البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مراد مصطفى في حواره لـ"البوابة نيوز": «حنة ورد» صورة واقعية لكفاح اللاجئين مع العنصرية

المخرج مراد مصطفي
المخرج مراد مصطفي

ما أصعب أن تهرب من واقع مظلم تنعدم فيه مقومات الحياة لتجد نفسك عالقا في شباك آخر لا يقل عنه قتامة أو وحشية، فتجد أن الماضي لا يزال وراءك، يطاردك بكل قوة، وينتظر أن تتهيأ الفرصة المناسبة ليحطمك ويسلبك كل ما تملك من أحلام وطموحات بسيطة.
هذا الواقع الأليم هو جل ما شغل تفكير المخرج المصري الشاب مراد مصطفى، في أولي تجاربه السينمائية كمخرج ومؤلف من خلال شريطه الروائي القصير "حنة ورد"، والذي يرصد بعناية وحميمية الصراعات والمصاعب التي يعيشها هؤلاء المهاجرين في بيئات خاصة وقاسية يسودها العنف والبلطجة.
يتتبع الفيلم، الفائز بجوائز مهرجانات بالم سبرينجز ورود آيلاند بأمريكا، يوم في حياة الحنانة السودانية حليمة التي تتوجه برفقة ابنتها ورد، ذات الـ 7 سنوات، لمنزل يقع بأحد المناطق الشعبية من أجل إعداد العروس قبل ليلة زفافها. وفي هذه الأثناء تبدأ الطفلة الصغيرة في التجول واستكشاف المكان، ولكن اليوم لا يسير كما مخطط له. 
عرض الفيلم خلال الأيام القليلة الماضية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان بوسان السينمائي الدولي للأفلام القصيرة بكوريا الجنوبية، وينافس في شهر أكتوبر المقبل بمهرجانات بولتون وناشفيل السينمائيين. كما شارك أيضًا بعدد من التظاهرات السينمائية العالمية المؤهلة لجوائز الأوسكار.
تحدثت "البوابة نيوز" مع المخرج مراد مصطفى، عن أبرز القضايا التي طرحها خلال الفيلم وما الدافع وراء تقديمه للقصة من هذا المنظور.

- يتتبع فيلمك القصير "حنة ورد" أحداث يوم في حياة رسامة الحناء السودانية حليمة.. ما الدافع وراء تقديمك قصة عن اللاجئين؟ وهل هناك أي تقارب ما بين تسليط الضوء على واقع هذه السيدة وما يعيشه الداخل المصري من اضطرابات اجتماعية؟
كنت أبحث عن فيلم يتحدث عن أناس حقيقين ومختلفين عن القوالب النمطية للشخصيات في السينما المصرية، مثل الجنسيات الأخرى التي تعيش بيننا داخل المجتمع المصري بصورة طبيعية ويمتهنون مهن كثيرة تندمج معنا داخل المجتمع بشكل عادى. كالحنانة السودانية، أردت أن أجعلها دورًا رئيسيًا في الفيلم كي أحكى قصتي من خلال هذه الشخصية الغير المصرية ولكن في أجواء مصرية شعبية مثل "ليلة الحنة"، لأن بها عادات وتقاليد مشتركة بين المصريين والسودانيين. وذلك كان حافزًا لي لكي أرصد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة وما يعانيه من تنمر وتناحر.

- انتهجت أسلوب الواقعية الايطالية الجديدة بالاعتماد على ممثلين غير محترفين والتصوير بأماكن الأحداث الحقيقية.. كيف تغلبت على هذه المعوقات أثناء التحضير للفيلم؟ وهل يمكننا أن نصنف العمل (روائي – وثائقي) أكثر منه روائيا فقط؟
لا أرى الموضوع كذلك، فالفيلم روائي بالطبع وله بناء درامي وأسلوب حكى وقصة من وحي خيالي، ولكن ربما تشكل هذا الانطباع لأن القصة تروي داخل أجواء واقعية وبأناس حقيقين، وطريقة تصوير أرى أنها تعتمد على البساطة ولكنها بساطة أزعم أن خلفها مجهودًا هائلًا لكي أصل بها لهذا المستوى البسيط والحقيقي الذي وصل للجميع.
تطلب الاعتماد على ممثلين غير محترفين مجهودًا كبيرًا كي أضع المشاهد داخل هذا البيت وأجعله يتفاعل مع الأحداث والشخصيات. ومن ناحية أخرى، فإن هؤلاء الممثلين يمتلكون جاذبية كبيرة ومصداقية أمام الكاميرا لأنهم لم يسبق لهم التمثيل من قبل وليس لديهم أية خلفية أكاديمية أو مهنية وذلك يجعلهم عفويين أكثر وذات حضور جذاب. 
أما أسلوب الواقعية الايطالية أو الموجة الفرنسية الجديدة أو الواقعية الجديدة في مصر، هو أسلوب شائع لدى مخرجين كثر داخل مصر وخارجها من الذين يؤمنون بطرح الشكل السينمائي بطريقة حقيقة كما هي دون تنميق أو تجميل للأشياء. لذا تم تصوير الفيلم داخل شقة حقيقة وبدون استخدام مصدر اضاءة اصطناعية معتمدين فقط على ضوء الشمس والمكان، هذا بالإضافة إلى التصوير بعدسة واحدة وهي 35 ملم والتي تعتبر أقرب للعين البشرية لكي تضفي انطباعا حقيقيا وشكلا واحدا، لأن تغيير العدسات في مثل هذا النوع من الحكي السينمائي لا أراه مفيدًا لأنه يغير من المنظور الحقيقي اللقطة.

- برزت أزمات كثيرة خلال الآونة الأخيرة تتعلق بجرائم التنمر والكراهية.. كيف تعامل "حنة ورد" مع كل تلك القضايا داخل قالبه الاجتماعي؟ وهل تسليط الضوء على مثل هذه الأزمات يضفي على الفيلم صبغة عالمية؟
ما حدث لحليمة كان من وحي خيالي كمؤلف ومخرج للعمل وهو نتيجة لتصاعد درامي معين قائم على التوتر بين الشخصيات في قصة محددة وخاصة بمكانها وزمانها. فالفيلم يحكى عن هنا والأن ولا أستطيع الجزم أن ما حدث لحليمة حالة شائعة تحدث كثيرًا ولكنها في الوقت نفسه موجودة بالفعل على مساحة محدودة خاصة في المناطق الشعبية.
أري أن قصة حليمة هي أزمة دولية موجودة في العديد من المجتمعات حتى المتحضرة منها، فهي تحمل اختلافا ما بين الأجناس والطوائف وأيضًا بين الطبقات الاجتماعية. ولكن إذا ما تحدثنا عن النموذج المصري فبالطبع هناك عنصرية ما بين المصريين واللاجئين وما بين المصريين وبعضهم البعض، وقد زادت حدتها في الآونة الأخيرة لدرجة أننا إذا اختلفنا حول مباراة كرة قدم من الممكن أن يتحول الأمر لمجزرة كبرى.
لقد أردت أن يكون الصراع في "حنة ورد" غير طبقي، فحلمية وابنتها وعائلة بسمة هم جميعا من نفس الطبقة الاجتماعية تقريبا ولديهم نفس الأزمات والمشكلات الاجتماعية.

- في حوار سابق، ذكرت أنه تم إنتاج الفيلم من أموالك الخاصة.. هل تم عرض الفيلم على أي جهة إنتاجية وقبول بالرفض؟ ولماذا؟ وكيف تغلبت على معوقات الإنتاج خلال التصوير؟
نعم، لقد قمت بإنتاج الفيلم بالكامل خلال مرحلة التصوير ولم أعرضه على أي جهة إنتاجية. فمنذ اللحظات الأولي أردت إنتاج المشروع بأموالي الخاصة حتى أتحمل مسئولية القرار الفني بشكل كامل، ولكن عندما عرضت الفيلم بعد انتهاء تصويره على شركتي (ريد ستار وذا سيل) والتي يرأسهما كلا من المنتجين (صفى الدين محمود وشريف فتحي) تحمس كلاهما وقرروا دعم الفيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج الخاص بعمليات المونتاج والالوان والصوت وما إلى ذلك.
ولعل أبرز المعوقات التي واجهتها خلال مرحلة الإنتاج تمثلت في تصوير الفيلم بالكامل خلال يوم واحد فقط وكان هذا تحديا كبيرًا بسبب صعوبات التنفيذ ولكننا تمكننا من إنجازه في المدة المحددة.

- رحلة طويلة خاضها "حنة ورد" بداية من مهرجان كليرمون فيران، ثم بالم سبرينجز، مرورًا ببوسان وكازان، ومؤخرًا أفضل فيلم بمهرجان رود آيلاند السينمائي بأمريكا.. كيف تابعت ردود الأفعال؟ وإلى أي مدي تتوقع أن يصل الفيلم في مسيرته الدولية؟
دعني أوضح أن الرحلة ما زالت في بدايتها وأن الفيلم قطع فقط ربع مشواره حتى الأن. فمنذ لحظة عرضه العالمي الأول بمهرجان كليرمون فيران بفرنسا، كانت ردود الأفعال عظيمة ومبهرة وكنت هناك برفقة مونتير الفيلم حيث شاهدنا جميع العروض الثمانية وانبهرنا من مدى تفاعل الناس مع العمل.
بعد ذلك، تابعت آراء الجمهور من خلال منصات التواصل الاجتماعي وحلقات سؤال وجواب عبر الإنترنت، نظرًا لأن جائحة كورونا فرضت على المهرجانات اقامتها بصورة افتراضية، وجميعها كانت ردود جيدة حيث تلقيت مؤخرًا العديد من رسائل الاعجاب حول الفيلم من مختلف جنسيات العالم.
بالتأكيد أتمنى أن تصل مسيرة الفيلم إلى أبعد مكان وهو الترشح الرسمي لجوائز الأوسكار أو البافتا، ولكن هذا يتطلب مجهود ووقت كبيرين لأننا غير مؤهلين للنسختين المقبلتين من الأوسكار والبافتا والمزمع عقدهما العام المقبل. وفي حال وجود تأهل رسمي للفيلم سيكون في عام 2022، حيث تنص اللوائح المنظمة لتلك المهرجانات على مرور عامين على دورة الفيلم حتى يتسنى له المشاركة بالكثير من المهرجانات الدولية المرموقة والحصول على عدد جيد من الجوائز التي تمثل عاملًا إيجابيا في عملية التأهيل.

- عملت لسنوات طويلة كمساعد مخرج بعدد ضخم من الأفلام والمسلسلات.. صف لنا تجربة العمل الأول بمشروعك؟
11 عاما كمساعد مخرج، أنا فخور جدًا بهذه السنوات وتلك المرحلة التي قد انتهت الأن وبدأت خوض غمار أخرى جديدة. في تلك الفترة الطويلة تعلمت كل شيء عن السينما، رغم أنني لم أدرس السينما سواء بصورة أكاديمية أو أي مكان آخر من قبل. كنت دائما أخبر نفسي بأنني سأتعلم بشكل نظري من خلال مشاهدة الافلام العالمية وقراءة الكتب السينمائية المهمة. أما من الناحية العملية، فقد تحملت الكثير من المسئولية في أعمال فنية كبرى تعلمت خلالها كيف يتم إدارة موقع التصوير وكيف يتعامل المخرج مع العمل بشكل عام.

- حظيت عدد من الأفلام المصرية مثل "سعاد" لأيتن أمين و"عاش يا كابتن" لمي زايد" و"ستاشر" لمخرجه سامح علاء، بالمشاركة في محافل سينمائية كبرى هذا العام.. كيف تقبلت الأمر بصفتك أحد المشاركين بفيلم أيتن أمين؟ وهل تري أن الأفلام المستقلة حفظت ماء الوجه للسينما المصرية بعد حالة التدني الهائلة التي وصلت إليها نظيرتها التجارية؟
دائما السينما "المستقلة" أو "الموجة الجديدة"، سميها كما تشاء، تحفظ ماء الوجه للسينما المصرية، لأن المصطلح ما هو إلا عنوانا في الأخير لكن المضمون المعنى دائما لهذا النوع من الأفلام. 
"إنها افلام تمثل صانعيها" بعيدًا عن تروس الصناعة التي تجبرك على اتخاذ بعض القرارات والطرق غير الفنية مما تؤثر بشكل كبير على مستوى الفيلم.
وعلى الرغم من كل هذه الظروف الصعبة، إلا أنني سعيد بأن هذا العام شهد ميلاد العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة والتي استطاعت أن تمثل مصر في مهرجانات كبرى، وليس بعيدًا أن نرى في المستقبل القريب فيلما مصريا يقتحم القائمة النهائية للأوسكار.