تقدير موقف.. الإخوان بين "الشتات".. وتجفيف "منابع التمويل" و"حلم العودة"
فى تحليل وتقدير موقف لسيناريوهات مستقبل جماعة الإخوان الإرهابية، فيما يتعلق ببدائل الملاذات الآمنة، وعن إمكانية أن تكون إيران ملجأً لقيادات وعناصر الإخوان المحتمل مغادرتهم تركيا وقطر، يمكن رصد المؤشرات والمعطيات التالية:
أولا: التقارب الإخواني الإيراني:
سعت إيران طيلة السنوات الخمس الماضية، إلى التواصل المكثف مع الإخوان، وتنظيم الرحلات لهم إلى إيران، تحت غطاء التبادل البحثى، من أجل اختراق التنظيم، والوصول إلى قيادته العليا، ومحاولة إقناعه بتبني أفكار الثورة الإيرانية، فى التعامل مع الدولة المصرية، تارة من أجل الاستفادة منهم على المستوى الاستخباراتي، وتارة بمعرفتهم لإيجاد ملاذات واستضافات آمنة لهم، على جميع المستويات، وهو ما كشتفه العام الماضى، تسريبات لقاء محمود الإبياري، مع إبراهيم منير، وممثلين إيرانيين.
حجم الاتصالات التى تمت بين الإخوان وإيران، بعد خروجهم إلى تركيا وقطر والسودان وبريطانيا، كان كبيرًا جدًّا، يصل إلى عقد لقاءات مع الإيرانيين فى بريطانيا، وكذلك تدريب عناصر لهم على التجربة الاستخباراتية الجورجية، فيما يعرف بخرطوم الأباطيل، وأهداف إيران من التواصل مع الإخوان، والتى تتلخص فى جمع المعلومات بشكل دقيق، عن قوة وحجم الإخوان، ومدى قدرة إيران فى التعويل عليهم كصانعى حدث سياسى فى المنطقة، وكيفية توظيفهم فى المنطقة ضد أنظمة سياسية بعينها، والتحايل على الحصار الاقتصادى الأمريكى والأوروبى عليهم.
الشكل الذى تم به الاتصال، بين الإخوان والإيرانيين، المعلن، من خلال الالتقاء فى المراكز والمؤتمرات البحثية فى تركيا وبريطانيا، وقد أخذ أشكالًا عديدة ومختلفة.
ثانيًا: الجماعة الإسلامية وفتح آفق للتعاون مع إيران:
كما حاولت جماعة الإخوان الإرهابية، التواصل مع إيران، وقبول بعض أدوار اللعبة، وسعت الجماعة الإسلامية إلى التواصل مع إيران، بعد خروج رموزها إلى تركيا، ليكونوا بديلًا فى التواصل عن الإخوان، وتقديم أنفسهم باعتبارهم من أكثر التنظيمات الإسلامية، التى استفادت من الثورة الإيرانية. الجماعة الإسلامية المصرية، قدمت نفسها للإيرانيين، باعتبارها الجماعة الوحيدة التى تريد تعميم الاستفادة من الثورة الإيرانية، من خلال تدريس منهج الثورة الإسلامية للتيار الإسلامى، للاستفادة منه فى مجالات التعددية الفقهية، ومساحات تكوين الأحزاب السياسية المدعومة من إيران، على غرار تجربتى حركة أمل الشيعية، وحزب الله اللبنانى.
ثالثًا: الإخوان بين الاغتراب والشتات:
خلقت تجربة الاغتراب لدى الإخوان، حالة من العزلة الشعورية للأفراد والتنظيم، بشكل ظهر جليًّا فى ثقافتهم ونظرتهم للآخر، حتى وهم خارج الوطن، وقد هربوا إلى دول أخرى، يتحصنوا بها من ملاحقات القضاء المصرى لهم، بتهم العنف والإرهاب والإساءة إلى الدولة.
فالخطاب الإعلامى لقيادات الإخوان، داخل الأسر التربوية، كان يرسخ لقناعة أن التنظيم وأفراده هم فقط الذين "يخوضون هذا الصراع مع الدولة المصرية، وبناء على ذلك فإن أى عطايا أو منح أو دعم يجب أن يكون للتنظيم فقط"، وليس لأى شخص آخر، سواء من له اعتراضات على مسار التنظيم السياسى ومحسوب عليهم، أو أى شخص كان له علاقة بالتنظيم وتركهم، أو أى شخص جاء إلى تركيا أو قطر بزعم أن يكون فى معسكرهم.
هذه الحالة من العزلة، خلقت صراعًا داخليًّا لدى أفراد التنظيم، وهى حالة ممزوجة بين الشعور بالفوقية تجاه الآخرين، واستمراء عدم الالتفات إلى نصائح البعض، الذين كانوا يرون ضرورة إنهاء حالة الصدام هذه، والتوجه للدولة المصرية بخطاب تصالحى، ومحاولة إيجاد صيغة لإنهاء هذا الملف بالكامل.
رابعًا: الصراع على كانتونات التمويل:
ومن هنا كان الصراع على كانتونات التمويل (قطر وتركيا وإيران)، ووصل الأمر مع تفاقم أزمة إعلام الإخوان إلى ذروته.
فقد شهد العام الماضى أزمة كبيرة داخل قناة "مكملين"، بسبب التمويل القطرى والسيطرة الإخوانية، وطالت الأزمة شبكة "رصد" الإخوانية، والمركز المصرى للدراسات، فى ظل أزمة التمويلات التى طالت الإعلام الإخوانى بشكل عام، ومنافذ التمويل القطرية على وجه الخصوص.
ورغبة الطرف القطرى الذى يحاول أن يمول المنصات الإخبارية الإخوانية، بالاستحواذ على الشبكات، بدلًا من الاستمرار فى تمويلها فقط، فقدم الطرف القطرى عرضًا ماليًّا لـ"شبكة رصد" والقائمين عليها، لشرائها وإنهاء شراكته مع الأطراف المصرية فيها.
ومن هنا عرض الطرف القطرى على شبكة رصد ومسؤوليها، الشراء والاستحواذ على الشبكة، إلى ممثل الشبكة المعروف إعلاميًا، عمرو فراج، عرض الشراء على مجلس إدارة شبكة رصد، وكان رد فعل مجلس الإدارة؛ كالاتى: تناقش مجلس الإدارة المكون من ٥ أشخاص، وهم المشرفون على الشبكة بكل أقسامها، (فيسبوك، والموقع الإلكترونى، ومسئولى الترويج، ومسئولى التنمية البشرية)، المسئولون عن استلام التمويل، مع الطرف القطري، بخصوص عرض البيع والشراء.
ورفض مجلس إدارة شبكة رصد، العرض القطرى وبدأ فى البحث عن تمويل جديد، لا يفرض شروطه، ومساحات الاستحواذ الكبيرة التى يريدها الممول القطري.
ومن هنا كان البحث عن ممول جديد، وسط أزمة الممولين، وصراعات الجماعة الداخلية: فى غياب المحاضن التربوية للتنظيم الإرهابي، أو المحاضن الاجتماعية، والملاذات المعنوية الآمنة؛ كالحصول على الجنسيات، خاصةً بعد حصول البعض على الجنسيات الاستثنائية، ورفض السلطات التركية حصول البعض عليها.
وتقدم لهم إجابات شافية عن المأزق الفكرى الذى يعيشون فيه خارج وطنهم، بدأ العشرات فى التحلل من التبعية المكانية للتنظيم والتأثير المالى عليهم، وبحثوا عن بدائل لأنفسهم، باحثين عن الأمان والاستقرار النفسى قبل كل شيء، فكثرت محاولات طلب الهجرة إلى إيران وماليزيا وبعض الدول الأوروبية التى من الممكن أن تقبلهم وخاصة كندا.
وخلقت كما قلنا، أزمة التمويلات المالية، التى ضخت بملايين الدولارات للتنظيم وأفراده، حالة من الشره، أو ما نطلق عليه "الكانتونات" البشرية الإخوانية، خاصة عند العاملين فى الإعلام، فكل مجموعة داخل التنظيم، لها شخص هو المسئول عن التمويل، وكل تيار داخل التنظيم، له طرف مسئول عن تمويله، وهى كالآتى:
- لذلك تنوعت طرق التمويل داخل تنظيم الإخوان، لكن مصدرها الأول والأخير فى الفترات السابقة كان واحدًا وهو قطر، ومؤخرًا دخلت إيران عن طريق وكلائها، وبدأت ترث بعض هذه الكنتونات، لكن كانت هناك اختلافات بخصوص الطرق التى يتم الحصول من خلالها على تمويلات؛ مثل:
- المراكز البحثية الإخوانية، منها الذى يتلقى مباشرة من قطر، مثل مركز دراسات يخص حسين القزاز، وكان يعمل مستشارًا لمرسى.
- مركز دراسات يخص يحيى حامد، وزير الاستثمار فى عهد مرسى، يحصل على تمويل مباشر من قطر.
- مركز "المعهد المصرى"، الذى يخص عمرو دراج، الوزير فى عهد مرسى كان يحصل على التمويل مباشرة من قطر، لكنه الآن يحصل عليه من إيران، بتسهيلات من رجال أعمال فلسطينيين، ويتولى إدارته الآن عصام عبد الشافى.
- منصات إخبارية؛ مثل رصد: كانت تحصل على تمويل مباشر من قطر، وتولى قطب العربى الآن تمويله من إيران.
- منصة مثل موقع الاستقلال: يحصل على تمويل من عناصر من الكويت.
- منصة بحثية تدعى رواق: تحصل على تمويل من بعض العاملين فى ألمانيا، بعد توقف التمويل القطرى الآن.
ــ طالت أزمة القنوات أيمن نور، وقناة الشرق، خاصة مع تأسيس قناة الشرق بلونبرج، فأطاح أيمن نور بحليفته السابقة دعاء حسن، وقرر تعيين "نهاية الطوبجى"، وهى شخصية مقربة جدًّا من الجانب الإيرانى، ونقل الشركة ومقرها إلى لندن، ليتفادى أى صدام محتمل مع الأتراك، على أن يكون هناك بديل للقناة فى لندن، يستطيع أن يعمل من خلالها، سواء بتنسيق مع إخوان تركيا، أو أى شخصيات أخرى.
وبدأ "نور"، يصنع بعض البرامج، التى تنتقد السياسة السعودية، لصالح إيران والمعارضة السعودية، مثل برنامج "نافذه على السعودية"، لإعلامى مغمور، يُدعى "يزن البوش".
- حزب تحت التأسيس اسمه "أمل مصر"، أسسته غادة نجيب، ومحمد إسماعيل، وله علاقات مع إيران "ويتخذ من اللون البرتقالى رمزًا نضاليًا، مثل حركة أمل الشيعية، تيمّنًا بالحركات السياسية البرتقالية، كما بعض بلدان أوروبا الشرقية، وخاصة أوكرانيا، وهى إشارة قوية من أيمن نور للحزب، لمغازلة حركة أمل الشيعية فى لبنان، المقرب منها أيمن نور".
وحسب تقديرات عبد الرحيم على، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس ولندن؛ فإن كل مساعى التنظيم الدولى والقيادات الإخوانية المتواجدة فى تركيا وقطر، وكذا المنصات الإعلامية المرتبطة بالإخوان، للعودة فى ثوب جديد، من خلال البحث عن بدائل ومخارج للأزمة الخانقة، التى تلتف حول عنق الجماعة الإرهابية، محكوم عليها بالفشل، فمهما حاولت أو ادعت لنفسها أنها تتغير، وتتبنى مفاهيم وسياسات جديدة، تتلاءم مع قيم الديموقراطية وقبول الآخر، واحترام مفاهيم الاختلاف والتنوع، فالجماعة محكومة بـ"أيديولوجيتها" وثوابتها العقيدية، والتى أثبتت مسيرتها وممارساتها، على مدى نحو مائة عام، صعوبة بل واستحالة الفكاك والتخلص منها.