البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ليالي القاهرة| «قاهرة المعز(4)».. المحروسة

البوابة نيوز

تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها “النداهة” التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال فى شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها.
ومع بداية حكم "المعز" بدت القاهرة وكأنها المدينة المحصنة، فلم يقصد "جوهر" من إنشائها فى بادئ الأمر أن تكون قاعدة أو دار خلافة أو منزل الملك، بل خططها لتكون سكنًا للخليفة وحرمه وجنده، ومعقل قتال يتحصن به وليلجأ إليه في وقت الشدة.
ونشأت القاهرة كمدينة خاصة للدولة الفاطمية الناشئة، واستمرت بعد ذلك كمدينة ملكية عسكرية تشتمل على قصور الخلفاء ومساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال والسلاح.
ثم أصبحت بعد إنشائها بأربعة أعوام كعاصمة للخلافة العثمانية الفاطمية، وحينما انتقل المعز وأسرته من المغرب ونزلوا فى القصر الشرقى الكبير، واتخذ الخليفة مصر موطنا له، وكانت القاهرة محصنة ومحروسة بالجنود من كل الأبواب، ولا يستطيع أحد المرور إليها، ولهذا كان يطلق عليها "المحروسة".
فلم يكن لقاطنى مصر أن يدخلوا "القاهرة" إلا بإذن يسمح لصاحبه بدخول إحدى بوابات القاهرة وكان مفوضو الدول الأجانب الذين يحضرون الحفلات الرسمية يترجلون عن جيادهم ويستقدمون إلى القصر بين صفين من الجنود على الطريقة البيزنطية، وكانت أسوار القاهرة العالية وأبوابها المحروسة تحجب الخليفة عن أنظار شعبه.
ولم يكن يسمح إلا للجند الموثوق بهم تمامًا بالإقامة داخل أسوار القاهرة، أما الآخرين والعناصر المشاغبة فقد أقاموا خارج الأسوار، وكانوا كلهم أشبه بحرس إمبراطورى وقد وطن "جوهر الروم بني جلدته الأماكن المجاورة لأبواب المدينة، ووزعت باقى فرق الجند فى مناطق مختلفة، فقد وطن الجنود الزنوج (العبيد) الذين اشتهروا بعدم الانضباط فى المنطقة الواقعة إلى شمال باب الفتوح، خارج أسوار المدينة بالقرب من الخندق الذى حفره جوهر لوقاية المدينة من أي هجمة تأتي من سوريا، ولذا عرفت المنطقة بـ "خندق العبيد".
وقد أوت ضواحى القاهرة الجنود الجدد الذين وصلوا بعد تقسيم أراضى المدينة، واسم أحد الضواحى يكشف عن أن "جوهر" كان يتمتع بروح الدعابة، فقد سمى أحد الأحياء بـ "حى الباطلية" وسبب تسميته بهذا الاسم، يروي المؤرخون أن بعض الجنود قد جاءوا إلى "جوهر" ليسألوه عن قطعة أرض يخصصها لهم، ووقتها رد عليهم أن الأرض كلها قد وزعت ووقتها صرخ الجنود قائلين "رحنا نحن فى الباطل" أى أن مجيهم كان بلا فائدة، ووقتها أطلق "جوهر" على الحى الذى سكنوه بالقرب من "الباب المحروق" ب ـ "حى الباطلية". فما كانت الفسطاط مقسمة إلى خطط، قسمت القاهرة كذلك إلى حارات، وتم توزيعها على الأجناس الأجنبية، وهذا هو سر تسمية بعض الحارات بأسماء مختلفة، مثل حارات الروم والكرد والبربر والترك، وحارة برجوان، وحارة الأمرا.
وتبدأ القاهرة فى البناء والتشييد من قصور ومساجد وأسوار.. ولأسوارها وأبوابها حكايات سنرويها...