البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

عِــش لغـايـة


نادرون هم أولئك الذين يعيشون من أجل غاية.. من أجل الانتصار لفكرة أو إقامة مبدأ.. وثمة فارق كبير بين الغاية والهدف.. فالهدف هو الجسر الذي نعبره من أجل تحقيق الغاية.. فنجاح الطالب في دراسته مثلًا هدف عظيم.. ولكن ماذا بعد ذلك النجاح؟ لا بد من غاية سامية يسعى في سبيل تحقيقها.. وعلى سبيل المثل، فإن الطالب الذي في كلية الحقوق، ويريد أن يحصل على تقدير ممتاز من أجل أن يصبح قاضيًا أو محاميًا، فإن ذلك أمر مرتبط بالأهداف.. وتبقى الغاية بعد ذلك، فما الغاية التي يريدها من وراء كونه يريد أن يصبح قاضيًا أو محاميًا؟!
فإذا كانت الإجابة: من أجل أن يكون صاحب سلطة وسطوة، فإن هذه غاية غير نبيلة في حد ذاتها.. ولكي تكون الغاية نبيلة وسامية، فإن الإجابة الوحيدة التي يجب أن تُقال هي: أريد أن أصبح قاضيًا أو محاميًا من أجل إقرار المساواة وتحقيق العدل وإعلاء قيم الحق.. من أجل نصرة المظلومين والضرب على أيدي الظالمين العابثين.. هكذا ينبغي للغايات أن تكون.. وهكذا يصبح للهدف قيمة عميقة خالدة.. قيمة ذات معنى يستحق الكفاح والمثابرة.
إن الإنسان الذي يعيش دونما غاية نبيلة تحركه، لم يفهم مقصد الحياة، ولم يعِ المغزى منها.. وكيف لا؟.. وهو يعيش دونما رؤية.. دونما غاية عظيمة تُلْهمه.. إنها ينبغي أن تكون الدافع المحرك.. الذي على أساس منه يضع الإنسان أهدافه، ومن ثم يسعى من أجل تحقيقها.. فليس هناك أعظم من أن تعيش لغاية.. وليس هناك أسمى من أن تتمسك بمبدأ.
والغاية إذا لم تكن ذات مبدأ، فهي وبال وخسارة لصاحبها.. فما أكثر الغايات ولكنها غايات دنيئة، تتبع الهوى، ولا تتخذ من الحق وسيلة.. أصحابها شعارهم (الغاية تبرر الوسيلة).. فما عليهم إلا أن يحددوا هدفًا، أيًّا كان ذلك الهدف.. ثم يبحثون عن الوسائل التي توصلهم إلى هذا الهدف؛ ومن ثم الوصول إلى غاياتهم.. بغض النظر عن كيفية الوصول، ومهما بلغت تلك الوسائل من خسَّة وحقارة.. يمكنهم أن يسحقوا كل مَن قد يقف عائقًا أمام أهدافهم ولا يبالون!!
ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة قد تبناه ودافع عنه، الفيلسوف والسياسي الإيطالي (مكيافلي)، في كتابه (الأمير)، الذي ألّفه في عام 1513م.. والغاية عنده تبرر الوسيلة مهما كانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق.. وقد استند في هذا الرأي إلى الواقع المنحرف لكثير من الناس، لا إلى مبادئ الحق والعدل والخير.. وهو في كتابه هذا كان يريد أن يبرر للحكام أفعالهم الدنيئة، طالما أن الغاية هي إحكام السيطرة وفرض الطاعة.. انظر إليه يقول: (الأمير يهلك إذا كان سلوكه متقيدًا بالأخلاق الفاضلة.. لذلك يجب أن يكون ماكرًا مكر الذئب !!).. وهذا المبدأ المكيافلي قد اغترفت منه الصهيونية غالبية أسسها وتفسيراتها السياسية.
ولنا أن نتساءل: هل يمكن لصاحب الغاية أن يستخدم الوسيلة التي يريدها.. أيـًّا كانت وكيفما كانت.. دونما قيد أو شرط؟! دونما أن يضع لها معايير تحفظ نفسه وتحفظ المجتمع من الهلاك؟!.. إن صاحب الغاية النبيلة عليه أن يبحث عن الوسائل المشروعة.. الوسائل التي تعتمد على قيم الحق ومبادئه.. وكيف يمكن أن نتصور الوصول إلى غايات نبيلة باستخدام وسائل خسيسة؟! كيف يمكن الوصول إلى هناك.. إلى غايتنا سالمين غير ملوثين، إذا كان الطريق كله أوحال؟! وكيف لا يَعْلق الدَنَس بالأرواح، وهي غارقة في ظلمات التيه والآثام؟! كيف لنا ذلك والغايات النبيلة لا تحيا إلا في القلوب النبيلة؟