البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دعهم وشأنهم.. مقتطفات في أسرار المخلوقات

لا تحتقرن عبدًا عند رؤيته عسي أن يكون رب العرش علَّاه، وكل الليالي ليلة القدر فاجتهد وكل الصالحين الخضر فاعتقد، وكل الملوك عبيدًا وعبدهم أضحى له الكون خادمًا، "ورب أشعث أخبر مدفوعًا بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره". 
في بعض الأحيان نلتقي أُناسًا ذوي ملابس غير مهندمة (متسخة أو ممزقة) والبعض منهم تسيل لعابه من فيهِ والبعض الأخر يطلق لحيته وشعره ورُبَ أظافره ويبدي لنا سلوكيات غير متزنة وجسد نراه من الخارج علي غير النظافة، أو شخص لا يعجبك لونه، ولا خلقه. 
فمن الأدب مع الله ورجاله عدم الاعتراض عليهم لأمرين أولًا في حالة أنك تعيب الخلقة في لونها أو شكلها أو نقصها فأنت تعترض اعتراضًا مطلقًا علي القدرة الإلهية في إخراج الخلقة كما يرضي جوارحك، أما في حالة اعتراضك علي السلوك المنبثق منهم فهذا اعتراض صريح علي حكمة الله في عباده فهو له تدابير لا يدركها العقل البشري لإدارة الكون فرب الخير لا يأتي إلا بالخير فالله يجعل كل مخلوق من خلقه في الصورة التي لو وضع في غيرها وعلم الغيب لتمني ما وضعه الله في سابقته. 
فهؤلاء الأشخاص منهم الولي ومنهم الصالح ومنهم مستجاب الدعاء ومنهم من تنطوي الأرض تحت قدميهم ومنهم صاحب الكرامات والدلالات، ومنهم من هو غير ذلك، فمن العقلانية والكياسة الفطنة ألا نسخر منهم ولا نستهزئ بهم فُربما تصادف مستجاب الدعوة من بينهم يدعو عليك دعوة تُقسم لك ظهرك، وألا نقتدي بهم ولا نعترض عليهم ولا نطلب منهم حتي الدعاء إلا إذا دعوا هم لنا، فنتركهم وشأنهم. 
فمنهم من هو صاحب أملاك وجاه وسلطان ولكن أخذ أحكام باطنية للتذلل والنزول لهذا الوضع مقابل الارتقاء روحانيًا، فنجدهم ينامون في الشتاء القارص بلا غطاء وفي الحر الصاعق بلا مظلة ولا ستار، فهم رجال الله لهم ما لهم عند ربهم طلقوا الدنيا ثلاثة لأن نعيمها الفاني خراب، وإن حضروا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، ويفعلون ما يؤمرون، ولا تسأل عن الكيفية فمن ذاق عرف. 
والمعترض عليهم يحسب أن الاعتراض من ذاته ولكن في الحقيقة الاعتراض منهم هم، حيث يقول أحدهم بلسان الحال "يا معرضًا عنا إن إعراضك منا فمن أردناه أحببناه حتي أحبنا".
وتصديقًا لذلك هناك قصة من مذكرات السلطان مراد الرابع، يقول: إنه حدث له في ليلة ضيق شديد، ﻻ يعلم سببه، فنادى لرئيس حرسه، وأخبره، وكان من عادته تفقد الرعية متخفيًا، فقال: لنخرج نتمشى قليلًا بين الناس، فساروا حتى وصلوا حارة متطرفة، فوجدوا رجلًا ملقى على اﻷرض، فحركه السلطان، فإذا هو ميت، والناس تمر من حوله، ﻻ أحد يهتم.
فنادى عليهم: تعالوا، وهم ﻻ يعرفونه، قالوا: ماذا تريد ؟ قال: لماذا هذا الرجل ميت، وﻻ أحد يحمله من هو ؟ وأين أهله ؟ قالوا: هذا فلان الزنديق، شارب الخمر، الزاني، قال: أليس هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ فاحملوه معي إلى بيته ففعلوا، ولما رأته زوجته أخذت تبكي، وذهب الناس، وبقي السلطان ورئيس الحرس، وأثناء بكائها كانت تقول: رحمك الله ياولي الله، أشهد أنك من الصالحين.
فتعجب السلطان مراد وقال: كيف من اﻷولياء، والناس تقول عنه زنديق، وخمار، وزان، حتى إنهم لم يكترثوا لموته ؟ قالت: كنت أتوقع هذا، إن زوجي كان يذهب كل ليلة للخمارة يشتري ما استطاع من الخمر، ثم يحضره للبيت، ويصبه في المرحاض، ويقول: أخفف عن المسلمين، وكان يذهب إلى من تفعل الفاحشة يعطيها المال، ويقول: هذه الليلة على حسابي، أغلقي بابك حتى الصباح، ويرجع يقول: الحمد لله خففت عنها، وعن شباب المسلمين الليلة.
فكان الناس يشاهدونه يشتري الخمر، ويدخل على المرأة فيتكلمون فيه، وقلت له مرة: إنك لو مت لن تجد من يغسلك، ويصلي عليك، ويدفنك من المسلمين، فضحك، وقال: ﻻ تخافي، سيصلي علي سلطان المسلمين والعلماء والأولياء، فبكى السلطان مراد، وقال: صدق والله، أنا السلطان مراد، وغدا نغسله، ونصلي عليه، وندفنه".