دبلوماسيون: علاقات مصر وتونس تضرب بجذورها في أعماق التاريخ
نظم المجلس الأعلى للثقافة، بأمانة الدكتور هشام عزمى، وبالتعاون مع قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، برئاسة صبرى سعيد، الأمسية الخامسة عشرة ضمن سلسلة أمسيات مبادرة "علاقات ثقافية" تحت عنوان "مصر وتونس.. علاقات ثقافية"، وذلك احتفاءً بالعلاقات الثقافية المصرية التونسية، في إطار الإحتفال بعام 2021 - 2022، باعتباره عام الثقافة المصرية التونسية، وافتتح الأمسية وأدارها الدكتور هشام عزمى، وتضمنت كلمة لسفير جمهورية تونس بالقاهرة محمد بن يوسف، والسفيرة رانية البنا نائب مساعد وزير الخارجية المصرى لشئون دول المغرب العربى.
كما شارك في الأمسية عدد من الأدباء والمفكرين من بينهم: الدكتور سعيد المصرى أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، والأديبة سلوى بكر، والدكتور أيمن فؤاد؛ أستاذ التاريخ الإسلامى، ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، والكاتب الصحفى محمد محمد نوار.
وشهدت الأمسية عدة مداخلات من تونس بواسطة الفيديو، منها مداخلة للسفير إيهاب فهمى سفير مصر في الجمهورية التونسية، وأيضًا الأديبة التونسية حياة الرايس، رئيسة رابطة الكاتبات التونسيات.
تضمنت الأمسية عرضًا لفيلم تسجيلى قصير، دار حول تونس وثقافتها وفنونها المميزة؛ حيث تمحور حول عدة جوانب؛ أبرزها الفنون والصناعات التقليدية التونسية الفريدة، وشهدت الفعالية مواصلة المجلس الأعلى للثقافة تطبيق الإجراءات الاحترازية كافة؛ بغرض الوقاية والحد من انتشار فيروس: (كوفيد-19)، وبثت الأمسية مباشرة عبر حسابات المجلس بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).
افتتح الأمسية الدكتور هشام عزمى قائلًا: "السيدات والسادة الحضور أسعد الله مساءكم بكل خير يسعدني ويشرفنى أن أرحب بحضراتكم في رحاب المجلس الأعلى للثقافة، بيت الثقافة المصرى، ها نحن نلتقى الليلة في الندوة الخامسة عشرة من سلسلة هذه المبادرة الجديدة الواعدة التى أطلقتها وزارة الثقافة تحت مظلة المبادرة الأم: (الثقافة بين يديك) منذ أشهر خلت وتواكبت مع بدايات انتشار جائحة کورونا، واسمحوا لى بداية أن أنقل لحضراتكم تحيات معالى وزيرة الثقافة الأستاذة الدكتورة إيناس عبد الدايم، نعم نلتقى اليوم مرة أخرى في مبادرة: (علاقات ثقافية)، تلك المبادرة التى انطلقت من قطاع العلاقات الثقافية الخارجية واحتضنها المجلس الأعلى للثقافة ورعتها ودعمتها الوزيرة وتم التنسيق فيها مع الأفاضل في وزارة الخارجية، هذه المبادرة التى تؤكد أن مصر كانت وستظل تنظر إلى علاقاتها الثقافية بدول العالم المختلفة باعتبارها قيمة في حد ذاتها، وأن العلاقات الثقافية في مجملها هى قيمة مضافة للثقافة الإنسانية غير أن أمسية الليلة تكتسب أهمية خاصة؛ حيث إنها باكورة فعاليات العام الثقافى المصرى التونسى: 2021 - 2022، الذى أعلن كل من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظفيره التونسى فخامة الرئيس قيس سعيد، على إقراره خلال لقائهما بالقاهرة خلال شهر أبريل الماضى، وذلك تحت شعار: (مصر تونس تاريخ ثقافى وآفاق مشتركة)، وإن كانت الثقافة هى التى تقود التقارب بين الشعوب، وتسهم في زيادة الوعى والانسجام المشترك بينهم؛ فإن ما بين مصر وتونس يمثل الكثير من الروابط الثقافية والحضارية، التى يمكن أن تكون قاعدة للانطلاق الفكرى والثقافى بين الشعبين الشقيقين.
وفى مختتم كلمته قال: "لقد كانت زيارة الرئيس التونسى قيس سعيد القاهرة هى أول زيارة يقوم بها منذ توليه مسئولية السلطة هناك، وهى زيارة مهمة وتوقيتها أكثر أهمية؛ لأن تونس شريك مهم لمصر في الكثير من القضايا وهى الآن العضو العربى الممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن.".
ثم تحدث السفير محمد بن يوسف قائلًا: "يطيب لى بداية أن أعرب عن خالص شكرى وامتنانى لوزارة الثقافة الدعوتى للمشاركة في هذه الفعالية المهمة التى تعد مناسبة متميزة لتسليط الضوء على متانة الروابط الحضارية والثقافية الضاربة في التاريخ التى تجمع تونس بمصر وشعبينا الشقيقين؛ فالثقافة والفنون كانت وستظل دوما أهم أشكال التواصل بين الأمم والتخاطب والتلاقح بين الحضارات، ومن أنجع وسائل التفاهم بين الدول والشعوب بما في ذلك عند الأزمات؛ فالشعوب التى تتحاور وتتواصل ثقافيا لا تلجأ إلى الحروب وافتعال الصراعات المسلحة فلغة الإبداع والفن أشد تأثيرا بالتأكيد من لغة السلاح الكون الثقافة مفهومها شامل وجامع وفعلها سريع عند توفر الإرادة والحرص على احترام الخصوصيات الحضارية والثقافية لبعضنا البعض، الحضور الكريم طالما اتسمت العلاقات التونسية المصرية بالعمق والتميز؛ حيث تجمع الشعبين التونسى والمصرى قواسم مشتركة تاريخية وحضارية بإلإضافة إلى الاشتراك في العديد من العادات والتقاليد، ولقد شهدت تونس ومصر محطات تاريخية عديدة؛ فلقد كان الانتقال عاصمة الفاطميين من المهدية، المدينة الساحلية التونسية إلى القاهرة على يد المعز لدين الله الفاطمى سنة 972 م، والتى لا تزال الهندسة المعمارية فيها شاهدة على تلك الحقبة إلى يومنا هذا، كما أن هجرة قبائل مثل: (بنى هلال) و(بنى سليم) إلى تونس أثمرت إبدعًا أدبيًا من أقدم السير الشعبية، عُرف في تونس بالجازية الهلالية، وفى مصر بالسيرة الهلالية، ومن جانب آخر كان للمبدعين والمثقفين في مختلف الفنون دورًا مهمًا في توطيد وتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين في ظل إرادة سياسية من الجانبين تشجع على مد هذا التواصل؛ حيث إنتقل عدد من المبدعين والمثقفين التونسيين إلى مصر، وبعض المصريين إلى تونس، وكان أبرزهم العلامة التونسى عبد الرحمن ابن خلدون الذى استقر في مصر وتولى منصب قاضى القضاة المالكية بالقاهرة، كما تشير إلى أن مصر المعروفة باحتضانها للفكر والعلم بشیء مجالاته قد استقبلت العلامة التونسى المولد الشيخ محمد الخضر حسین، الأجنبى الوحيد الذى تولى مشيخة الأزهر الشريف خلال الفترة 1952 - 1954، ومنحته جنسيتها وبوأته أعلى المناصب العلمية والفقهية لما اشتهر به من قدرات على قراءة منفتحة للدين الإسلامى الحنيف ولقيمة السمحة والمعتدلة."، وواصل مضيفًا: "لا بد من التنويه كذلك أن النشيد الوطنى التونسى الذى أعد قصيدته الشاعر المصرى المبدع مصطفى صادق الرافعى، والذى أضيفت له أبيات شعرية لرائد الشعر التونسى أبو القاسم الشابى، يقيم الدليل على عمق الروابط الثقافية التونسية المصرية وعلى التعاون التونسى المصرى في مجالات الفن والإبداع، وبما أن مصر كانت ولا تزال (هوليود الشرق)، ومحطة مهمة في مسيرة الممثلين والموسيقيين التونسيين والعرب فقد عرفت استقرار عدد منهم سابقا على غرار الفنانة الكبيرة (عُلية)، والشاعر بيرم التونسى المؤسس الحقيقى لشعر العامية المصرية الحديث، فضلًا عن دوره في تطوير الأغنية المصرية والعربية التى تغنت بها (أم كلثوم)، والعديد من المبدعين المصريين، كما تحتضن مصر العديد من الفنانات والممثلات والممثلين والمخرجين التونسيين، منهم على سبيل الذكر الفنانة هند صبرى، والنجمة لطيفة وظافر عابدين ودرة زروق، وعائشة بن أحمد وغيرهم كثيرون، السيدات والسادة إن العلاقات التونسية المصرية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية كانت متميزة عبر العصور، وقد حرصنا من جانبنا كسارة أن يكون للثقافة جانب مهم في نشاط سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته إلى مصر من 9 إلى 11 أبريل 2021 والتى خص فيها بحفاوة استثنائية من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفى هذا السياق حرى بنا التذكير أنه إيمانا من قيادتى البلدين بأهمية الثقافة بوصفها رافد هام وأساسى في مزيد توثيق العلاقات بين بلدينا في كل المجالات الإبداعية وكذلك في مواجهة تيارات الردة والرجعية التى تهدد مجتمعاتنا ومستقبل شبابنا في عالم يتهدده العنف والإرهاب والتطرف ورفض الآخر، اتفق الرئيسان سعيد والسيسي على أن تكون سنة 2021 - 2022 سنة الثقافة التونسية المصرية.".
ثم تابع السفير التونسى قائلًا في مختتم كلمته: "كلنا حرص على أن تكون التظاهرات والفعاليات الثقافية التى ستتم برمجتها خلال هذه السنة الثقافية تتجاوز النشاطات التقليدية والمشاركات المتبادلة في المهرجانات لتشمل تعبيرات فنية جديدة يكون للشباب فيها دور متقدم، وسنعمل خاصة على تشريك المبدعين والمختصين الذين سيكونون مدعويين لتقديم رؤى جديدة ومبتكرة للتعاون في مجالات الفنون الفنية والفكرية والأدبية كافة، وأن تكون النشاطات التى سوف تُبرمج تليق بحضارة وتاريخ تونس ومصر ووعى ونضج شعبيهما، وفى الختام أود أن أؤكد أن الاستثمار في الثقافة والإبداع هو السبيل الوحيد لحماية مجتمعاتنا وشبابنا من الانزلاقات الفكرية والسلوكية، وكما قال أحدهم أعطنى مسرحًا أعطيك شعبا عظيمًا، عاشت الثقافة التونسية المصرية.".
فيما تحدثت السفيرة رانية البنا قائلة: "يسعدنى أن أشارك في هذه الندوة المهمة بالنيابة عن السفير ياسر عثمان مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، الذى يعتذر عن المشاركة بسبب ارتباط آخر، إن الثقافة والفن والموسيقى كلها مرادفات، وفعلًا الثقافة والفن والموسيقى غذاء للروح، كما كان يعتقد الإغريق أن وظيفة الفن والثقافة هى تطهير النفس والتحليق بها في عالم جميل من الطهر والنقاء؛ لذا أجد أنه من المهم إعلان كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس قيس سعيد العام الحالى عامًا للثقافة المصرية التونسية، خاصة وأن العلاقات المصرية التونسية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.".
وفى مختتم كلمتها قالت: "من هذا المنطلق أعلن الرئيس السيسي والرئيس سعيد عام 2021 - 2022 عامًا للثقافة المصرية التونسية؛ من خلال تفعيل الأنشطة الثقافية والفنية المشتركة بمختلف مناحيها في كل من مصر وتونس، بما يعكس التاريخ المشترك بين الشعبين والتواصل القائم بينهما، كما بحث الرئيسان المصرى والتونسى سبل الارتقاء بالتعاون الثقافى بين البلدين في مختلف جوانبه، بما يسهم في تعزيز التقارب بين الشعبين، وفى إطار الاهتمام بالبعد الثقافى، حضر الرئيس التونسى بحضور حفل في دار الأوبرا المصرية، فضلا عن زيارته لمتحف القومى للحضارة المصرية الذى تم افتتاحه مؤخرًا، ومسجد عمرو بن العاص وقلعة صلاح الدين الأيوبى، ومن هذا المنطلق جاءت فاعلية اليوم لتظهر عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين..".