البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

القديس جاورجيوس الشهيد

البوابة نيوز

وُلِد القديس جاورجيوس عام 280م بكبادوكيا في تركيا من أبوين مسيحيين شريفين كانا من أصحاب الغِنى والشهرة الاجتماعية.
والده الأمير أنسطاسيوس حاكم ملاطية ووالدته ثيوبستي من اللد في فلسطين ابنة ديونيسيوس حاكم اللد فلما رُزقا بجاورجيوس اهتمّ والده بتربيته والتزامه بالآداب والأخلاق المسيحية المستقيمة ولقّنه العلوم الكنسية واللاّهوتية والقوانين والآداب وتعلّم اللغة اليونانية التي كانت في ذلك العصر لغة الثقافة كما أجاد الفروسية التي كانت مفخرة ذلك العصر.
كان جاورجيوس وسيم الطلعة فيّاض الحيوية، عالي القامة. كان والده انسطاسيوس رفيقًا للملك في أسفاره وفيها اطّلع على حقيقة ديانته المسيحية فأمر بقطع رأسه وعيّن مكانه أميرًا آخر وكان جاورجيوس عمره لا يتجاوز الرابعة عشر.
بعد استشهاد والده أخذت الوالدة ابنها وذهبت إلى مدينة اللد موطنها الأصلي ولها أملاك وافرة فيها. عَلِمَ الحاكم الجديد بهذا الشاب بشجاعة جاورجيوس وفروسيته، وهو في السابعة عشرة من عمره فأرسل بطلبه وبعث به إلى الإمبراطور الروماني ديوكلتيانس في فترة اضطهاد المسيحيين. وزوّده برسالة يوصي الإمبراطور بترقيته.
أُعْجبَ به الإمبراطور ومنحه لقب أمير وخصّص له راتبًا شهريًا ضخمًا وأعطاه ألف جندي ليكونوا تحت إمرته فصار بحسب الوظيفة قائد الألف وعيّنه حاكمًا لعدّة بلاد وسجّل اسمه في ديوان الإمبراطورية مع العظماء وأهداه حصانًا ممتازًا.
وبعودته إلى فلسطين استقبله حاكمها بالحفاوة والتكريم. ولما بلغ من العمر عشرين عامًا توفّيت والدته وتركت فيه ذكرى طيبة جعلته يُكمل مسيرته مُثابرًا على الإيمان المسيحي وبالوقت نفسه اشتهر جاورجيوس بانتصاراته في الحروب حتى لُقِّبَ بـ " اللابس الظفر " ولما بدأ الإمبراطور ديوكلتيانس يضطهد المسيحيين ويُعذّبهم وأصدر أوامره بإجبارهم على عبادة الأوثان ومن يرفض منهم يُقْتَل على الفور.
دخل جاورجيوس على الإمبراطور غاضبًا وجاهر بمسيحيته ودافع بحماسة عنهم وعن معتقداتهم، فحاول الإمبراطور أن يُثنيه عن عقيدته المسيحية بالوعود الخلاّبة والترقية إلى أعلى المراتب وبإغداق الأموال عليه، لكنه رفض كل هذا في إلحاح وحزم
غضب منه الإمبراطور وأمر بتعذيبه فاقتادوه إلى سجن مُظْلِم، فأوثقوا رجليه بالحبال ووضعوا على صدره حجرًا ضخمًا وضربوه بالسياط والحِراب حتى فقد الوعي وتركوه مطروحًا بالأرض، أما هو فكان يصلي.
وفي اليوم التالي أخذوه إلى الإمبراطور آملين أن التعذيب يجعله يغيّر رأيه،فظهر أمام الإمبراطور أكثر جُرأة وشدة وصلابة، فأمر بإعادة تعذبيه فوُضِعَ على دولاب كله مسامير ثم أُدير الدولاب بعنف فتمزّق جسده وتشوّه وجهه وسالت الدماء من جسمه لكنه احتمل ذلك بصبر عجيب وسمع صوتًا سماويًا يقول: “يا جاورجيوس لا تخف إني معك" فتشدّدت عزيمته وخرج من تلك الآلة وكأن لم يحدُث له شيء وشُفيت جراحه، فأخذوه إلى الإمبراطور فما أن رآه حتى تولاّه الذهول إذ وجده سليم الجسم كامل القوة وزاد غضبه وأمر جنوده بإعادته إلى السجن وتعذيبه فأعادوه وضربوه بالسياط وصبّوا على جسمه جيرًا حيًّا ومزيجًا من القطران ومحلول الكبرىت على جراحه فتحمّل الألم فوق طاقة البشر فظهر له المسيح وشفاه وطمأنه أنه سيكون دومًا معه.
وفي صباح اليوم التالي دخل عليه الجنود فرأوه يصلّي ووجهه يُضيء كالشمس دون أي أثر للتعذيب، فأخذوه إلى الإمبراطور فلمّا رآه اتهمه بالسحر وأحضر ساحرًا ماهرًا اشتهر بقدرته على أعمال السحر، فوضع له في كأس ماء عقاقير تقتُل مَن يشربها على الفور، وقرأ عليها بعض التعاويذ الشيطانية وطلب من القديس أن يشربها، فأخذ منه الكأس ورسم عليه إشارة الصليب وشرب ما فيه، فلم ينله أي مكروه.
فطلب الساحر من الإمبراطور بأن يأمر بأخذ القديس إلى القبور ويُجَرِّب إذا كان باستطاعته أن يُقيم الأموات، فإن استطاع ذلك كان إلهه هو الإله الحقيقي وهذا ما تمّ.
فارتدّ الساحر إلى الإيمان. فزاد بعد ذلك الإمبراطور قسوة وهمجية فأمر بصنع عجلة كبيرة فيها منجل وأطواق وسيوف حادّة وأمر جنوده بوضع القديس بداخلها فلما رأى القديس هذه العجلة الرهيبة صلّى إلى الرب أن يُنْقِذه من هذه التجربة القاسية، فوضعوه فيها فانسحقت عظامه وتناثر لحمه وانفصلت أعضاء جسمه عن بعضها، فصاح الإمبراطور مخاطبًا رجال مجلسه قائلًا: أين الآن إله جاورجيوس؟ لماذا لم يأتِ ويخلّصه من يدي؟
ثم أمر جنوده بإلقاء أشلاء القديس في بئر عميق بحيث لا يُمكِن أن يصل إليه أنصاره، ظهر عليه السيد المسيح مع ملائكته وأقام القديس من الموت وأعاده إلى الحياة سليم الجسم
في الصباح أدخل إلى مجلس الإمبراطور فذهلوا جميعًا فقال الإمبراطور: هل هذا هو جاورجيوس أم شخص آخر يُشبهه؟ أخيرًا خطر على بال الإمبراطور فكرة إقناع جاورجيوس بتغيير إيمانه فطلب منه أن يحضر أمام الأصنام ويُقَدِّم لها العبادة اللاّئقة، فقَبِلَ جاورجيوس.
فجمع الإمبراطور الأقطاب والشعب في الساحة العامة لرؤية جاورجيوس وهو يُقَدِّم للآلهة العبادة الوثنية. فوقف جاورجيوس أمام الصنم الكبير وقال له: "أفصح إن كنت الإله الحقيقي" فأجابه صوتٌ مُزَمْجِر: “الإله الحقيقي هو الذي تعبده أنتَ ونحن سوى ملائكة عُصاة تحوَّلنا إلى شياطين" وفي الحال سقط الصنم الكبير على الأرض وسقطت معه سائر الأصنام وتحطّمت جميعها. فأمر الإمبراطور بقطع رأسه فصار صيت استشهاده وجُرْأته النادرة في كل أرجاء الإمبراطورية ولذلك دُعِيَ: " العظيم في الشهداء". كان ذلك في 23 إبريل 303 م.
قام خادمه سقراطيس بنقل جثمانه من مكان استشهاده إلى مدينة اللد وعمل خادمه على إخفاءه جثمانه إلى حين تمّ نقل جسده الطاهر من مكان استشهاده إلى مدينة اللد في فلسطين سنة 323م، ووضع في الكنيسة التي شيدها على إسمه هناك الإمبراطور قسطنطين الكبير