المعارضة تطالب الرئيس الأوكراني بكشف تفاصيل مفاوضات السلام وصفقة المعادن

تعيش أوكرانيا هذه الأيام توتراً داخلياً متزايداً، لا فقط بفعل التهديدات العسكرية الروسية المستمرة، بل بسبب ضبابية مواقف قيادتها السياسية من محادثات السلام الجارية، وما يُرافقها من ملفات اقتصادية حساسة، أبرزها "صفقة المعادن" مع الولايات المتحدة.
ففي وقت يشتد فيه الضغط الدولي على كييف، وتُقدَّم لها عروض سلام تنطوي على تنازلات جوهرية، تصاعدت أصوات المعارضة داخل البرلمان الأوكراني مطالبةً بشفافية فورية من الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
الكتلة البرلمانية المعارضة، وعلى رأسها "التضامن الأوروبي" بقيادة الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، طالبت بعقد جلسة طارئة يشارك فيها زيلينسكي شخصيًا، لشرح تفاصيل محادثات السلام ومآلات الاتفاق المحتمل مع واشنطن بشأن المعادن النادرة. المعارضة تشعر بأنها "مُستبعدة" من مفاوضات مصيرية تخص مستقبل البلاد، وتنتقد الغموض في التواصل الرسمي، مما يعكس فجوة آخذة في الاتساع بين صناع القرار والبرلمان، وربما بين الرئاسة والرأي العام.
ضغط أمريكي وعرض غير متكافئ
من جهتها، تمارس إدارة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي، دونالد ترمب، ضغوطاً متزايدة لدفع أوكرانيا نحو تنازلات إقليمية ومعدنية. تشمل الخطة المقترحة من واشنطن الاعتراف بشبه جزيرة القرم كأرض روسية، وتجميد النزاع عند خطوط القتال الحالية، والسماح لروسيا بتشغيل محطة زابوروجيا النووية وبيع طاقتها لأوكرانيا وروسيا معًا.
غير أن هذه الخطة، بحسب مسؤولين أوكرانيين، لا تمنح أي ضمانات أمنية لأوكرانيا، ولا تقدم أساساً حقيقياً لتحقيق سلام مستدام، بل تُعزز مكاسب روسيا وتُضعف موقف كييف التفاوضي.
نائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو عبرت بوضوح عن موقف الحكومة الرافض للعرض الأميركي بصيغته الحالية، قائلة: "أوكرانيا مستعدة للتفاوض، لا للاستسلام". وجاء ذلك في خضم دعوات المعارضة لتوضيح دور "صفقة المعادن" -التي تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى الموارد المعدنية الأوكرانية- ضمن خطة السلام المقترحة، وما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستمنح كييف أي مزايا مقابل التنازلات السيادية المطروحة.
مأزق زيلينسكي
حتى الآن، لم يستجب زيلينسكي لدعوة المعارضة لحضور جلسة البرلمان، حيث ينشغل بسلسلة لقاءات دبلوماسية مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين، وسط جولة مرتقبة تشمل جنوب إفريقيا، إيطاليا، إسبانيا، وبولندا. ويبدو أن الرئيس يسعى لحشد دعم دولي بديل في وقت يتقلص فيه الحماس الأميركي لدعم غير مشروط لكييف.
ورغم تأكيد زيلينسكي أن بلاده تسعى إلى "وقف إطلاق نار شامل" يسبق أي تسوية سياسية، فإن غياب التواصل مع الداخل يعمّق الشعور العام بأن مستقبل أوكرانيا يُرسم خلف الأبواب المغلقة، دون مساءلة أو تشاور حقيقي.
إن مطالبة المعارضة الأوكرانية للرئيس زيلينسكي بالحضور إلى البرلمان لا تعكس فقط أزمة ثقة سياسية، بل تُسلط الضوء على مأزق أخلاقي واستراتيجي تعيشه كييف: كيف تُفاوض على السلام دون أن تبدو وكأنها تُفرّط؟ وكيف تحافظ على الدعم الدولي دون أن تخسر شرعيتها الداخلية؟ وبين واشنطن وموسكو، يبدو أن مستقبل أوكرانيا لا يزال معلقاً في فراغ تفاوضي غامض، تُرسم فيه خرائط السلام بيد غير أوكرانية، وعلى حساب أوكراني.