البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

التفضيل بين الأبناء يُورث العداوة


حرص الإسلام على العدل بين الأبناء، والتسوية بينهم في العطية والمعاملة والرعاية والعطف وسائر شئون الحياة؛ لأن تفضيل بعضهم يُورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، ولقد حسم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فأنكر على من فضل بعض أولاده على بعض، وأمر بالعدل، وسمى التفضيل جورًا؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليشهد على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفعلت هذا بولدك كلهم؟». قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم». فرجع أبي، فرد تلك الصدقة [رواه البخاري ومسلم]، وفي لفظٍ لمسلم: «فلا تشهدني إذن؛ فإني لا أشهد على جورٍ»، وفي لفظٍ آخر لمسلم: «فأشهد على هذا غيري»، وفي هذا الحديث يُخبر النعمان أن أباه بشير قد أعطاه عطية، أي: هبة، فقالت أمه عمرة بنت رواحة لزوجها بشير: لا أرضى بهذه العطية حتى تُشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنك أعطيته ذلك على سبيل الهبة، وغرضها بذلك تثبيت العطية؛ فذهب بشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما صنع، وأن زوجته أمرته أن يُشهده، فسأَله النبي صلى الله عليه وسلم: هل أعطيت باقي أولادك مثل ما أَعطيت ولدك النعمان؟ فقال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»؛ وذلك للتأليف بين الإخوة، وقطع مسببات الشحناء والبغضاء بينهم، ولإعانتهم على حُسن برِّ أبيهم، فاستجاب بشير رضي الله عنه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع ورد العطية التي أعطاها لابنه؛ حتى يكون عادلًا بين أولاده.
تُعدّ التفرقة بين الأبناء وعدم العدل بينهم في الهدية والعطية والهبة والصدقة وفي شتى أمور الحياة من الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين، وقد جعل الله للأبناء على آبائهم حقوقًا كما أن للوالد على ولده حقوقًا، والقصة الشهيرة التي تحكي أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد، ليؤنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه حقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال بلى، قال فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك؛ أمّا أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ـ أي خنفساء، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك!
التفضيل بين الأولاد يولد العداوة والكراهية بينهم، وإن كان الإنسان في بعض الأحيان يميل إلى ابن بدرجة أكبر من الآخر، ولكن يجب أن لا يظهر هذا الميل، ولنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، عبرة وعظة، حيث ظن إخوة يوسف أن أباهم يعقوب عليه السلام، يفضله وأخاه بنيامين، ويؤثرهما في المحبة، فاتفقوا أن يقتلوه، أو يلقوا به في أرض بعيدة؛ ليستريحوا منه، ويبقى لهم حب أبيهم وتفضيله؛ فلا تترك الشيطان يزرع الحسد والبغض والكراهية بين أولادك؛ فالأصل أنه لا يجوز التفضيل بين الأبناء، وتمييز أحدهم ماديًا عن الآخرين إلا إذا كان هناك مبررًا شرعيًا وسببًا منطقيًا لهذا التصرف، كمرض، أو صغر سنٍّ، أو مساعدة للزواج، أو مساعدة على التعليم والدراسة ونحو ذلك مما يستدعي الزيادة في الهبة؛ لذا نوصي الوالدين أن يتعاملا بالعدل والمساواة بين الأبناء في كل التعاملات وفي جميع الأمور ويعملا على نشر الحب والعطف والحنان بين جميع الأبناء.. اللهم اجعلنا من البارِّين بآبائنا، وعادلين بين أولادنا.