تربط بين الشيخ العجوز والفتى المتمرد مودة متصلة ربما يدعمها أن الشيخ ما زال محتفظا بقدرته على الإصغاء واعترافه بأنه ينتمي إلى عصر قديم وأن الزمن قد تجاوزه؛ بالإضافة إلى أنه- شأن الفتى المتمرد- كانت له تحفظاته بشأن رؤى الإخوان الفكرية والعقائدية.
تساءل الشيخ العجوز ترى يا بني ألم يكن الأفضل الصبر قليلا على الدكتور مرسي؟ إنه في النهاية رئيس منتخب اختارته أكثرية من ذهبوا إلى صناديق الانتخاب، ماذا لو صبرنا عليه حتى يكمل مدته ثم لنا أن ننتخب غيره في الانتخابات القادمة؟ أليس ذلك هو جوهر الديمقراطية؟ لماذا العجلة يا بني؟ لقد صبرنا ثلاثين عاما على حكم مبارك، ترى هل صبر سنوات ثلاث كثير؟
ظل الفتى المتمرد يستمع متململا ثم لم يستطع صبرا فقاطع الشيخ قائلا: عفوا سيدي لا تتحدث باسم المصريين جميعا. ألم تحذرنا كثيرا في حكمك ومواعظك من مخاطر التعميم؟ لقد صبرت أجيالكم أنتم ولكن بالنسبة لي مثلا فقد ولدت عام 1991، وكنت في ميدان التحرير لخلع مبارك، وقد شاركت في الاحتجاجات على ظلم النظام قبل ذلك بخمس سنوات تقريبا حين كنت في الخامسة عشر.. جيلنا يا سيدي يختلف عنكم لا يصبر على الضيم والظلم.. أتراها نقيصة؟
احتد الشيخ قليلا وابتلع ما يحمله حديث الفتى المتمرد من إدانة لاعتبار الصبر استكانة للظلم ورضي بالضيم؛ ولم يستطع أن يمنع نفسه من الدفاع عن أبناء جيله: يا بني إن المعتقلات ومعسكرات التعذيب قد شهدت الآلاف من أبناء جيلي من مختلف الاتجاهات يدفعون من حريتهم ومن دمائهم ثمنا لأحلامهم.
بدت على وجه الفتي المتمرد ابتسامة شاحبة وقال: سيدي ذلك حين كنتم شبابا في أعمارنا أليس كذلك، ولكن أرجو أن تأذن لي مع احترامي لتضحياتكم؛ إنكم لم تستطيعوا حشد الجماهير حولكم، ألم تكتب أنت شخصيا كيف نظر صديق لك من نافذة سيارة ترحيلات السجون ليسألك “,”أين تلك الجماهير التي ضحينا من أجلها؟“,”، لعل تلك الجماهير كانت آنذاك خائفة ولكنها الآن قد كفت عن الخوف وهذا هو الفرق.
وفوجئ الشيخ بالفتى المتمرد يسأل مترددا: أرجو ألا تغضب من سؤالي، كم تبلغ من العمر؟ وأجبت بأنني أقترب من الخامسة والسبعين، تمنى لي الصحة واستمر في استنتاجاته المتدفقة: إنك بالتأكيد لا تعاني البحث عن عمل، ولا البحث عن شقة، ولا تحمل هم شراء سيارة؟ وأكمل ضاحكا ولا أظنك تفكر في زواج جديد وما يعنيه ذلك من تكاليف، إنك يا سيدي تستطيع التحمل ثلاث سنوات أو أكثر، إذا ما طال بك العمر إن شاء الله؛ أما نحن فلدينا طلبات عاجلة لا تحتمل التأجيل؛ ولم نر في الأفق بشائر تحقيقها في المستقبل القريب أو البعيد.
وتساءل الشيخ: أراك ترجع تحرككم إلى أسباب اقتصادية، ولكن ألا تتفق معي أن الدكتور مرسي يواجه منذ انتخابه عصيانا أو تمردا يسبق تمردكم بكثير، إنه تمرد الدولة أو أدوات الحكم التي تتولى ترجمة قرارات الرئيس إلى واقع ملموس على الأرض؟، ترى كيف لقرارات الرئيس- أي رئيس- أن تنفذ في ظل عصيان الأذرع الثلاث التقليدية لضمان التنفيذ متمثلة في القضاء والشرطة والجيش فضلا عن هجوم الإعلام المعارض، وأضف إلى ذلك تحفظ غالبية القوى الإقليمية على ما جرى وخاصة الدول البترولية ربما باستثناء دولة قطر؟
وبدا الفتى المتمرد متحفزا للرد: الأسباب ليست اقتصادية فقط، ماذا عن التنازل عن حلايب وشلاتين؟ وماذا عن مخطط التنازل عن جزء من سيناء؟ وماذا عن حماية الإرهابيين والقتلة؟ وفضلا عن ذلك فلقد تهجم الدكتور مرسي إثر انتخابه على القضاء والشرطة والقوات المسلحة واتهمهم بالفساد، متناسيا أن الصناديق التي أتت به والانتخابات التي أشاد بنزاهتها قد جرت تحت إشراف مباشر لتلك الأجهزة التنفيذية؛ بل إن من أعلن نتيجة فوزه كان رئيس المحكمة الدستورية العليا التي تحرج السيد الرئيس في البداية من تأدية القسم أمامها، ترى كيف ومتى تحولت تلك الأجهزة الشريفة العفيفة الطاهرة المحايدة لتصبح في خدمة الدولة العميقة راعية الثورة المضادة؟
هز الشيخ العجوز رأسه وقد أرهقته المناقشة قائلا: دعنا من كل ذلك يا بني فما حدث قد حدث؛ ولكن ماذا عن تلك الجماهير من أنصار الرئيس المعزول الذين يعتصمون ويتظاهرون مطالبين بعودته؟ هل يمكن تجاهلهم تماما؟ وإلى متى؟
ويجيب الفتى المتمرد بتساؤل مقابل: هب يا سيدي أن مطالبهم قد تحققت وعاد الدكتور مرسي وعدنا بعقارب الساعة إلى ما قبل ثورة 30 يونيو، ترى كيف سيواجه السيد الرئيس تلك الدولة العميقة التي قادت في زعمهم الثورة المضادة، وقامت بالانقلاب العسكري؟ إنه بطبيعة الحال سيمضي في تنفيذ تهديداته بالإطاحة بهؤلاء جميعا، والسؤال كيف؟ على أي القوى سيعتمد في تنفيذ ذلك؟ هل سيقيم دولة جديدة تعتمد على الميليشيات الإخوانية العسكرية؟
وهنا بدت مظاهر الإرهاق ووهن السنين على الشيخ العجوز وأحس الفتى المتمرد بذلك ففضل أن يدعه يخلد إلى الراحة قليلا.