حديث خاص عن بطن النظام.. السيسي والمخابرات.. الرئيس يقابل مدير الجهاز يوميًّا.. ويقرأ تقارير «الأمن القومي» و«الخدمة السرية» كل صباح زيارته الأخيرة لـ«المخابرات» مقصودة لإعلان دعمه لمديرها الجديد
عمر سليمان رفض ترشيح السيسى لرئاسة «المخابرات الحربية» بسبب خلافه مع طنطاوى
«المشير» حسم الخلاف لصالحه في مكالمة مع مبارك قال له فيها: «عبدالفتاح ابنى»
قيل إن مراد موافى كان وراء تسريب فيديو «حفل تسلم السيسى مهام مدير المخابرات الحربية» لكنه نفى ذلك وأعلن مساندته للرئاسة
ملفات مصر من «25 يناير» حتى الآن في درج الرئيس وحده
من بين التقارير التي يحرص السيسي على الاهتمام بها تقرير المخابرات العامة التي تنقسم إلى هيئتين: الأولى هيئة الأمن القومي ووظيفتها الأساسية التصدي لأي نشاط معادٍ على المستوى الداخلي وتتبع الجواسيس والعملاء الذين يعملون داخل مصر، والثانية هيئة الخدمة السرية التي تعمل على مواجهة النشاط العدائى لمصر في الخارج.
ولأن عمل جهاز المخابرات يحتل جانبا من الأهمية والخطورة في آن واحد، فإن مدير المخابرات يحرص على لقاء الرئيس بشكل شبه يومى، وهو تقليد معروف في كواليس الحياة السياسية المصرية، فقد كان عمر سليمان ولسنوات طويلة يبدأ يوم عمله بلقاء الرئيس الأسبق مبارك ليطلعه على ما لديه من معلومات.
معنى ذلك أن كل ما يتعلق بعمل جهاز المخابرات العامة يكون أمام الرئيس أولا بأول، وعليه فلا يحتاج الرئيس إلى زيارة الجهاز إلا إذا كانت هناك مسألة خطيرة يريد مناقشتها مع قادته، أو تكون الزيارة ذات دلالة واضحة، كأن يبعث الرئيس برسالة واضحة تؤكد دعمه للجهاز ولكل العاملين فيه، وأن نشاطهم يحظى بمتابعته ومباركته.
ولذلك ورغم ما أُثير حول زيارة الرئيس السيسي الأخيرة للمخابرات ولقائه رئيس الجهاز اللواء خالد فوزي، فإن الأمر في ظاهرة لا يخرج عن كونه زيارة عادية، خصوصًا أن الجهاز استقبل رئيسًا جديدًا بعد رئيسه السابق اللواء محمد التهامي، وقد تكون زيارة السيسي مقصودة لإعلان دعمه للرئيس الجديد.
حاول البعض أن يصوِّر الأمر على أنه كان محاولة من الرئيس لوقف نزيف ما يتردد عن صراع الأجهزة داخل نظامه، فالشائعات السياسية لا تتوقف عن الإشارة إلى صراعات بين المخابرات العامة والحربية من ناحية، ثم بين جهازي المخابرات والأمن الوطني من ناحية ثانية، ثم بين الأجهزة الأمنية المختلفة داخل وزارة الداخلية، وهو ما يُحدِث ارتباكا حادًّا في رد فعل النظام على كثير من الأحداث.
وأغلب الظن أن الرئيس السيسي لو كان يريد فتح هذا الملف مع رئيس جهاز المخابرات العامة لاستدعاه إلى مكتبه، أو جعل الزيارة سرّية، بدلًا من الإعلان عنها وجعْلها في مرمى سهام التكهنات التي لا تقوم على معلومات صحيحة، وهو ما يجعل كل التفسيرات هائمة بلا ملامح، هذا إذا صح من الأساس أن هناك صراعات حادة بين الأجهزة الأمنية المختلفة، فقد يكون ما يجري تحت السطح مجرد اختلافات في وجهات النظر حول الطريقة المثلى للخروج من المأزق الذي نواجهه جميعا، وهو مأزق مواجهة الإرهاب الذي يصر مَن يمولونه وينفّذون عملياته على مواصلة حربهم علينا جميعا.
لكن هذه الزيارة تفتح لنا ملفًّا متسعًا، يمكن أن نقرأ من خلاله علاقة الرئيست السيسي بالمخابرات سواء كانت المخابرات العامة أم الحربية، ويمكن أن نضع هنا نقطة ونبدأ من أول السطر.
في مارس ٢٠١٠ كان اللواء عبدالفتاح السيسي قائدًا للمنطقة الشمالية، خرج من منصبه ليتولى مسئولية المخابرات الحربية، وكان الترشيح مباشرة من المشير محمد حسين طنطاوي، وهو الترشيح الذي صادفته عدة صعوبات سرعان ما تم تذليلها والتغلب عليها.
كان اللواء عمر سليمان، معترضًا بشدة على ترشيح السيسي ليس لشخصه، ولكن لأنه كان ترشيحًا من قبل طنطاوي، وذلك في سياق الصراع الكبير بين الرجلين الكبيرين على احتلال أكبر مساحة إلى جوار الرئيس مبارك، ومن ناحية أخرى لأن عمر سليمان كان يعرف أن مدير المخابرات الحربية سرعان ما يصبح مديرا للمخابرات العامة، وقد يكون سليمان قد انزعج من أن يكون خليفته واحدًا من أبناء المشير طنطاوي.
لكن المشير طنطاوي حسم الخلاف لصالحه عندما تحدث بوضوح مع الرئيس مبارك وأكد له أنه يثق في عبدالفتاح السيسي ثقة مطلقة، وأنه يرى صلاحيته التامة في شغل المنصب الجديد، وقال طنطاوي يومها كلمته التي رددها كثيرًا بعد ذلك: عبدالفتاح ابني.
الغريب أن هذا الصراع تجدد مرة أخرى عندما خرج عمر سليمان من جهاز المخابرات العامة ليشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، كان يعرف أن المشير طنطاوي يمكن أن يتدخل لدى مبارك ليفرض عليه مديرا جديدا للمخابرات العامة، وهو ما جعل سليمان يسرع بالحديث مع مبارك ويرشح له اللواء مراد موافي، الذي جاء من منصبه محافظا لشمال سيناء ليخلف سليمان.
لم يكن طنطاوي راضيا عن تولى مراد موافي مسئولية جهاز المخابرات العامة، لكنه عمل معه طوال فترة إدارة المجلس العسكري للبلاد في أعقاب ثورة ٢٥ يناير، وعندما حانت الفرصة وقف وراء خروج موافي من الجهاز.
كان ذلك في أعقاب مذبحة رفح الأولى، صرح موافي لوكالة «الأناضول» بأنه رفع تقريرًا توقَّع فيه حدوث عملية كبرى في سيناء إلى الجهات المسئولة، وكان يقصد مؤسسة الرئاسة والمجلس العسكري، لكن أحدًا لم يتحرك، ولما رأت مؤسسة الرئاسة أن تعفي موافي من منصبه لم يسانده طنطاوي، بل ربما بارك خروجه.
كان موقف عمر سليمان من السيسي، الذي يمكن أن تعتبره مهنيًا وسياسيًا وليس شخصيًا، سببًا في أن تكون هناك شوائب في العلاقة بينهما، فلم يضبط أحد السيسي متحدثًا عن عمر سليمان في أي وقت، لا أثناء حياته ولا بعد وفاته، وقد يفسر هذا سر صمت عائلة عمر سليمان، فهم منعزلون تماما ولم يعلنوا تأييدهم للسيسي، ولم يضبطهم أحد، متحدثين عن الرئيس الجديد، ربما لمعرفتهم بشكل العلاقة التي كانت تربط بين أبيهم والرئيس عبدالفتاح السيسي.
هذا التوتر في العلاقة
بين أبناءعمر سليمانوأبناءطنطاويخلق حالة من الريبة،
ويمكن أن نشير هنا إلى واقعة محددة، فبعد أن أعلن عبدالفتاح السيسي عن ترشحه
للرئاسة، تم بث فيديو له وهو يلقى كلمة في حفل تسلم مهام منصبه كرئيس للمخابرات
الحربية، وكان من الطبيعى أن يشير السيسي إلى مبارك بل ويثني عليه وعلى نظامه، فهو
مسئول عسكري في نظام الرئيس مبارك القائد الأعلى للقوات المسلحة.
حاول البعض استغلال
الفيديو ضد السيسي على اعتبار أنه كان واحدًا من أركان نظام مبارك، وها هو يشيد به
ويثني عليه.
لم يُحدث التسريب أثرًا،
لكنى توقفت كثيرًا عند دلالة تسريبه في هذا التوقيت بالذات، ثم -وهذا هو المهم-
مَن يقف وراء هذا التسريب؟!
مصدر أثق فيه جدا لقربه
من كواليس ما يجرى أكد لى وقتها أن اللواء مراد موافى قد يكون وراء هذا التسريب،
لكن اللواء موافى نفى ذلك بشكل عملى عندما أعلن عن مساندته ودعمه للسيسي كمرشح
رئاسي، بل قال وقتها إنه إن لم يترشح للانتخابات فإنه سيعمل داخل حملة السيسى
الانتخابية، لتنتهى هذه الفتنة، ولم يلتفت أحد وقتها إلى أن السيسى كان يتسلم مهام
عمله من مراد موافى، الذي كان مديرا للمخابرات قبلها، وأن الصور التي نُشرت لحفل
التسليم والتسلم كان مراد موافى موجودا وحاضرا فيها بقوة.
حمل التسريب دلالة واضحة
على أن هناك من يريد ضرب السيسي. ولأنه ليس معقولا أن يكون هذا التسجيل موجودا عند
أحد خارج دائرة العمل المخابراتى، فقد ظلت الشكوك تحوم حول مَن سرَّبه، خصوصا أن
التسريب بدأ من موقع «بوابة يناير» التي أعلنت بشكل واضح رفضها لترشح السيسي
للرئاسة، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان بشكل واضح وشفاف عمن وقف وراء هذا التسريب.
بعد ثورة ٢٥ يناير كانت المخابرات الحربية هي الأعلى كعبًا.. وكان عبدالفتاح السيسي هو الشخصية الأكثر حضورًا وتأثيرًا ونفوذًا، ويمكن أن نرصد هنا بعض المشاهد التي تؤكد ذلك:
المشهد الأول- كان المجلس العسكري قد قام بدعوة عدد من الصحفيين ليطلعهم على الدور الذي قام به خلال ثورة ٢٥ يناير، لتأكيد أن مساندة الثورة من اليوم الأول كانت قرارًا، وأن حماية الشعب المصري الذي خرج ثائرًا على النظام كانت أولوية من أولويات القوات المسلحة.
توقع الصحفيون أن يجلس معهم المشير طنطاوي بوصفه وزير الدفاع، أو على الأقل الفريق سامي عنان بوصفه رئيسًا لأركان حرب الجيش المصرى، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية، الذي كان أصغر أعضاء المجلس العسكري سنًّا وقتها، هو من يتحدث ويشرح ويقدم كل المعلومات.
كان الانطباع الذي خرج به الصحفيون من هذه الجلسة، أن السيسي هو الرجل الأخطر في المجلس العسكري، فهو المسئول عن المعلومات، خصوصًا أنه قام بعرض وافٍ وكامل لكل ما حدث في الثورة، وكان التقدير صحيحًا، ويمكن أن تقول إن السيسي كان وراء كل ما أقدم عليه المجلس العسكري من قرارات، لأنه كان يقدم تقدير الموقف الذي يستند إليه المجلس في التصرف والتعامل مع المستجدات.
المشهد الثاني- كان يحدث قبل كل اجتماع يعقده المجلس العسكري، فقبل كل اجتماع كان السيسي ينفرد بالمشير طنطاوي، وهى الانفرادات التي كانت تطول أحيانا لمدة تقترب من الساعتين، لا يعرف أحد على وجه التحديد ما الذي كان يدور في هذه اللقاءات المغلقة التي لم يكن يحضرها أحد غيرهما، لكن هذه اللقاءات استفزت الفريق سامى عنان، الذي كان يتعامل على أنه الرجل الثانى في القوات المسلحة، والرجل القوى في المجلس العسكري، كما كان يراه الشارع وقتها.
توجه الفريق عنان إلى مكتب السيسي بعد أحد هذه اللقاءات، وسأله: فيه إيه يا سيادة اللواء؟ ولم يرد السيسي بشيء، بل قال باحترام شديد وتقدير أشد للفريق عنان: دى تعليمات يافندم. في إشارة إلى أن ما يحدث يتم بناءً على تكليف مباشر من المشير طنطاوى وهو لا يستطيع أن يخالف الأوامر.
الملاحظة التي كانت أولى بالرعاية ولفتت انتباه الجميع أن السيسي لم يكن يحضر اللقاءات التي يعقدها المشير طنطاوي برجاله في المجلس العسكري، وكان يكتفي بلقاءاته المنفردة معه.
المشهد الثالث- جرت وقائعه بعد ما حدث في «محمد محمود» في ١٩ نوفمبر ٢٠١١، فبعد يومين فقط تم تسريب خبر قصير في جريدة «الوفد» أشار من طرف خفي إلى أن اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية كان هو صاحب القرار في التعامل مع الثوار بهذه الطريقة، وعلى الفور تم التحقيق في الأمر، وكانت النتيجة أن أحدهم سرَّب الخبر، في رغبة ملحّة لحرق السيسي في الشارع احتجاجًا على المساحة التي يحتلها إلى جوار المشير طنطاوي.
كان السيسي بوصفه أحد أعضاء المجلس العسكري ومدير المخابرات الحربية هو المسئول عن التعامل مع ملف الجماعات الإسلامية، وقد جرت لقاءات كثيرة من المشير طنطاوي والفريق عنان مع قيادات هذه الجماعات في مكتبه، كما أنه قابل عددًا من السلفيين وشيوخهم الكبار ومنهم الشيخ أبو إسحاق الحويني في محاولة منه لفهم أبعاد هذه الجماعات وما الذي يريدونه من مصر خلال الفترة القادمة، خصوصًا أن تأثيرهم على الشارع المصرى كان كبيرا جدا، وقد بدا هذا التأثير في توجيه المواطنين إلى الموافقة على استفتاء مارس ٢٠١١، وهو الاستفتاء الذي جرّ على مصر ويلات كثيرة.
وقد تكون هذه اللقاءات تحديدا هي التي دفعت السيسي لأن يكون واضحا جدا في تعامله مع الإخوان المسلمين، وكانت وراء فكرته الكبرى بأن وجود هذه الجماعة على رأس الحكم في مصر يشكل خطرا كبيرا على المستقبل، وقد تكون أيضا هي التي جعلته ينحاز إلى الوقوف إلى جوار المصريين عندما خرجوا ثائرين مطالبين بإزاحة محمد مرسي وجماعته عن الحكم.
تصل إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى كل صباح عدة تقارير من جهات مختلفة ليقف من خلالها على سير الحياة في مؤسسات الدولة المختلفة، يحرص على قراءتها كاملة وكتابة ملاحظات دقيقة عليها وإعادة التوجيه من خلال ما يراه مناسبا، ثم يتابع بعد ذلك تنفيذ هذه الملاحظات.. ولا يتخلى عن هذه العادة أبدًا مهما كانت مشاغله ومقابلاته وحتى لقاءاته سواء كانت داخلية أو خارجية.
حاول البعض أن يصوِّر زيارة السيسى إلى المخابرات على أنها كانت محاولة لوقف نزيف ما يتردد عن صراع الأجهزة داخل نظامه، فالشائعات السياسية لا تتوقف عن الإشارة إلى صراعات بين المخابرات العامة والحربية من ناحية، ثم بين جهاز المخابرات والأمن الوطني من ناحية ثانية ثم بين الأجهزة الأمنية المختلفة داخل وزارة الداخلية.
سليمان
بعد ثورة 25 يناير كانت المخابرات الحربية هي الأعلى كعبًا.. وكان عبدالفتاح السيسي هو الشخصية الأكثر حضورًا وتأثيرًا ونفوذًا.
بعد غدٍ
أسرار علاقة السيسي بثلاثة من رؤساء المخابرات العامة: اللواءات رأفت شحاتة ومحمد التهامى وخالد فوزي.