تناولنا في المقال السابق مجموعة من العوامل التي يتوقف عليها مستقبل جماعة الإخوان، ومنها: الاعتراف بثورة 30 يونيو ونبذ العنف، مدى قوة التماسك داخل قمة الهرم التنظيمي للجماعة، شباب الجماعة، موقف مؤسسات الدولة من التعايش مع الجماعة. ونستكمل هنا مجموعة من المحددات الأخرى، ومنها ما يلي:
أولاً: طريقة التعامل مع التيار والأحزاب الأخرى، خاصة السلفية، وحزب النور على وجهة التحديد. حيث برز التيار السلفي على الساحة، وأعلن عن نفسه، وكشف عن قدرات تنظيمية متطورة، وقدرة على التعلم السريع والحشد والتأثير على شرائح واسعة من الجمهور، ويتفوق التيار السلفي على الإخوان بعدة نقاط قوة، أبرزها: أولاً، تغلغل نفوذ هذا التيار عبر سيطرته على العديد من المساجد الحيوية، وانتشاره عبر القنوات الدينية المتخصصة، والتي أسهمت في زيادة شعبيته، على عكس الإخوان التي انغمست في السياسة على حساب الجانب الدعوي.
ثانيًا: لا يوجد صعوبة في الانضمام إلى التيار السلفي، على عكس جماعة الإخوان؛ حيث تتمسك بمعايير دقيقة في اختيار العناصر التي ستنضم للجماعة؛ مما أسفر عن انحسار أعداد الجماعة مقارنة بالسلفيين.
ثالثًا: يتمتع السلفيون بمساحة من الحرية تمكنهم من طرح مطالب قوية، من التأكيد على مسألة الهوية عبر شعار: “,”إسلامية.. إسلامية“,”، والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية عبر شعار: “,”الشعب يريد تطبيق الشريعة“,”، هذه المطالب ساهمت في تعزيز شعبية التيار السلفي في الانتخابات، وتعزير فرص حزب النور السلفي في حصد أصوات الشريحة التي تصوت على أساس ديني، وهي الكتلة التصويتية الأهم للإخوان.
كما نجح حزب النور في أن يقدم نفسه بديلًا للشعب المصري عن الإخوان، بممارسة سياسية الاعتراف بأخطائه حال وقوعها؛ مما زاده شعبية ومصداقية عن جماعة الإخوان. بل عمل على ترك مسافة بينه وبين الجماعة قبل ثورة 30 يونيو، بعدما تأكد بأن حكمها في طريقه إلى الهاوية والنهاية، بل على عكس كل التوقعات سارع إلى المشاركة في الاستحقاقات السياسية الجديدة، وكان فاعلًا قويًّا فيها. صحيح أنه هدد بتجميد مشاركته فيها بعد وقوع أعمال عنف وقتل بين المتظاهرين بعد الهجوم على دار الحرس الجمهوري، إلا أنها بدأت بمباركة منه، واستجابت القوات المسلحة والأحزاب والتيارات المختلفة لمطالبه، والتي كان منها الاحتفاظ بالدستور وإجراء تعديلات عليه بدلًا من إلغائه، وعدم تولي البرادعي أو أية شخصية حزبية الوزارة.
ثانيًا: مدى النجاح أو الفشل الذي سيحققه النظام الجديد، فإذا استطاع الرئيس المؤقت وحكومته في الاستجابة السريعة والفورية لمطالب الجماهير التي خرجت في 30 يونيو و25 يناير، من تحقيق العدالة الاجتماعية وعودة الأمن والاستقرار، وأجرى انتخابات حرة ونزيهة وأشرك الشباب في العملية السياسية وصنع القرار، فإنه سيتم عزل الجماعة شعبيًّا بعدما أكدت من خلال قادتها بأنهم هم من يقفون وراء كل أعمال العنف في سيناء وربوع مصر.
ثالثًا: وأخيرًا، مدى قدرة الجماعة على تحسين صورتها لدى الرأي العام المصري، فالجماعة الآن مثلها مثل الحزب الوطني، مطالبة بتحقيق أقصى درجة من التصالح مع النفس ومع الشعب المصري، الذي لن يغفر لها ما ارتكبته خلال المرحلة السابقة من نشر أعمال عنف وبلطجة واستعانتها بحركة حماس لترويع الآمنين من المصريين، وخطف وقتل الجنود والضباط المصريين في سيناء. وبات على الجماعة الآن –مثلما فعلت الأجهزة الشرطية- أن تثبت بأنها لم ترتكب هذه الجرائم، أو تتوب إلى الله وتطلب العفو من عموم المصريين.