البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أحمد صبرى.. فنان من رحم المعاناة والحرمان

البوابة نيوز


يعد الفنان أحمد صبري من أعمدة الفن التشكيلي المصرى ورائد فن البورتريه، وهو من أعظم فناني القرن الماضي لإبداعه المتميز في فن الرسم الأكاديمي الواقعي ويوصف بأنه فنان المعاناة والحرمان ولوحاته تحكي قصصًا عن دقته في التفاصيل وكيفية إبراز معاناته طيلة حياته.

ولد أحمد صبري في ٢٠/٤/١٨٨٩ بحي المغربلين بالدرب الأحمر بالقاهرة. توفيت والدته قبل بلوغه الثانية من عمره ثم تولى والده تربيته، وكانت بدايه مأساته هو فقد الأم، كان كثير البكاء وهو طفل، ولاحظ والده المحب لعزف العود أنه يهدأ عندما يعزف الأب العود، ومحب بالفطرة للموسيقى، كانت أوتار العود وألحانه هي أول لبنة في حياة صبري وهو طفل، وكان عزف والده الحزين هو مصدر سكون الطفل الذي كان متعلقًا بوالده الذي يرعاه، ولكن شاءت القدرة الإلهية أن يتوفي والده قبل بلوغه الثامنة من عمره. لتكتمل مأساته وليعيش يتيمًا في الدنيا إلى أن كفله جده رضوان باشا رئيس قلم الديوان الخديوي. في سرايا بمنطقة الحلمية عاش وسط أقاربه محرومًا من حنان الأم وعطف الأب، وكلف جده عاملًا عنده يدعى عم سرور الذي رسمه فيما بعد في لوحة عم سرور الشهيرة.. كان يرى ذلك الحرمان كلما شاهد من ينعم بأبويه.. مما جعل داخله كسرة ألم الفقد التي تصاحبه دوما لا يستطيع الاهتمام بدراسته، وكلما مسك قلم رسم به أحزانه لدرجة أنه لم يستطع أن يتخطى المرحلة الثانوية.. مر بطفولة قاسية لا يستطيع شراء الملابس الجديدة لأن جده يأخذ إرثه من والده الغني لكنه حرم منه...قطن بعد ذلك في بيت خاله الذي لم يجد فيه الحنان في منطقة الظاهر بغمرة يختلف مع أولاد خاله فيعود لجده. كان منفذه لذلك الألم الرسم والألوان التي يشتكي لها وتواسيه دومًا لما كان يشعر به من آلامٍ وحرمان.

منحة دراسية
التحق أحمد صبري بمدرسة الفنون الجميلة عام ١٩١٠ بالدفعة الثانية للكلية التي أسسها الأمير يوسف كمال الذي كان يرعى الفن في تلك الآونة.

وعندما أرادت الجامعة المصرية تكريم سفير إسبانيا بالقاهرة؛ قامت بتكليف الطالب أحمد صبري برسم بورتريه لسفير إسبانيا، وأبهرت هذه اللوحة البارون دي بلت سفير إسبانيا، وحازت إعجاب وتقدير كبراء الدولة الذين كانوا يحتفلون بالبارون. ومن هنا بدا يظهر اسم أحمد صبري.

ونظرًا لنبوغه؛ تم منحه بعثة دراسية لاستكمال دراسته الفنية بفرنسا هو وصديق عمره محمود مختار من الأمير يوسف كمال، وللأسف لم يتم منحه تلك المنحة بسبب واقعة حدثت له مع الخادم الذي كان يعمل عند الأمير، وتسببت له بمشكلة حرمته من المنحة، وسافر صديقه مختار ولم يستطع السفر....قرر وقتها الاعتكاف في مرسمه برمسيس في وسط القاهرة، وقرر بيع اللوحات برغم من أنه كان رافضًا لفكرة البيع ولكنه مضطر لجمع المال وعمل مدرس رسم بمدرسة مصطفى كامل الأهلية برغم عدم حبه الوظيفة الحكومية، ولكن لأن أهله كانوا يعتبرون أن مهنة الرسام مهنة ليست بوظيفة تليق بالعائلة التي كانت تلومه على الدوام أنه لا ينجح في دراسته، وأن الرسم ليس له أهمية جمع المال، وسافر فرنسا على نفقته الخاصة 
التحق بأكاديمية "شومير" ثم بأكاديمية "جوليان" كان أستاذه (بول البير) الذي كان يدرسه أهمية الخط والرسم، لكنه اضطر للعودة إلى الوطن عندما أنفق كل نقوده خلال ثلاث سنوات قضاها دارسًا للرسم في باريس١٩١٨ –١٩٢١. له قصص مع صديقه النحات العظيم محمود مختار الذي ساعده كثيرًا في فرنسا. فهو كان الصديق الأقرب إلى قلبه، كان مختار يضع النقود وسط الكتب ويقول لصبري الكتاب الذي تقرأه ما تجده فيه فهو لك.وفاز بالميدالية الذهبية في معرض نانت عام ١٩٢٦.

لوحة الراهبة
فازت لوحة "تأملات" والتي تعرف باسم "الراهبة" بجائزة الشرف الدولي (ميدالية ذهبية) من صالون باريس الدولي عام ١٩٢٩، ويحكى أن هذه اللوحة كانت قبل التقييم خلفيتها داكنة، وسمع صبري أحد المحكمين قبل العرض بيوم أن تلك اللوحة إذا كانت خلفيتها بلون فاتح لأخذت المركز الأول، وبالفعل استأذن صبري قبل التقييم بتعديل شيء ما ودخل قاعة العرض ببالته وقام بالتعديل لأنه استوعب النقد البنّاء من أساتذته النقاد عن طريق الصدفة غير الموجهة له... اللوحه أخذت لوحة الراهبة المركز الأول....حاول المتحف الفرنسي اقتناء اللوحة وبعض المقتنين الفرنسيين شراء اللوحة بثمن باهظ..لكن أحمد صبري رفض وقال هذه اقتناء لمصر، وقال( بلدي أولى) وعاد بها واقتناها متحف الفن الحديث بمبلغ ٧٥ جنيهًا في الثلاثينيات إلى أن اختفت اللوحة بعد وفاة أحمد صبري
سافرت لوحة الراهبة ( تأملات) لتشارك في معرض (مانت فديو) في ١٩٦٠ بالبرازيل، ثم انتقلت إلى معرض آخر نظمته الصداقة العربيه الأمريكية بالولايات المتحدة الأمريكية ذهبت ولم تعد لمتحف الفن الحديث المصري إلى الآن، حتى وجدت في بيت سفيرنا بالولايات المتحدة الأمريكية (فوق الكنبة) كما أطلق عليها التشكيليون.... أيعقل أغلى لوحة مصرية يعد عمرها قرابة الـ١٠٠ عام يقدر سعرها الآن لا يقل عن٤ ملايين دولار، أخذت المركز الأول بصالون باريس الدولي الذي يحَكم فيه أقوى ٦٠ مُحكمًا من شتى دول أوروبا ونبغاء النقد بالفن التشكيلي.

جوانب خاصة
تألم صبرى أيضًا في زيجاته، ففي البداية تزوج أحمد صبري من الآنسة جوليت التي كان يحبها والتي كانت تعمل عارضة أزياء سنة ١٩٢٣ في فرنسا وانفصلا عام ١٩٢٥، وذلك لكثرة المشكلات بينهما ثم تزوج من زميلته في الدراسة بأكاديمية نانت الآنسة هنريت جلو عام ١٩٢٨ التي كانت ملهمته، وكانت موديل معظم لوحاته، وأنجب ثلاثة أبناء ثم بدأت تظهر الخلافات مع زوجته عام ١٩٣٤، وكان يحاول رأب الصدع بينهما، ولكن لم يتمكن إلى أن تم الطلاق عام ١٩٣٦ ثم تزوج بالمصرية فردوس وأنجب منها ولدًا وبنتًا، وكانت رفيقة دربه إلى آخر حياته.

سعى لإنشاء القسم الحر بكلية الفنون وتولى رئاسته لاقتناعه بأن هناك أفرادًا موهوبين يستحقون التوجيه والدراسة لتنمية مواهبهم بغير تحديد للمؤهل أو السن، وذلك بكلية الفنون الجميلة وأنشأ مرسم الأقصر وجعله بمثابة البعثة الداخلية للمتفوقين، وتولي رئاسة قسم التصوير عام ١٩٤٦. وبلغ السن القانونية للمعاش عام ١٩٤٩ وتم مد مدة خدمته ثلاث سنوات بعد التقاعد للاستفادة من علمه وفنه بناءً على طلب العميد.

أفني أكثر من ٢٠ عامًا في تدريس الفن بمدرسة الفنون وأخرج أكثر من ٢٠ جيلًا من الفنانين، أصبحوا فيما بعد من أبرز فناني الحركة الفنية في مصر مثل حسين بيكار، صلاح طاهر، صبري راغب ومحمد صبري وحسني البناني وغيرهم.



المرض والرحيل
مرضت عيناه بمرض المياه الزرقاء والبيضاء، وكانت أقسى ما مر به طيلة حياته، فيذكره تارة كان يدرس لأحد طلابه وأخذ لونا خاطئا وقال له تلميذه، شعر بضيق وحسرة قاسية، وعاد مقهورا لان الرسم كان عشقه وشعر بألم الفقد مرة أخرى لأعز عزيز لقلبه وكل حياته، واشتد عليه المرض واحتاج لإجراء عملية جراحية، ولم يكن يملك أجر العملية؛ حيث قامت إحدي تلميذاته بجمع أربعين لوحة من منزله وعملت بها معرضًا وباعت اللوحات بنظام اللوترية حتى تجمع قيمة العملية، وأجري العملية عام ١٩٥٤ ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب. وظل مريضًا بكسرة قلبه على فراق بصره الذي كان يمتعه بفنه الذي حرم منه، وكان أكثر آلام الفقد التي مرت عليه وتوفي أحمد صبري ٨/٣/١٩٥٥ بعد مسيرة معاناة.



تكريمات
كرّمت الدولة أحمد صبري بعد وفاته وأطلق اسمه على قاعة من قاعات متحف الفن الحديث قاعة أحمد صبري..إلى أن هدم المُتحف وأصبح بدار الأوبرا المصرية، وتم عمل جدارية له بكلية الفنون الجميلة بالزمالك تخليدًا لذكراه ضمن السبعة العظام لجيل الرواد بالفنون الجميلة.

كما أطلق اسمه على أحد شوارع الزمالك القريبة من كلية الفنون الجميلة.

- تم تركيب اللوحة التعريفية لبرنامج "عاش هنا" في شهر يوليو عام ٢٠١٨ أمام بيته الذي قضي فيه سنوات مجده الفني بالقاهرة تخليدًا لذكراه.