البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دفتر أحوال الوطن (16).. صِدام بين «الوفد» و«حكومة محمد محمود الحديدية» بعد حل البرلمان

النحاس وعدلي يكن
النحاس وعدلي يكن ومكرم عبيد مع الملك في افتتاح البرلمان

في 17 نوفمبر 1927 افتتحت الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس النواب الذي تم انتخابه في منتصف 1926، وانتخب مصطفى النحاس رئيسًا للمجلس خلال الدورة الجديدة، وتوالت الأحداث إلى أن قدمت وزارة عبد الخالق ثروت استقالتها في 4 مارس 1928 وقبل الملك استقالته في 16 من الشهر نفسه.

كلف الملك فؤاد، مصطفى باشا النحاس بتشكيل الحكومة، فألفها في 17 مارس وكانت وزارة ائتلافية يشارك فيها الوفد والأحرار الدستوريين، بينما انتخب مجلس النواب الأستاذ ويصا واصف رئيسًا لمجلس النواب بدلًا من النحاس باشا، وتوالت الأحداث إلى أن شهدت وزارة النحاس باشا عدة استقالات على رأسها استقالة وزير المالية محمد محمود من وزارة المالية وكان وكيلًا لحزب الأحرار الدستوريين، وكذلك استقالة جعفر ولي باشا وزير الحربية، وتوالت الاستقالات إلى أن اتخذت السراي هذه الاستقالات سببًا لإقالة النحاس باشا وكان ذلك في 25 يونيه 1928.

وبحسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي - أحد أعضاء مجلس النواب آنذاك - في الجزء الثاني من كتابه في أعقاب الثورة المصرية 1919، أن ثمة اتفاق انعقد بين المندوب السامي البريطاني والسراي وحزب الأحرار الدستوريين على تعطيل الدستور، وذلك أن وجهة النظر البريطانية في عدم قبول مشروع تشمبرلن يعد جريمة تستحق الأمة بسببها حرمانها من الدستور، موضحًا أن هذه أول إقالة لرئيس وزارة يتمتع بثقة البرلمان في عهد الدستور.

يقول الرافعي: إن الملك عهد إلى محمد محمود بالوزارة في نفس يوم إقالة النحاس باشا، وتم تشكيلها في 27 يونيه مما يؤكد سبق الاتفاق على الإطاحة به، منوهًا أنه بالرغم من أن حزب الأحرار الدستوريين والاتحاديين لم يكونا يمثلان أكثر من 35 نائبًا وهم الأقلية بالمجلس ولكنم انتزعوا حق الأغلبية في الحكم، وبدأت الوزارة الجديدة أول أعمالها وأصدرت أول قراراتها في 28 يونيه بتأجيل انعقاد البرلمان شهرًا.

أثار قرار الحكومة الجديدة النواب وهتفوا بحياة الدستور، وقرر أعضاء مجلسي النواب والشيوخ معًا أن يعقد المجلسان يوم السبت 28 يوليه أي بعد انتهاء مدة التأجيل التي حددتها وزارة محمد محمود، ونوه الكاتب أن هذا القرار كان بداية كوارث أعظم وأخطر على البلاد.

ويؤكد الرافعي أنه قبل انتهاء فترة التأجيل استصدرت الوزارة أمرًا ملكيًا في 19 يوليه 1928 بحل مجلسي النواب والشيوخ وتأجيل انتخاب أعضاء المجلسين وتأجيل تعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشيوخ مدة 3 سنوات، وبعد انقضاء هذه المدة يعاد النظر في الحالة لتقرير إجراء الانتخاب والتعيين أو تأجيلهما مرة أخرى، وخلال فترة الثلاث سنوات هذه يتولى الملك بمراسيم تكون لها قوة القانون، فضلًا عن وقف تطبيق عدد من مواد الدستور وهي المواد رقم 89 و155 و157 والفقرة الأخيرة من المادة 15.

ويؤكد المؤرخ الكبير، أن تعطيل الدستور قوبل بسخط عارم وواسع في أرجاء البلاد، حتى إن الحزب الوطنى رغم ما كان بينه وبين الوفد من خصومة، لم يسعه إلا الاحتجاج فأصدر بيانًأ يندد فيه بما حدث، وأكد البيان أن الدستور ليس منحة بل حق ثابت للأمة، بينما راح حزب الوفد يستثير روح المقاومة والمعارضة ويعقد الاجتماعات، واندلعت المظاهرات وقامت الحكومة والجيش والبوليس بمحاولة احتواء الموقف، وأصدر الحزب بقيادة النحاس باشا بيانًا في 22 يوليه بضرورة النضال من أجل الدستور وحرية الأمة.

بعد هذه الأحداث قرر الشيوخ والنواب أن يجتمعوا بهيئتهم فى دار البرلمان يوم 28 يوليو 1928م، وهو مدة انتهاء التأجيل، وكان ذلك القرار قد نتج عن اجتماع عقدوه فى النادى السعدى يوم 24 يوليو، فيما قامت الحكومة بإغلاق أبواب قاعتى مجلس النواب والشيوخ وختمتها بالشمع الأحمر وتسلمت مفاتيحها لمنع اجتماع المجلسين، فاتفق الشيوخ والنواب على أن يطلب ويصا واصف، رئيس مجلس النواب ومحمود بسيونى، رئيس مجلس الشيوخ، من محمد محمود وزير الداخلية ورئيس الوزراء، تسليمهما مفاتيح البرلمان وفك الشمع عن أبوابه وأرسلا خطابين بذلك.

كان جواب الوزارة على هذين الخطابين أن حشدت جنود الجيش ورجال البوليس، واتخذت كل الوسائل لمنع اجتماع المجلسين، وأقفلت جميع الطرق المؤدية إليها وبثت العيون على المكان الذى يختاره أعضاء البرلمان للاجتماع فيه، لكنها لم تهتد إليه، واستطاع الأعضاء أن يجتمعوا فى المكان الذى اختاروه وهو دار مراد بك الشريعى بشارع محمد على رقم 93، وكان اجتماعًا تاريخيًا وقرروا أن البرلمان قائم، وترأس الاجتماع ويصا واصف ومحمود بسيونى، وأصدر النواب قرارًا تاريخيًا يشرف تاريخ الحياة النيابية فى مصر.

وقرر المجلسان أن البرلمان قائم بحكم الدستور وأن المجلسين سحبا الثقة من الوزارة، وأن كل تشريع تصدره الوزارة باطلًا، وأن يؤجل المجلس اجتماعاته من تلقاء نفسه إلى السبت الثالث من نوفمبر عام 1928، فضلًا عن قيام ممثلي المجلسين بحضور اجتماع مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في أغسطس من نفس العام، واستصدروا قرارًا من المؤتمر باستنكار تعطيل الدستور.

وزارة محمد محمود لم تأبه لهذه القرارات ومضت فى الحكم وعمدت إلى تقييد الحريات وسياسة الاضطهاد باليد الحديدية، ومنعت اجتماع المعارضة وبطشت بالمعارضين وعطلت الصحف، وألغت رخصة مائة صحيفة ونسبت الاتهامات إلى بعض البرلمانيين، فيما أخذت الوفود من مختلف الطبقات في رفع العرائض إلى الملك، للمطالبة بإعادة الحياة الدستورية، وجاءت وفود إلى القصر الملكى لتقديمها فكان البوليس يحول بينها وبين القصر، واشتبك البوليس فى ساحة عابدين بفريق من النواب والشيوخ لمنعهم من دخوله، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح وهو ما كان له وقع أليم في النفوس.

اتفق النواب بعد ذلك على الاجتماع فى 17 نوفمبر 1928م بمقر جريدة البلاغ وبلغ عدد الحاضرين منهم 125 نائباً، ولما كان هذا أول اجتماع لدولة برلمانية جديدة فقد تم انتخاب ويصا واصف رئيسًا للمجلس، وطالبوا أن تسحب الحكومة قواتها التى تحاصر البرلمان، وحظرت الحكومة على الصحف نشر هذا القرار أو أى نبأ عن اجتماع المجلس، ولكن الجمهور علم به من نشرات سرية تم توزيعها، ومن الصحف السورية واللبنانية.

استمرت الأوضاع كما هي إلى أن أجريت الانتخابات فى بريطانيا فى مايو عام 1929 وفاز العمال بالأغلبية واستقالت وزارة المحافظين، وكان أول عمل لوزارة العمال حيال سياستها فى مصر أن أقالت اللورد جورج لويد وبدأت مباحثات بين محمد محمود باشا ووزير الخارجية فى مجلس العموم البريطانى «أرثر هندرسون»، وكانت المباحثات حول مسألة إلغاء الامتيازات الأجنبية ثم علاقة مصر بإنجلترا، وأسفرت المباحثات عن مشروع معاهدة، لكن المعاهدة لم تحقق سوى حقيقة استقلال منقوص لمصر وشروط تقضى ببقاء القوات البريطانية فى مصر واستمرار انفصال السودان، وأعلن رئيس الوزراء نصوص المشروع على أن يتم تعليق الأمر لحين النظر فيها بعد عودة الحياة الدستورية لكى تقول الأمة كلمتها فى البرلمان.

وفي سبتمبر 1929 وصل السير برسى لورين المندوب السامى البريطانى الجديد إلى الإسكندرية، وكانت الضجة بلغت أوجها فى مصر على مشروع محمد محمود - هندرسون، وطريقة عرضه على الأمة، فالوفد متمسك بعودة الحياة الدستورية شرطًا للنظر فى الموضوع، والوزارة ترجو أن ينظر الوفد فى المشروع وهى قائمة فى الحكم، ورأت أنه لكى تجرى حياة دستورية عليها أن تجرى هى الانتخابات، ورفض الوفد وطالب باستقالة الحكومة تجنبًا للعبث بإرادة الناخبين وطالب بتأليف وزارة محايدة تكفل حرية ونزاهة الانتخابات، كما شدد الوفد على أن تجرى الانتخابات على درجة واحدة طبقًا للقانون الذي أصدره البرلمان في 1924، وجرت عليه انتخابات 1926 بعد ائتلاف الأحزاب، وقبلت الحكومة البريطانية شروط الوفد واستقالت حكومة محمد محمود في 2 أكتوبر 1929، وتألفت وزارة جديدة برئاسة عدلي يكن وكان أول عمل لها عو إعادة الحياة الدستورية، وتم تحديد يوم 21 ديسمبر من نفس العام للانتخاب ويوم 29 من نفس الشهر للإعادة على أن ينعقد البرلمان يوم 11 يناير 1930.