العلم هو سمة العصر الحديث، أو بالأحرى هو سمة حياة البشر في هذا العمر.. يندر أن نجد في عصرنا الراهن إنسانًا أيًا كان موقعه الجغرافي أو الحضاري أو الثقافي لا يعتمد في حياته اليومية، بدرجة تزيد أو تقل، على المنجزات التكنولوجية العلمية الحديثة: في ملبسه، في مأكله، في مشربه، في اتصالاته، في انتقالاته، في تداويه، في عمله، بل حتى في لهوه.. وإذا كان البشر جميعًا يتدافعون للحصول على أكبر قدر ممكن من تلك المنجزات التكنولوجية العلمية الحديثة، فإنهم لا يتدافعون بنفس القدر لاكتساب وتبني أساليب التفكير العلمي، بل لعلهم في كثير من الأحيان يقاومون تلك الأساليب كأشد ما تكون المقاومة، وقد لا يقفون بمقاومتهم تلك عند حدود أنفسهم مكتفين بالعزوف عن اتباع أساليب التفكير العلمي في شئون حياتهم كأفراد، بل إننا قد نشهد في كثير من الأحيان مَن ينذرون أنفسهم للحيلولة دون أن يفكر غيرهم تفكيرًا علميًا، وقد لا يقف الأمر عند حد المجادلة الفكرية، بل وحتى الترويع الفكري، أن تاريخ البشرية يحمل قائمة طويلة ممتدة تضم أولئك الذين يمكن أن يحصلوا وبجدارة لقب "شهداء التفكير العلمي".. إن التفكير العلمي هو أصل المنجزات التكنولوجية العلمية، بمعنى أنه سابق عليها سواء من حيث التتالي التاريخي أو من حيث الأهمية والثراء، ولذلك فإن تقدم الأمم لا يقاس بمقدار ما هو متوافر لدى أفراد الأمة من منجزات تكنولوجية علمية حديثة ينعم بها هؤلاء الأفراد ويتمتعون، بل إن التقدم إنما يُقاس بمدى اتباع الأمة أفرادًا وجماعات لأساليب العلم تفكيرًا، وبحثًا، وتخطيطًا، وإبداعًا.. ومن هنا فإن ظاهرة تدافع جماعة بشرية معينة صوب اقتناء كل فاخر ومستحدث من تلك المنجزات التكنولوجية، وإهمال نفس الجماعة بل مقاومتها للأخذ بأساليب التفكير العلمي، تعد ظاهرة جديرة بالاهتمام، ولعلنا أحق مَن ينبغي أن نهتم بها، ولعل الخطوة الأولى في اهتمامنا بهذه الظاهرة ينبغي أن تتمثل في محاولة تفسيرها، أنها - أي تلك الظاهرة - ترجع إلى أمرين متكاملين يتميز بهما "الاقتناء السلعي": الأمر الأول هو "العائد النفعي المباشر"، والأمر الثاني هو "إيثار السلامة" أو "تحاشى المخاطرة"، إن الحصول على سلعة معينة إنما يعنى نوعًا من الإشباع الحسي المادي المباشر، يتمثل في قابلية تلك السلعة للاستعمال ومن ثم للاستهلاك، وفي نفس الوقت فإن الحصول على تلك السلعة الاستهلاكية بالنسبة لمن يملك ثمنها لا يقتضى مخاطرة كبيرة، أما بالنسبة للتفكير العلمي فإن الأخذ به لا يؤدى إلى ذلك العائد النفعي المباشر بحال من الأحوال، إن له عائدًا نفعيًا هائلًا بلا جدال، ولكنه عائد مؤجل.. والأمر الثاني الذي يميز الأخذ بالتفكير العلمي أنه يتضمن جهدًا قد لا يطيقه إلا أولى العزم من البشر، فضلًا عن أنه بما يتسم به من شمولية قد يؤدي بنا إلى إعادة النظر في كثير من أمور الحياة التي استمرأنا الاستسلام لها والاستفادة منها، ولا ينبغي أن يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى تفرقة ضرورية واجبة بين "المعلومات" و"التفكير العلمي" فكلاهما قد يندرج تحت عنوان العلم بمعناه الشامل، ولذلك فكثيرًا ما يحدث الخلط بينهما.
إن المعلومات أو مجموعة المعارف المتعلقة بمجال معين أيًا كانت طبيعته، تتميز بقابليتها للنقل أو بعبارة أخرى فإنها - شأنها شأن السلع - قابلة للاستيراد والتصدير، وما دوائر المعارف والموسوعات العلمية والكتب المتخصصة إلا تعبير مُجسد عن تلك "المعلومات" التي يجري استيرداها أو تصديرها بصورة أو بأخرى، بل إننا يندر أن نجد سلعة محترمة مهما هان شأنها إلا ومعها معلومات تبين مكوناتها وطريقة استخدامها إلى آخره، بل إن تقاليد وقوانين تنظيم الحفاظ على سر الصنعة، ليست إلا تعبيرًا عن أن "سر الصنعة" إنما هو في النهاية نوع من المعلومات القابلة للنقل، أما فيما يتعلق بالتفكير العلمي فإنه أمر جدًا مختلف، إنه موقف من الحياة، ومن ثم فإنه أحد لا يستطيع استيراده، فضلًا عن أن أحدًا لا يستطيع بل ولا يرغب في تصديره، تفيض الكتابات المتخصصة - بل وغير المتخصصة أيضًا - بتوصيفات عديدة لخصائص التفكير العلمي، ولسنا بصدد استعراض تلك الكتابات أو حتى تلخيصها، ولكنا سنكتفي بالتركيز علي خاصيتين نراهما مثيرتين للجدل فضلًا عن اتصالهما الوثيق بمجال مستقبل أطفالنا العرب وحاجاتهم "الراهنة" و"المستقبلية".
إن المعلومات أو مجموعة المعارف المتعلقة بمجال معين أيًا كانت طبيعته، تتميز بقابليتها للنقل أو بعبارة أخرى فإنها - شأنها شأن السلع - قابلة للاستيراد والتصدير، وما دوائر المعارف والموسوعات العلمية والكتب المتخصصة إلا تعبير مُجسد عن تلك "المعلومات" التي يجري استيرداها أو تصديرها بصورة أو بأخرى، بل إننا يندر أن نجد سلعة محترمة مهما هان شأنها إلا ومعها معلومات تبين مكوناتها وطريقة استخدامها إلى آخره، بل إن تقاليد وقوانين تنظيم الحفاظ على سر الصنعة، ليست إلا تعبيرًا عن أن "سر الصنعة" إنما هو في النهاية نوع من المعلومات القابلة للنقل، أما فيما يتعلق بالتفكير العلمي فإنه أمر جدًا مختلف، إنه موقف من الحياة، ومن ثم فإنه أحد لا يستطيع استيراده، فضلًا عن أن أحدًا لا يستطيع بل ولا يرغب في تصديره، تفيض الكتابات المتخصصة - بل وغير المتخصصة أيضًا - بتوصيفات عديدة لخصائص التفكير العلمي، ولسنا بصدد استعراض تلك الكتابات أو حتى تلخيصها، ولكنا سنكتفي بالتركيز علي خاصيتين نراهما مثيرتين للجدل فضلًا عن اتصالهما الوثيق بمجال مستقبل أطفالنا العرب وحاجاتهم "الراهنة" و"المستقبلية".