، وأن ينشرها أيضا على حلقات في جريدة تزامنا مع نزولها في كتاب، حتى تصل إلى أكبر عدد من القراء، ولم يكن هيكل يعرف أن عز انتهى بالفعل من تسجيل مذكراته، وقرر أن يذيعها عبر وسيلة أكثر انتشارا وهى الفضائيات، فرغم أن هيكل ذاق حلاوة الانتشار عبر التليفزيون فإنه لا يزال وفيا لقراء الورق.
لم يتحدث عز مع هيكل عن مشروعه الذي انتهى منه، ربما لأنه يعرف أن هيكل لن يكون مخلصا معه حتى النهاية، ولن يقدم إليه النصيحة، وربما أراد هيكل أن يستفز عز ليحكى له أكثر، حتى يستخدم ما يقوله رجل الأسرار في نظام مبارك بعد ذلك.
الغريب أن هيكل لم يصبر على ما حصل عليه من عز، فبعد أيام قليلة، وفى أثناء حديثه مع لميس الحديدى، كشف لها كل ما دار بينه وبين عز، وبدا الكاهن الكبير الذي ظل واقفا على باب الرؤساء والملوك طوال عمره يفخر بأنه يمكن أن يكون كاهنا لرجل أعمال وسياسي فاشل.
****
يعرف أحمد عز أن النظام الحالى لن يخاطر بالجلوس معه أو الاستماع إليه، لأن الظهور معه في حد ذاته تهمة، ولذلك حاول أن يلجأ إلى بعض الوسطاء حتى يفسحوا له طريقا يصل من خلاله إلى رأس النظام أو على الأقل يجلس مع أحد رجاله فقط من أجل توضيح وجهة نظره.. وحتى هذه اللحظة لم يعثر على ثغرة ينفذ منها إلى ساحة النظام الضيقة، والمغلقة تقريبا في وجه رموز نظام مبارك، أو على الأقل في وجه الدائرة الضيقة التي كانت تحيط بمبارك وولده.
وقد يكون هذا تحديدا هو ما جعل عز يلجأ إلى أكثر من حيلة سياسية وإعلامية وإعلانية يؤكد من خلالها وجوده وتأثيره، فرصيده السياسي نفد ولا يكفى له سندا، ولذلك قرر أن يدفع بأمواله لتكون له رفيقا وونسا.
كان من السهل على أحمد عز أن يخترق برنامجا تليفزيونيا شهيرا، وتصبح مصانعه هي الراعى الرسمى له، خصوصا أن توجهات البرنامج وصاحبه لا تختلف عن توجهات عز، بل يصبان في قناة واحدة، وليس بعيدا أن يصبح عز نفسه ضيفا على هذا البرنامج قريبا.. وذلك ثقة منه أن مقدم البرنامج لن يحاصره في خانة «اليك»، ولن يواجهه باتهامات يعرفها كل صغير وكبير في مصر، بل سيكون له عونا وسندا، وسيمهد الأرض أمامه ويفرش له سجادة حمراء ليسير عليها في طريقه إلى غزو قلوب وعقول المشاهدين.
وكان من السهل على أحمد عز أن يخترق برنامجا جماهيريا يقدمه مذيعا أكثر جماهيرية، صحيح أن المذيع الشهير لا يزال يهاجم عز، ويرفض علنا عودته إلى الحياة السياسية، ويستنكر عليه أن يشارك في الانتخابات البرلمانية بشخصه أو بدعمه، لكن بعد أن ينتهى من وصلة الهجوم الحاد والساخن على إمبراطور الحديد، تدخل شركات حديد أحمد عز لتعلن عن نفسها كراعية للبرنامج، ولأننا لسنا في الجنة، فليس معقولا أن يمول أحمد عز برنامجا يهاجمه، وقد يكون ما يحدث مجرد مناورة، بعد قليل يصمت المذيع وينتهى الهجوم، وتظل الرعاية هي الباقية.
وكان سهلا على أحمد عز أن يدخل صحفا خاصة في حظيرته يقدم إليها إعلاناته، وينفق عليها رغم أن بعضها كان ولسنوات طويلة خصما عنيدا له، وكاشفة لمخططاته وسقطاته، ولم يكن غريبا بالنسبة إلىّ أن تنشر جريدة رفضت إعلاناته قبل سنوات وسجلت موقفها هذا في الصفحة الأولى كنوع من الشرف والنضال الصحفى، أن تنشر إعلاناته الآن بحفاوة كبيرة، فالمواقف تتحول والرجال أيضا.
لكن كان من الصعب جدا على أحمد عز اختراق الإعلام الرسمى، وأسجل هنا الخبر الذي نشرته صحيفة خاصة في صفحتها الأخيرة نصا:
يقول الخبر: «كشف مصدر مسئول داخل ماسبيرو أن رجل الأعمال أحمد عز قدم من خلال مسئولى شركته عرضا لعمل حملة إعلانية على شاشة التليفزيون المصرى، بحيث تعرض في أثناء نشرة التاسعة مساء على القناتين الأولى والفضائية المصرية، وهو عبارة عن إعلان مدته دقيقتان قام بتسجيله بصوته، يروج فيه لمجموعة شركات حديد عز، وذلك مقابل ما يقرب من ٢ مليون جنيه، وقام المسئولون في القطاع الاقتصادى بماسبيرو بتحويل الأمر إلى صفاء حجازى رئيس قطاع الأخبار للبت فيه، بسبب رغبة عز في أن تكون الأولوية في عرض الإعلان من خلال نشرات قطاع الأخبار التي تعتبر الأكثر مشاهدة، إضافة إلى كونها الأعلى سعرا في البيع الإعلانى الذي يتم حسابه بالثانية وليس بالدقيقة، ورفضت حجازى الموافقة على العرض إلا بعد الرجوع إلى عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون القائم بأعمال وزير الإعلام الذي توجه بدوره إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، الذي رفض تماما أن يظهر عز على أي من شاشات التليفزيون الرسمى للدولة حتى لو من خلال إعلان صوتى لشركاته وبناء على هذا تم رفض العرض».
انتهى الخبر وتبقى دلالاته.
أولا: ليس صحيحا أن أحمد عز لا يريد الظهور واحتلال خشبة المسرح كاملة، كما يحلو بعض المقربين منه أن يروجوا، فقد يعرف ماذا يريد جيدا، دفع الملايين خلال الأسابيع الماضية من أجل تركيع صحف وقنوات، وقد نجح في ذلك بالفعل، لكن كل هذه الصحف وهذه الجرائد لا تملأ عينه، لا تحقق له ما يريد، إنه يعرف أن أصحابها سهل شراؤهم، ثم إنهم لن يفيدوه كثيرا، لأنه يريد اعترافا رسميا، ولذلك اتجه إلى التليفزيون المصرى، إلى نشرته الرئيسية، قرر أن يخترقها، ويضع فيها إعلانا بصوته.
يعرف عز جيدا أن ظهور صوته في التليفزيون المصرى ولو لدقيقتين فقط ومن خلال إعلان تليفزيونى، سيعنى أن النظام لا يعارض في ظهوره، بل يبارك وجوده، والدليل السماح له بالظهور عبر قنوات الدولة الرسمية، لكن الحلم تبدد.
ثانيا: التقط العاملون في التليفزيون طرف الخيط، فهموا جيدا ما الذي يخطط له المهندس العائد، فرفعوا الأمر إلى رئيس الوزراء، الذي أدرك أن «طُعما» يلقى في طريقه، فتجنيه، ورفض ظهور أحمد عز تماما، قد يكون رفض رئيس الوزراء مخالفا للقانون، لكنه متوافق جيدا مع الظرف السياسي الذي يمر به النظام، الذي يعلن رأسه دائما عداءه وكراهيته لنظام مبارك ولكل ما تخلف منه، لا يفعل ذلك خلف الأبواب المغلقة، ولكن يصرح به في لقاءاته العامة، ولا يجد أزمة في أن يتم نقل الكلام عنه.
ثالثا: تفكير عز في الترويج لشركاته عبر التليفزيون المصرى لا علاقة له بالاقتصاد ولا المكسب ولا الترويج لمنتجاته، إنه يأخذ من التليفزيون الرسمى طريقا ليطل على الناس من جديد، لتذوب بذلك كل الحواجز التي يضعها الإعلام بينه وبين فئات كثيرة من الشعب، فاعتياد الناس على عز -ربما كما يعتقد- يمكن أن يجعل منه شخصا مرحبا به، دون أن يعرف أنه لن يرحب به إلا من سيتربحون من ورائه، وهم حتى لو كانوا كثيرين، فإنهم سينفضون عنه بمجرد أن يخسر المعركة السياسية التي يخطط لها.
****
لم ينته الأمر بعد.
في الخبر رائحة تصوير لـ"عز" على أنه يتحدى النظام، وفى الإخراج النهائى له تأكيد قوة الرجل الحديدى، الذي يدفع أعلى سعر ليقتحم تليفزيون الدولة، وأن رئيس الوزراء بنفسه من يقف وراء منعه وإقصائه.
ولذلك تقصينا عن الخبر، وهو ما فعله الزميل إخاء شعراوى، حيث تبين عبر مصادر من داخل القطاع الاقتصادى بالتليفزيون أن رئيس الوزراء لا علاقة له إطلاقا بالأمر، وكل ما جرى أن عز تقدم إلى وكالة «صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات» بعرض قيمته 2 مليون جنيه مقابل عرض إعلانات شركته على شاشة التليفزيون، وأرسل نسخة من الإعلان الذي سجله بصوته، إلا أن «صوت القاهرة» بحثت العرض المقدم من عز فوجدت التكلفة أقل من قيمتها الحقيقية بما يوازى 3 ملايين جنيه، ولما طلب القطاع الاقتصادى من عز دفع القيمة الحقيقية للإعلان رفض وانتهى كل شىء.
مصادرنا في القطاع الاقتصادى أشارت إلى ما هو أكثر، فأحمد عز وعندما كان أنس الفقى وزيرا للإعلام حصل على تخفيضات كانت تصل إلى 60٪ من القيمة الحقيقية للإعلان، مستغلا بذلك وضعه السياسي وعلاقته القوية برأس النظام وابن رأس النظام.
وهنا لا بد من إثبات دلالة جديدة.. فعز رجل الأعمال يلازم عز السياسي، فهو يدفع «نعم»، يغدق على إعلاميين معروفين بالاسم «نعم»، لكنه في النهاية لن يفرط في ثروته، ولن يبددها، إنه وكأى محب للمال يريد أن يحصل على كل شىء دون أن يدفع شيئا، أو على الأقل يدفع أقل القليل.
أما الدلالة الثانية فهى أن النظام يريد أن يبرئ نفسه من تهمة إبعاد أحمد عز وإقصائه، فهو ليس مشغولا به على الإطلاق.. وهو أمر محير، فإطلالة عز برأسه على المشهد من جديد تؤرق الشارع السياسي، لكن يبدو أنه لا أحد يهتم بما يدور في الشارع السياسي ولا بما يدبر فيه، وهذه قضية أخرى على أي حال.
****
هل وصلنا إلى محطة الإجابة عما يريده عز؟
أعتقد أننا فعلنا ذلك.
كان أحمد عز أول من دخل السجن من رجال مبارك.
في الأيام الأولى للثورة وفى مكالمة ثلاثية جمعت بين مبارك وزكريا عزمى وجمال مبارك، تم الاتفاق على التضحية بعز، وتقديم جثته إلى ملايين الثائرين في الميادين المصرية، اعتقد نظام مبارك العجوز أن إلقاء عز على قارعة الطريق يمكن أن يمتص الغضب الذي صنعه هو بإصراره على استبعاد المعارضة المصرية جميعها من برلمان 2010، وتسكين رجال الحزب الوطنى وحدهم على مقاعد البرلمان.. دون أن يدرك مبارك والذين معه أن عز ليس إلا نقطة في بحر أراد الثوار أن يجففوا وينضحوا ماءه بعيدا عن مصر.
ربما كان هذا هو الشعور الأكبر بالهزيمة الذي أحاط بأحمد عز، كان يعرف أن هناك حالة تربص به، وأن الرغبة في تصفيته قائمة لدى مسئولين كبار، لكنه كان يعتقد أنه شخص مهم على الأقل لدى جمال مبارك، في لحظة واحدة تبخر كل شىء، ليجد عز نفسه سجينا وملعونا ومطرودا من الجميع.
نظام مبارك يعتبره صاحب الضربة الأولى في انهياره بسياساته التي أصر عليها وأوردت الجميع موارد التهلكة.
ورجال المعارضة الذين نقموا عليه بعد أن أجلسهم في بيوتهم ومنعهم من مجرد الدخول إلى مجلس الشعب، رغم أنهم في انتخابات سابقة كانوا يدخلون البرلمان وينعمون بصفقاتهم بالاتفاق والتنسيق مع رجال الحزب الوطنى.
وشباب الثورة الذين كان عز تحديدا يمثل لهم استفزازا هائلا، فهو كان راعيا لمشروع التوريث، ولم يكن هذا لأجل عيون جمال مبارك، بل كان يخطط هو الآخر ليصعد إلى جواره على العرش، وكان مشروع التوريث هو أكبر إهانة شعر بها الشباب، الذي خرج ليحرر بلده من استبداد وفساد طال لسنوات طويلة.
والإخوان المسلمون الذين حرصوا على التنكيل بأحمد عز، لأنه كان صاحب القدر الأكبر من الهجوم عليهم في مؤتمرات الحزب الوطنى، صحيح أن هجومه عليهم كان ساذجا وسطحيا يتناسب مع قدراته السياسية، لكنهم لن ينسوا له أنه من رفض عقد صفقة معهم في انتخابات 2010، وأصر على أن يخرجوا صفر اليدين من الانتخابات.
لم يكن أحد يريده إذن.. وهو ما أورثه مرارة لا يقدر على تحملها أحد، وهو ما يجعلنى أقول إن أحمد عز لن يهدأ حتى يثأر لنفسه، وأعتقد أن تلويحه بدخول الانتخابات البرلمانية أو بدعمه نواب الحزب الوطنى السابقين، أو محاولاته التنسيق للسيطرة على البرلمان لتكون له الكلمة الأولى والأخيرة في تشكيل الحكومة وما يصدره المجلس من قوانين، ليس إلا من باب تأكيد العودة مرة أخرى، والإشارة إلى أنه رقم في المعادلة، بصرف النظر عما إذا كان رقما صعبا أو سهلا، لكنه في النهاية رقم.
هل أشير بذلك إلى قلب ما يخطط له أحمد عز؟
أعتقد أننى أفعل ذلك.
حتى الآن هناك مَن يؤكد أنه سيشارك في الانتخابات البرلمانية، وهناك مَن يؤكد أنه لن ينزل أبدا، وكل من حوله ينصحونه بألا يفعل ذلك، وبصرف النظر عن قراره الأخير الذي يمكن أن يتغير في أي لحظة، فإنه يريد أن يظل هكذا شبحا في الخلفية، يسبب حرجا للنظام من ناحية، ويسبب قلقا لكل التحالفات الموجودة على الساحة، لأنه يوحى للجميع أنه يمكنه تغيير كل معادلات الانتخابات في لحظة واحدة، وحتى لو تعاملنا مع أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك، إلا حالة الوهم التي يصنعها حول نفسه كفيلة بأن تحقق له ما يريده من أهداف.
التفاصيل الصغيرة يمكن أن تقودنا إلى الصورة الكبيرة.
أوحى عز بأنه لن يشارك في العمل السياسي، وأنه سيتفرغ فقط لأعماله التي خلفها وراءه، رغم أن مكاسبه في أثناء سجنه لم تتأثر، فقد كانت شركاته تحقق أرباحا طائلة، اختفى لأيام قليلة عن العيون ربما ليرتب أوراقه، لكنه لم يصبر، سيطرت على أذنه نداهة الطموح والشهرة والنفوذ والأضواء فبدأت المراوغات.
عندما استقبل عددا من أعضاء الحزب الوطنى في شقته بـ«الفورسيزون» جره الحديث إلى منطقة ماذا سيفعل في المستقبل، أعلن أنه لن يشارك في الحياة السياسية مرة أخرى، ولما قالوا له: وانتخابات البرلمان ولو من باب أن النائب يمكن أن يقوم بعمل خدمى وليس سياسيا فقط، قال: المرة دى لا.. لكن المرة الجاية يمكن، وهو كلام نشرناه ولم ينكره عز.
لكن هذا لم يكن موقفه النهائى، فبين عماله الذين يأكلون عيشه أشرف على إخراج مسرحية، كان الخط الدرامى الأساسى فيها أن يطالبوه هم بالترشح، وساعتها يقول إنه لا يريدها، لكن من أجل الناس فعلها، وهى خصلة لم تغادر رجال مبارك أبدا، يحبون أن يطلبهم الناس، رغم أنهم أحرص ما يكونون على طلب السلطة والتمرغ في نعيمها.
ألقى عز بكرة النار ثم جلس على مقعده يتابع ردود الأفعال، يستمتع بحالة الارتباك التي أحدثها في الوسط السياسي، يتابع ما نشر عن اتصالات سيادية به حذرته من العمل السياسي، ويسخر ممن يكتبون، يرصد سقوط من هاجموه قبل ذلك تحت قدميه طالبين منه العون، يتتبع حالة القلق في عيون من يتحدثون عنه مطالبينه بألا يشارك في الانتخابات البرلمانية.
بحسابات الانتخابات المجردة، لو نزل أحمد عز الانتخابات في دائرته «منوف السادات» أو حتى في أي دائرة، فإنه حتما سيربح مقعدا، فعندما يتحدث المال والتربيطات والصفقات يصمت الجميع، وعز يمتلك كل ذلك.
*****
لكن يظل السؤال الأهم وهو: هل عز فعلا سياسي محنك؟
هل وجوده في الحياة السياسية خلال المرحلة القادمة مهم؟
قد تلاحقنى بكلمة دارجة يتعامل بها أهلنا في الأحياء الشعبية في مثل هذه المواقف، وردا على مثل هذه الأسئلة، فإذا كان أحمد عز محنكا، فالمحنك كان نفع نفسه.. لقد أضاع نظاما كاملا برعونته ورغبته في أن يكون المنتصر الوحيد، رغم أنه في السياسة لا يوجد منتصر أوحد.
لقد أغرق السفينة، وكان أداؤه مستفزا للجميع، اعترض كثيرون على ما يفعله، عمر سليمان نفسه قالها بشكل غير رسمى، «جمال وشوية العيال اللى معاه هيودوا البلد في داهية»، واعترض بشكل رسمى لدى مبارك في أثناء الانتخابات البرلمانية في 2010، لكن مبارك بتكبير دماغه حسم الأمر عندما قال لسليمان: «هم عارفين بيعملوا إيه».
فعليا لا تحتاج المرحلة السياسية المتأزمة التي تمر بها مصر أمثال أحمد عز، ليس فقط لأنه كان أحد أركان النظام الذي اشتعلت ضده ثورة يناير، ولكن لأنه فاشل سياسيا، لن يقدم شيئا له قيمة، لن يضيف لنا إلا أزمات، فالذين سقط أولادهم شهداء بسبب تعنت نظام كان عز أحد أركانه لن يصمتوا على تصدره للمشهد مرة أخرى، ولو كان صادقا في مشاعره الوطنية التي يتحدث عنها، فليذهب ليخدم مصر في أي مكان آخر، وفى أي مجال آخر، لكن أن يفرض علينا رؤيته ومتابعته، فهذا أمر لا يحتمله أحد.
لقد خرج أحمد عز من النظام ومن الحياة السياسية ومن الوجدان المصرى مطرودا، على أمل أن يكون الطرد بلا رجعة، لكنه يقاوم، يرغب في أن يحيا من جديد، وقد يكون من حقه أن يحلم، لكن من حقنا نحن أيضا أن نرفض مجرد إطلالته، وأن نقول له: اخرج منها يا ملعون.. وكفانا منك ما جرى.