البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

كتاب جديد حول أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي

البوابة نيوز

يقدم لنا حمدي الشريف مدرس الفلسفة السياسية بكلية الأداب جامعة سوهاج في كتابه الجديد "أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي"، قراءة في "سلافوي جيجيك"، الفيلسوف السياسي الأكثر خطرا في الغرب، وأهمية جيجيك حسب الكاتب تأتي من ناحيتين: الأولى غزارة إنتاجه الذي يغطي موضوعات تتقاطع عبر مجالات ومیادین مختلفة بدءا من الفلسفة، والسياسة، مرورا بالتحليل النفسي، والسينما، والأدب، وصولا إلى النقد الثقافي. أما الناحية الثانية فهي نابعة من جملة انتقاداته لليبرالية التي شكل حجر الأساس الفكري بالنسبة للرأسمالية في المجال الاقتصادي، والديمقراطية في المجال السياسي.
ويقول الكاتب في مقدمته ".. وإذا كان جيجيك يقدم نفسه على أنه فیلسوف مارکسي، فإنه ليس مارکسیا تقليديا، وقد انصبت كتاباته على نقد الأيديولوجيا. فإذا كان مار كس يتناول الأيديولوجيا على مستوى الوعي"، وينظر إليها بوصفها مجموعة من التمثلات والتصورات الفكرية التي يكتنفها الغموض، فإنها بهذا المعنى مجرد "وعي زائف"، وتستهدف تشويه الواقع الحقيقي القائم على أساس من الصراع الطبقي.
وفي مقابل هذه الرؤية، ينظر جيجيك إلى الأيديولوجيا في ضوء "اللاوعي"، كما لا يعتبرها تحريفا للواقع، وإنما هي تقوم بمهمة تحسيده على أتم وجه. ومن هنا جاء تحوله في النظر إلى الأيديولوجيا من كونها تزييفا مباشرا يحدث داخل منطقة الوعي إلى كونها تزييفا للعملية الإدراكية التي ينظر الأفراد من خلالها إلى الواقع الذي يعيشون فيه. ومن خلال هذه اللبنة المركزية التي يضعها جيجيك، ينطلق في
معالجة فكرة الأيديولوجيا بأبعادها المختلفة، وتناول مسألة الثورة، خاصة في ظل س يطرة الرأسمالية العالمية، حيث تمتد إلى جميع مجالات الحياة العامة والخاصة تقريبا.
ويتناول الكتاب أطروحة جيجيك حول الأيديولوجيا، من خلال الكشف عن البنية التي ترتكز عليها، والخصائص والسمات التي تتميز بها، والآليات التي تشتغل من خلالها، وغيرها من القضايا والمسائل التي ترتبط بشكل أو بآخر بنظريته في الأيديولوجيا، وعلاقة ذلك كله بآرائه عن الثورة، التي لا تستهدف في نهاية المطاف سوى نقد الماضي، ومساءلة الحاضر، واستشراف المستقبل.
أما سلافوي جيجيك (Slavoj ZiZek) ؤلد عام 1949، في مدينة ليوبليانا Ljubljana في «سلوفينيا إحدى جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق وكان لهيجل وماركس، بالإضافة إلى المحلل النفسي جاك لاكان، أكبر التأثير على أفكاره. وقد أصبحت أعماله مصدرا خصبا للبحث في الأوساط الفلسفية، خاصة بعد أن نشر کتابه الموضوع السامي للأيديولوجيا» عام 1989، وهناك مجلة دولية مكرسة خصيصا لدراسة أفكاره تم إصدارها عام 2007، اسمها «المجلة الدولية لدراسة جيجيك». 
تأتي أهمية كتاب " أزمة الرأسمالية وتحولات الخطاب الليبرالي" للوقوف على أفكار جيجيك حول القضايا والمسائل المرتبطة بالأيديولوجيا، واشتباك جيجيك مع الواقع السياسي في محاولة منه لإنزال النظريات الفلسفية من الأطر الأكاديمية المغلقة للانخراط في المشكلات المعاصرة من ناحية، ومساءلة التحديات والمعضلات التي تفرضها العولمة الرأسمالية من ناحية أخرى.
علاوة على ذلك فإن أفكار جيجيك تشتبك مع الواقع السياسي والاجتماعي في عالمنا العربي، وما يعايشه من قضايا العنف، والثورة، والإرهاب، والأصوليات الدينية. 
ويخلص الكاتب بعد مقدمة وأربعة فصول إلى أن جيجيك استطاع أن يقدم صورة متكاملة حول ماهية الأيديولوجيا، وطبيعتها، وخريطة معرفية للأبعاد التي تشتغل من خلالها والمتطلبات التي تستلزمها، كما أن حديثه عن سمات الأيديولوجيا وخصائصها يوضح خيوط الأيديولوجيا الليبرالية من ناحية، وضرورة الثورة على
الأنظمة الرأسمالية من ناحية أخرى.
ويؤكد الكاتب في خاتمة كتابه أنه إذا نظرنا إلى الأطروحة المحورية التي تتركز حولها كتابات جيجيك، فسنجدها تتمثل في ضرورة إعادة فهم الآليات التي تشتغل من خلالها الليبرالية من ناحية؛ بحيث يمكننا مواجهة الرأسمالية القائمة على الصعيد المحلي والعالمي، والكشف عن الفساد الكامن في بنيتها الجوهرية، وتقوم من ناحية أخرى على إعادة النظر في إشكالية إخفاق الأيديولوجيات الاشتراكية والثورية. ومن هذه النقطة، لا يكفي معارضة الرأسمالية سياسيا، أو تغيير الواقع جذريا، وإنما يجب التركيز على تقويض البنى الأيديولوجية القائمة من جانب، والعمل على البناء الحقيقي من جانب آخر، لأن النظام القديم إما أنه سيعمل - بعد وقوع الثورة على إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى عن طريق إعادة تشكيل المؤسسات القديمة، أو أنه سيعمل على دفع الثورة - إذا وقعت - نحو حرب أهلية.
ومن ناحية أخرى إذا كان مارکس قد حدد الأيديولوجيا بوصفها وعيا زائفا، فإن جيجيك انتهى إلى أن الأيديولوجيا تؤثر على مسار الإدراك والفعل، وليس على مستوى الأفكار وحدها. وبعبارة أخرى، فإن الأيديولوجيا لا تشتغل على المستوى المعرفي، وإنما بوصفها ممارسة عملية، على
الرغم من توافر المعرفة الصحيحة لدى الأفراد؛ بحيث تجنبهم من المواجهة والصدام مع الواقع. ونتيجة لهذا، فإن الأيديولوجيا لا تعمل على إخفاء الواقع، وإنما على سد الفجوة بين بنائها وبين الواقع.
من هنا فقد حاول جيجيك تطوير فكر مادي للأيديولوجيا، وقد جاء تصوره لها كتخييل غير واع يستهدف تشكيل الواقع بطريقتها الخاصة. كذلك فقد جاءت رؤيته أكثر اتساعا وانفتاحا من الأطروحات الماركسية التقليدية، كما لم يتقيد بطرح لينين الذي يضعها في قالب ثنائي مكون من: إما أيديولوجية اشتراكية، أو أيديولوجية برجوازية. بدلا من ذلك عمل على توسيع هذه الرؤى في النظر إلى الأيديولوجيا، وقد استطاع بالفعل أن يخرج بمفهوم الأيديولوجيا من إطاره الماركسي الضيق إلى آفاق أوسع وأرحب وأكثر شمولا في مجالات الحياة المختلفة. وهذا كله رغم انطلاقه من العقيدة الماركسية.
هذا يعني أن جوهر مفهوم جيجيك للأيديولوجيا لا يتمثل في كونها مجموعة من التمثلات الزائفة الناتجة عن تشوه في طبيعة التناقضات الاجتماعية، بل أيضا بوصفها أي قوة خام؛ رمزية، أو مادية، تعمل على إرباك وتشويش الإدراك الصحيح للأفراد لواقعهم، وذلك من خلال تعويلها ليس على فرض نفسها بطريقة مباشرة، وإنما من خلال آليات محددة؛ من بينها: التشكيك، والتعمية الذاتية والإخضاع، ويتم ذلك في إطار تجدها في ممارساتهم الثقافية.
وفي الحقيقة لقد ظل جيجيك متشبثا بالفرضية الشيوعية لأنما لا تزال حية وقابلة للتطبيق، على الرغم من انتقاداته للحركات الاشتراكية والتجارب الشيوعية. فالمستقبل - في اعتقاده - أن يكون للرأسمالية، ولكن للشيوعية، وعلى أضعف الإيمان للاشتراكيات التي ستكون مدخلا للشيوعية. لكنه في المقابل لا يقع في حتمية ماركس التي أكد من خلالها قرب فناء النظام الرأسمالي. هذا إلى جانب نقد
جيجيك لليسار التقليدي، وهو نقد لا يخلو من دلالات مهمة.
ومن هذا المنطلق كان الهدف الأساسي من تطوير جيجيك لنظرية الأيديولوجيا يتمثل في ضخ دماء جديدة في الماركسية، وإعادة إحياء الفكرة الشيوعية بعد أن أصابها الوهن في مواجهة الصعود المتزايد للرأسمالية، وإخفاق التيارات الاشتراكية التي حاولت أن تكيف أوضاعها مع رأسمالية عصر ما بعد الحداثة. ومن هذا المنظور كان ملتزما ومخلصا للفكرة الشيوعية.