رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

أنساك ده كلام! .. أم كلثوم صوت لا يخفت وميراث يتجدد

أم كلثوم
أم كلثوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لسه فاكر! يفكروني إزاي هو أنا نسيتك وكان ليك معايا أجمل حكاية في العمر كله ومين يقدر على بعدك فأنت سيرة الحب وأنت عمري والحب كله، يرجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا، يرافقانا في كل زمان ومكان ويعيد أمل حياتي ، عشان ديما القلب يعشق كل جميل، وأنت أجمل صوت، فقد عشنا معاه "ألف ليله وليلة"، حيث تجسدت فيك جماليات الحب والأماني، وتبخرت في سماء الفن كأحلى أحلام الليالي، فما فات المعاد ولا طول غيابي 

في ضوء العزف الهادئ للتاريخ، وترنيم الذكريات العتيقة، تبرز شخصية أسطورية من بساطة الأيام الأولى للقرن العشرين، تنشد أحلام الأمس وتردد ألحان اليوم. إنها "أم كلثوم"، المعروفة بلقب "كوكب الشرق"، رمز الفن العربي الذي أضاء سماء الموسيقى ببريقه الساحر، وأشعل نيران الشغف في قلوب الملايين عبر الأجيال.

في قرية تاماي الزاهرية، في قلب دلتا النيل ، نشأت هذه الأسطورة، وسط أروقة البساطة وزهور الطفولة، حيث ازدهرت موهبتها كأميرة في عالم الفن قبل أن تحصد ألقاب العظمة وتعلو قمم الشهرة. تحكي قصة حياتها عن تحديات الصعود، وعن فنانة استثنائية تحولت إلى رمز للقوة والأصالة والإبداع.

ترافقنا في هذا التقرير في رحلة استكشافية عبر أرجاء حياتها المذهلة، لنرتشف من ينابيع تجاربها، ونستلهم من حكاياها العظيمة، فتعيش معنا وترنو إلى الأبدية، كما عاشت في قلوب محبيها.

خلاف على الاسم وتاريخ الميلاد

من الشائع أن يُذكر اسم أم كلثوم كـ "فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي"، وأنها وُلدت في قرية تاماي الزاهرية في محافظة الدقهلية عام 1898. ومؤخرًا، ظهرت وثيقة تشير إلى أن تاريخ ميلادها يعود إلى عام 1904 وأن اسمها الحقيقي هو "أم كلثوم". يُمكن تفسير ذلك بأنه في ذلك الوقت، كان تسجيل المواليد متأخرًا وكان الأطفال يُلقبون باسمين: اسم رسمي في الوثائق الحكومية واسم شائع يُستخدم على مر السنين بواسطة أهلهم.

موهبة فرضت نفسها 

 كان والدها الشيخ المؤذن لجامع القرية، وكانت والدتها تهتم بتربية أم كلثوم وشقيقيها منذ سن صغيرة، برزت موهبة أم كلثوم الغنائية، حيث كانت تتجول مع والدها وتؤدي الأغاني في الأعراس والمناسبات الدينية. 

لكن بسبب التقاليد والعادات الاجتماعية في ذلك الوقت، كان يُمنع عادةً النساء من قراءة القرآن علانية في المناسبات، لذلك كان يتم تقديم أم كلثوم على أنها صبي. وكانت موهبتها الفطرية وصوتها القوي يجذبان انتباه الحضور ويثيران إعجابهم.

ومع مرور الوقت، اشتهرت أم كلثوم في القرية بفضل صوتها القوي وأدائها المميز، وكانت تتلقى تقديراً كبيراً من الأثرياء الذين كانوا يدفعون لها مبالغ رمزية كإكرامية، مثلما حدث في إحدى المرات عندما حصلت على عشر قروش، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، كان يعادل نصف مرتب والدها.

هذه البدايات المتواضعة كانت النقطة الأساسية في تكوين شخصية أم كلثوم وتحفيزها للسعي نحو تحقيق أحلامها الفنية وتحقيق النجاح الباهر الذي عرفت به لاحقًا.

صعود نحو النجومية

بعد بداياتها المبهرة في قريتها، انتقلت أم كلثوم إلى القاهرة لتبدأ رحلة صعودها نحو النجومية. في العاصمة ، بدأت تعمل على تطوير موهبتها الفنية بجدية أكبر، حيث استطاعت أن تجمع بين العمل الشاق والتفاني في التدريب على الغناء.

لم تكن بداياتها سهلة، فقد واجهت تحديات عديدة في مجتمع فني يهيمن عليه الرجال، ولكنها استطاعت تحدي الصعوبات والتغلب على العقبات. في عام 1926، وقَّعت عقودًا غنائية تمهيدًا لانطلاقتها الفنية، ومن هنا بدأت رحلة النجومية التي لاحقاً أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى العربية.

أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل كانت قائدة فنية بامتياز، استطاعت أن تحقق نجاحًا هائلًا على المستوى الفني والجماهيري. حفلاتها الغنائية أصبحت واحدة من أهم المناسبات الثقافية في العالم العربي، وتجمع الجماهير من مختلف الطبقات الاجتماعية للاستمتاع بصوتها الساحر وأدائها الرائع.

بفضل تفانيها وإصرارها، استطاعت أم كلثوم أن تحقق شهرة واسعة وتُصبح واحدة من أهم الشخصيات الفنية في العالم العربي، وبذلك بنت تراثًا فنيًا لا ينسى، يظل حاضرًا حتى يومنا هذا.

رمز الفن العربي

أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل كانت رمزًا للفن العربي التقليدي ومنارة تضيء درب الثقافة والفن في المنطقة. بفضل صوتها القوي وأدائها الراقي، استطاعت أن تلامس قلوب الملايين وتترك بصمة لا تنسى في عالم الموسيقى.

كانت أم كلثوم تمتلك قدرة فريدة على نقل العواطف والمشاعر من خلال أغانيها، حيث كانت كلماتها تحمل معاني عميقة ومعقدة تلامس القلوب والعقول. وعلى الرغم من تنوع أنواع الموسيقى في فترتها، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على الطابع التقليدي للموسيقى العربية وتطويرها بأسلوبها الفريد.

كما كانت شخصية قوية ومؤثرة خارج المسرح، حيث تُعتبر رمزًا للقوة والإصرار والثقة في الذات. وكانت تتمتع بشعبية كبيرة واحترام واسع النطاق من قبل الجماهير والنخب الثقافية على حد سواء.

باعتبارها واحدة من أهم الشخصيات الثقافية في التاريخ العربي، فإن إرث أم كلثوم الفني والثقافي يظل حيًا ومتجددًا، وتظل أغانيها تُغنى وتُعزف حتى اليوم، مستمرة في إلهام الأجيال الجديدة والحفاظ على قيم وتقاليد الفن العربي التقليدي.

ميراث يتجدد

ميراث أم كلثوم الفني يتجدد ويستمر في إلهام الأجيال الجديدة، حيث تظل أغانيها الخالدة تحافظ على شعبيتها وتصل إلى قلوب المستمعين في كل مكان. فالأغاني التي قدمتها تعبر عن مشاعر جميلة وعميقة، وتحمل رسائل تتنوع بين الحب والفراق والوطنية والأمل، مما يجعلها مفضلة لدى جمهور متنوع.

رغم مرور السنوات، إلا أن إرث أم كلثوم لم يفقد بريقه أو جاذبيته. ففي كل عرض أو حفل غنائي يتم تذكير الجمهور بتلك الفترة الذهبية من تاريخ الموسيقى العربية، وبالفنانة التي لا تضاهى في موهبتها وتأثيرها.

وبفضل التكنولوجيا الحديثة، يمكن للأجيال الجديدة الوصول بسهولة إلى أغاني أم كلثوم والاستماع إليها عبر مختلف الوسائط الرقمية، مما يساهم في نشر إرثها الفني وتأثيرها على نطاق أوسع.

ومع ذلك، لا يقتصر ميراث أم كلثوم على المجال الفني فحسب، بل يتعداه ليشمل القيم والمبادئ التي رسمت مسيرتها، مثل الإصرار والتفاني والتمسك بالهوية الثقافية. وهذا يجعلها مصدر إلهام للشباب الطموح والفنانين الطامحين، الذين يسعون لتحقيق النجاح بأخلاقها وموهبتها.

بهذه الطريقة، يظل ميراث أم كلثوم يتجدد ويستمر في إثراء الثقافة العربية وإلهام الأجيال القادمة، مما يجعلها تبقى رمزًا حيًا للفن والثقافة العربية على مر العصور.

رحيل صادم وجنازة مثيرة 

توفيت أم كلثوم يوم الاثنين الموافق 3 فبراير 1975م، في القاهرة، متأثرة بإصابتها بقصور في القلب، وذلك عن عمر يناهز 76 عاماً. رحلت عنا أسطورة الفن العربي الذي لن يمحى، وتركت وراءها إرثاً فنياً يتجدد ويستمر في إلهام الأجيال القادمة.

جنازة أم كلثوم، لحظة تأمل وتأثير، حيث انعكست شهرتها العالمية وتأثيرها العميق على المجتمع المصري والعربي. حضرت جنازتها أكثر من مليون شخص في عام 1975، ليكون وداعًا مهيبًا مليئًا بجموع عشاقها ومعجبيها الذين امتعتهم بألحانها الساحرة.

بدأت مراسم الجنازة بتغسيل جثمانها بماء زمزم، حيث قامت شقيقتها بذلك بجانب ماء الغسل، وتأثرت هذه اللحظة بحضور الأمير عبد الله الفيصل الذي غنى أشعارها وقدم زجاجة من ماء زمزم خصيصًا لهذه الغاية.

تم لف جثمانها بـ 11 ثوبًا، وآخرها كان ثوبًا من الملس الأخضر الفلاحي، مما يرمز إلى نشأتها الريفية وبساطة حياتها الطيبة.

انطلقت جنازتها من مسجد عمر مكرم، حيث أغلق المسجد بالكامل وأقيمت صلاة الجنازة بحضور الشيخ حلمى عرفة إمام مسجد الحسين، وتمت الصلاة بمشاركة أمنية كبيرة واحتياطات أمنية مشددة.

حضر الجنازة عدد كبير من الشخصيات البارزة، بما في ذلك الملوك والرؤساء العرب، وكانت الصحف تنقل خبر وفاتها بعناوين مؤثرة تعبر عن حجم الفقدان والحزن، وعن أثرها الكبير في قلوب الملايين.

كانت جنازة أم كلثوم لحظة تاريخية في عالم الفن، حيث تجسدت فيها وفاء واحترام الجماهير لهذه الأسطورة، التي ستظل تحتل مكانة خاصة في قلوب محبيها إلى الأبد.