الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العراق‮.. ‬السُنة تحت الحصار‮ ‬‮ ‬

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور بشير نافع هو أستاذ كبير للتاريخ فى جامعة أكسفورد ببريطانيا،‮ ‬وأحد الملفات التى تحتل ورناً‮ ‬وأرجحية هائلين فى اهتمامات هذا الرجل هو ذلك المتعلق بأوضاع السُنة فى العراق،‮ ‬فإذا أدركنا أن كل أوضاع السُنة سواء كانت السياسية أو التصويتية أوما‮ ‬يرتبط بالعلاقات الإقليمية والدولية تعتبر بمثابة نتيجة أو رد فعل‮ (‬التعداد‮) ‬أو‮ ‬لوزنهم السكانى(الديموغرافى‮).‬
وقد كتب الدكتور بشير نافع‮ (‬أياً‮ ‬كانت ارتباطاته السياسية أو التنظيمية)عدداً‮ ‬من البحوث والأوراق والكتب التى تؤكد - جميعا - أن هناك تزويراً‮ ‬ممنهجاً‮ ‬وطويل المدى فيما يتعلق بأرقام أعداد سُنة العراق،‮ ‬وأن أحداً‮ ‬لا‮ ‬يستطيع إثبات صدق الادعاء بأن أعداد السُنة أقل من الشيعة فى بلاد الرافدين،‮ ‬وقد استعرض بشير نافع فى عدد من مؤلفاته تاريخ عمليات إنقاص أعداد السنة فى الإحصائيات والاستطلاعات المختلفة منذ الاحتلال البريطانى فى العراق فى مطلع القرن الماضى،‮ ‬وحتى‮ ‬غزو ‮٣٠٠٢.‬
كلام الدكتور بشير - الذى التقيته أكثر من مرة - ‬يشير إلى أن التصعيد التعسفى لأعداد الشيعة العراقيين فى الاستطلاعات والإحصاءات كان جزءاً‮ ‬من مخطط‮ ‬يتكرر من أجل طمس عروبة،‮ ‬العراق،‮ ‬وجعل ارتباطه‮ ‬القومى أقل حضوراً‮ ‬من ارتباطه الفارسى أو الإيرانى‮.‬
وحين بدأ الاحتلال الأمريكى تنفيذ خطته بإعداد العراق للتقسيم عن طريق دستور‮ ‬يقوم على‮ (‬المحاصصة‮) ‬وقبله مجلس انتقالى‮ ‬ينبنى على نفس الفكرة بدا واضحاً‮ ‬أن اللعب‮ (‬الديموغرافى‮) ‬فى العراق‮ ‬يستهدف إظهار أعداد السُنة بوصفها أقل وبما سيرتب لهم حقوقاً‮ ‬قليلة فى كعكة العراق السياسية‮.. ‬وسرعان ما ظهرت نتيجة أخرى لتلك الأوضاع تتمثل فى تلك الإجراءات العنصرية‮ / ‬المذهبية التى تسببت فيها سيطرة الشُيعة على الجهاز التنفيذى،‮ ‬إذ قامت الحكومة الشيعية برئاسة نورى المالكى بمجموعة من الإجراءات التمييزية تصل إلى مشارف أو عتبات التطهير العرقى أو المذهبى ضد السنة،‮ ‬وقد شمل ذلك إبعادهم عن الوظائف الحاكمة فى الجيش والشرطة والإدارات الحكومية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن اعتقالات واسعة فى صفوف السنُة،‮ ‬وعمليات متناقضة بتسليح الصحوات والعشائر واستخدامهم فى ضرب عناصر القاعدة،‮ ‬ثم العمل‮ ‬على ضرب تلك العشائر بعدما أتمت مهمتها‮.‬
الآن - وفى ظل المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابى - تتأخر السلطة التنفيذية العراقية‮ (‬حتى بعد إبعاد المالكى وتعيين حيدر العبادي) ‬عن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والسيادية وبالطريقة التى تعالج اختلال بنيتها نتيجة تغليب الشيعة على السنة فى تشكيلاتها وقيادتها،‮ ‬ومن جهة أخرى فإن القوات النظامية عمدت إلى التمهل والتلكؤ فى نجدة بعض المناطق السنية مثل ديالى والأنبار،‮ ‬والتى تواصلت صرخات استغاثاتها تطلب إمدادات بالسلاح،‮ ‬فى حين كانت بغداد تجيبها بأن العتاد موجود فى المطار وإذا أردتم تعالوا وانقلوه لأننا لا نملك وسيلة لنقله،‮ ‬وبالطبع كانت النتيجة مذابح مخيفة لأفراد عشيرتى‮ (‬البونمر‮) ‬و(البوفهد‮) ‬سقط فيها المئات من المدنيين‮، (‬وذلك - طبعا - قبل وصول وحدات الجيش والحشد الشعبى إلى مطارات الأنبار وقبل سفر زعماء‮ ‬العشائر لمفاوضات مع واشنطن‮).‬
وحين تريد سلطة بغداد مواجهة داعش،‮ ‬فإن ذلك‮ ‬يكون بواسطة‮ ‬قوات الحشد الشعبى والميليشيات الشيعية مثل عصائب أهل الحق وجيش المهدى والدعوة وغيرها،‮ ‬وبما‮ ‬يؤدى إلى إقرار أوضاع على الأرض هى - فى التحليل النهائى - لصالح الشيعة وعلى حساب الخريطة السكانية أو الديموغرافية للسنة،‮ ‬بعبارة أخرى فإن التقسيم صار حتمية سياسية ومزاجية ونفسية فى العراق،‮ ‬ومن هنا فإن الحكومة العراقية صارت تعمل لتحقيق أوضاع شيعية أفضل إذا ما جرى ذلك التقسيم،‮ ‬يعنى‮ ‬ينتزع الشيعة أراضي أكبر و‮‬يتوغلون فى مناطق السنة باسم مواجهة داعش ليتحصلوا وجوداً‮ ‬فى تلك المناطق‮ ‬يؤسس لأوضاع‮ ‬يصعب - كثيراً‮ ‬- ‬تغييرها بعد ذلك‮.‬
والحقيقة أن هناك من‮ ‬يعترض داخل جهاز الحكم التنفيذى فى العراق مثل نائب رئيس الوزراء صالح المطلك‮ (‬سُنى‮) ‬على تلك الأوضاع‮،‮ ‬ولكن اعتراضاته لا تفضى إلى تغيير‮ ‬يذكر،‮ ‬وإنما هى تنصرف إلى التنبيه لخطورة الوضع واحتمالية أن‮ ‬يؤدى إلى إشعال حرب أهلية فى‮ ‬البلد‮.‬
المبدأ الغريب الذى صار‮ ‬يحكم العمليات فى العراق هو أن القوة المحلية التى تقوم بتحرير قطعة من الأرض‮ ‬يصبح لها حق فيها،‮ ‬وهنا تزيد مرارات السنة وعلى نحو ربما كان أحد أبرز تجلياته عند بدء المواجهة مع داعش،‮ ‬ذلك الشكل السلبى الذى تعاملوا به مع الانتشار العنكبوتى للتنظيم الإرهابى،‮ ‬وأدى إلى سقوط مناطق واسعة بين أيادى مقاتليه ‬المتوحشين‮.‬
وأذكر أننى التقيت قبل الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة مجموعة من قيادات كتلة‮ (‬متحدون‮) ‬السُنية فى أحد مراكز البحوث التابعة لجهة سيادية وحاضرتهم حول التسويق السياسى وتقنيات الحملات الانتخابية،‮ ‬وأتاح لى وجودى بينهم لأيام،‮ ‬والفترات الفاصلة بين المحاضرات أن أتجاذب معهم أحاديث‮ ‬مفيدة ومثيرة حول محنة السُنة فى العراق وما‮ ‬يتعرضون له من اضطهاد منظم‮.. ‬وقد قال لى أحدهم‮ (‬ويعمل طبيباً‮) ‬إن أسباب كل ذلك الاضطراب الذى‮ ‬يزيد من عدم استقرار بيئة سياسية‮ ‬غير مستقرة فى الأصل والأساس،‮ ‬هو التزوير المتعمد لأعداد السُنة ومحاولة إظهارهم بأنهم أقلية ليس لها سوى حقوق الأقليات إن‮ ‬تحصلتها‮.‬
وتردنى تلك المقولة إلى دراسات الدكتور بشير نافع التى تتحدث عن نفس الفكرة وترى أن مصير العراق هو إلى التقسيم وإلى تلاشى عروبته ما لم‮ ‬يتم إحصاء دقيق موضوعى ومحايد لعدد سكان كل فصيل أو عرق أو مذهب أو ملة من تلك التى تعيش بين ظهرانيه‮. ‬