البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الدكتور جورج شاكر يكتب: حكاية الاحتفال بعيد الأم

البوابة نيوز

في 6 ديسمبر 1955 كتب الكاتب الكبير الراحل الأستاذ على أمين في ثنايا سطور عمود " فكرة" بجريدة الأخبار قصة أم جاءت تشكو بمرارة من إبنها الذي ربته وأعطته شبابها، وكرست حياتها لتراه ناجحاً ومتميزا في الحياة، وذكرت في شكوتها أن زوجها فارق الحياة وهي في سن العشرين، ورفضت الزواج، وأبت أن تعيش حياتها إلا لإبنها، والذي كانت تعتبره نور عينيها، وهدف حياتها، ورأس مالها في الدنيا، وعكازها الوحيد عندما تتقدم بها الأيام ... وذكرت أنها ظلت تكافح وتثابر وتصبر وتحتمل حتى حصل الإبن على شهادته العلمية، ووصل إلى وظيفة مرموقة تدر عليه دخلاً تجعله يعيش حياة كريمة، ووقفت بجواره حتى تزوج، لكن بعد ذلك هجرها، ولم يعد يسأل عنها، كانت الأم تحكي قصة كفاحها، ودموعها تسبق كلماتها.
كتب الأستاذ علي أمين هذه القصة الواقعية، واقترح على القراء الإحتفال بيوم واحد في العام يُطلق عليه (يوم الأم) وتساءل في ختام مقاله أي يوم في السنة نجعله (عيد الأم)؟!، وبعد ثلاثة أيام عاد على أمين يكتب من جديد عن الفكرة نفسها، واقترح يوم 21مارس من كل عام للإحتفال بعيد الأم، وعلل إقتراحه بأنه اليوم الذي يبدأ فيه الربيع، وتتفتح فيه الزهور، وله دلالة خاصة على جمال الطبيعة فى عطائها، كالأم التى تعطر دنيانا بحبها وحنانها وعاطائها وإهتمامها، ولهذا تم بالفعل الإحتفال بهذه المناسبة لأول مرة في يوم 21مارس1956.
ودارت الأيام ورصدت ريشة الزمن العديد من القصص البطولية لأمهات مثاليات، وقصص أبناء متميزين أكرموا والديهم غاية الإكرام، أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
أعدت مدرسة إحتفالية بديعة الجمال بمناسبة عيد الأم كان من ضمن برنامج الحفل نشيد جميل، كلماته تعبر عن تقدير الأبناء لوالديهم على دورهم الرائع الحافل بالحب الذي بلا قيود، والعطاء الذي بلا حدود ... كان التدريب على الحفل على أعلى مستوى... وفي يوم الإحتفال، وعند تقديم هذه الفقرة حدث ما لم يكن يتوقعه أحد، فإحدى الفتيات التي كانت تشارك في تقديم النشيد قامت بأداء حركات غريبة ومختلفة عن باقي الفريق... إذ راحت تستخدم (لغة الجسد) بطريقة أشبه ما تكون (بلغة الإشارة) للدرجة التي فيها كاد الفريق أن يفشل في أداء النشيد المطلوب منه... حاولت قائدة الحفل أن تُلفت إنتباه الطالبة لتتوقف عن أدائها الشاذ المختلف عن باقي الفريق دون جدوى، كانت القائدة تنتهرها بنظراتها الحادة وبإشاراتها الغاضبة، لدرجة أن من شدة غضبها حاولت الإقتراب منها وسحبها بالقوة لإنزالها من على خشبة المسرح .. وكانت تتوعدها بالعقاب، لكن الفتاة كانت تراوغ وتبتعد، وتتمادى في حركاتها، وأخذت تتعالى ضحكات الحاضرين حتى كاد أن يفشل الحفل بسبب ما فعلته هذه الطالبة من أداء شاذ غير متوقع... وما أن إنتهى النشيد حتى إقتربت قائدة الإحتفال وصرخت في وجه الطالبة بعنف شديد، قائلة لها بحدة: لماذا لم تنشدي مع زميلاتك بدلاً من قيامك بتلك الحركات الغريبة التي أشاعت الفوضى في الاحتفال، وشعرنا بالخزي والخجل لفشلنا في تقديم رسالة شكر وتقدير وإمتنان للآباء والأمهات بصورة معبرة ولائقة، كما تدربتم وتعلمتم.
وهنا أجابت الطالبة بكلمات مبللة بالدموع قائلة: لأن أبي وأمي هنا بالحفل، ولم أكن أعرف أنهما سيحضرا ... فتعجبت القائدة من ردها، ثم سألتها ثانية ... وهل حضور والديك يمنعك من تأدية دورك بمهارة وإتقان مثل باقي زميلاتك؟!... وهنا قالت الطالبة والدموع على خديها إن أبي وأمي من الصم والبكم الذين لا يسمعون ولا يتكلمون، وأردت أن أترجم لهم كلمات النشيد بلغة الإشارة لكي أعبر لهما عن تقديري وإمتناني وإعزازي وحبي لهما لكي يفرحا مثل باقي الآباء والأمهات.
وما أن سمعت قائدة الحفل تبريرها لما فعلت حتى فتحت ذراعيها وضمتها بحنان بالغ، ورقة متناهية إلى حضنها وأجهشت بالبكاء وإختلطت دموعها بدموع الطالبة، ثم أمسكتها من يدها وصعدت بها مرة ثانية على خشبة المسرح، وقدمت الدعوة لوالديها للصعود على المسرح، وأخذت تشرح للحاضرين في الحفل سر ما حدث من الطالبة.... وما أن عرف الجمهور ما دعا الطالبة أن تخرج عن دورها المطلوب منها حتى علا صوت التصفيق الحاد لها، ولم يستطع البعض من إمساك دموعه تأثراً بما فعلته الطالبة مع والديها... وتوجت مديرة المدرسة هذه المشاعرالجميلة والعواطف النبيلة بمنح الطالبة مكافأة مالية، ولقب " الطالبة المثالية". لأنها عبرت عن إكرامها لوالديها بأروع أسلوب.
في يقيني أنه ليس هناك مَنْ يستطيع أن يقول أنا لست مديناً لأبي وأمي إلا إذا كان جاحداً أو ناكراً للجميل.
ومدرسة الحياة تشهد أن حب الأمهات والآباء للأبناء لا يمكن أن يشيخ مهما إمتدت به الأيام عبر الزمان.
إنحناءة تقدير وإحترام، وتحية حب وإمتنان، وتهنئة من القلب لكل الآباء والأمهات في عيدهم، ووصية للأبناء بإكرامهم وإحترامهم، فما يزرعه الإنسان إياه يحصد في يوم من الأيام.
عبرة فى عبارة:
{ حضن الأم هو أجمل مكان وأروع ضمان يستمد منه الإنسان جرعات الحنان والإحساس بالأمان }.