أم كلثوم نجيب محفوظ تكشف لـ«البوابة» جوانب خاصة في حياة أبيها: أول أرباح وقف جائزة نوبل خصصت لفلسطين.. تعلمنا منه حب القراءة والاطلاع.. وكان يترك لنا حرية الاختيار

- والدى تزوج في سن كبيرة ولم ينجب أطفالا في البداية وبالتالى عندما أنجب كان نجيب محفوظ الروائى الكبير وكنا نشعر أن الأمر طبيعى ونتعامل معه كأب ولم يشغل تفكيرنا الشهرة لأن نجيب محفوظ كان أبا حنونا جدا ومتواضعا ومتفتحا وكانت توجيهاته لنا يقدمها بذكاء حتى لا يجرح مشاعرنا وإذا أخطأ يعتذر بكل شجاعة يحرص على فصل حياته الشخصية عن حياته العملية والأدبية وكان ذلك اختيارنا أيضا لأن الأسرة لم تكن من محبى الإعلام والأضواء كما كان يشجعنا على الكتابة ويتمنى أن يورث لنا الأدب. 

- تعلمنا منه حب القراءة والاطلاع وكنا نستعير كتبا من مكتبته لكن تحت إشرافه وينصحنا ألا يطلع عليها أحد وفى أحيان كثيرة كان يرفض قراءتنا لبعض الكتب لأنها لا تناسب المرحلة العمرية كانت مكتبته تضم أدبا عالميا بلغات عدة بالإضافة إلى كتب الفلسفة والمنطق وعلم النفس والتاريخ وأتذكر أنه اعترض على قراءتى لكتاب سلمان رشدى «آيات شيطانيه» الذى كان يذم فيه زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لى اقرأى شيئا مفيدا كان لدى وقتها فضول أن أتعرف على الكتاب الذى أثار حوله الجدل كان يترك لنا الحرية في اختيار الكتاب ولم يفرض علينا كتابا محددا لقراءته حتى كتبه لم يطلب منى قراءتها.

- لم يفكر نجيب محفوظ في جائزة نوبل ولم يسع إليها فكان له صديق سافر إلى السويد والتقى بأحد الصحفيين هناك الذى تنبأ أن نجيب محفوظ سيحصل على نوبل خلال عامين وبعد ذلك نشرت الصحف المصرية أكثر من مرة عن أنباء لترشح نجيب محفوظ للجائزة وبسؤاله لتوفيق الحكيم عن حقيقة الأمر قال له لاتصدق مايتردد لكن أمى كانت مؤمنة بالحصول على الجائزة وكان يرى أن ذلك حلم لها فقط حتى تلقت والدتى مكالمة أخبرتها بحصول محفوظ على الجائزة على الفور أسرعت لإيقاظه من النوم ليرد عليها «أنت بتحلمي» لكنها حاولت مرارا ان تؤكد له الخبر فقام بالاتصال بالأهرام وأكدوا له حصوله على الجائزة بالفعل ومع ذلك لم يصدق الخبر إلى أن جاء له سفير السويد وهنأه على الجائزة وبعد ذلك واصل يومه بشكل طبيعى وذهب للقاء الحرافيش في أحد المقاهى. 

- كان يكره السفر بالإضافة إلى أنه كان يعانى ضعف في السمع والبصر واقترح أن أقوم أنا وشقيقتى فاطمة أن نتسلم الجائزة بالنيابة عنه رغم القلق والخوف الشديد من مراسم الحفل والتصوير والإعلام لكنه حاول أن يساعدنا على تجاوز الموقف ويشجعنا على ذلك وبسبب رفضنا الشديد رشح سفير مصر بالسويد تسلم الجائزة لكن العرض رفض لأنه كان مطلوبا أن من يتسلم الجائزة نجيب محفوظ أو من ينوب عنه من أفراد أسرته ثم وقع الاختيار على محمد سلماوى لتسلم الجائزة ثم وجدنا أن كل من في الوسط الثقافى أو المقربين كان يرى أن من حقه تسلم الجائزة نيابة عن نجيب محفوظ حتى وصل الأمر لتطوع البعض للذهاب إلى شركة الطيران للمطالبة بتذاكر الطيران المجانية الخاصة بسفر نجيب محفوظ وقبل السفر بـ 10 أيام ادعى أحد الأشخاص السفر نيابة عن نجيب محفوظ وذهب إلى السفارة للتنسيق وعلى الفور قررت والدتى أن نسافر لتسلم الجائزة نيابة عن والدى. 

- كان سعيدا جدا خاصة أن بناته هن من مثلوه أمام نوبل وتسلم الجائزة التى كان الوسط الثقافى كله يتمناها لقيمة نجيب محفوظ حيث تسلمنا شهاده التقدير والميدالية وبعد عودتنا تم تحويل القيمة المالية لجائزة نوبل والتى بلغت 330 ألف دولار وقام والدى بتوزيع قيمة الجائزة على الأسرة ووجه نصيبه لوقف خيرى لتوزيع أرباحها للأعمال الخيرية من خلال جريدة الأهرام وأتذكر أن أول أرباح للوقف خصصت إلى فلسطين.

محفوظ والسينما.

- والدى كان له أعمال مهمة جدا حفرت في تاريخ السينما المصرية وكلاهما أثر إيجابا في تشكيل ثقافة المشاهد لكن هناك البعض هاجم أدب نجيب محفوظ في السينما عن سوء فهم مثلما حدث مع الثلاثية قالوا إنها قصة عن الراقصات رغم أنها جزء بسيط جدا من رواية وأتذكر أنه تلقى رسالة انتقدته لأنه كتب عن الراقصات لكنه كان يقابل النقد بصدر رحب كما اعتقد كثيرون أنه حصل على جائزة نوبل عن أولاد حارتنا فقط رغم أنه خلال حفل تسلم الجائزة ذكرت 6 روايات لنجيب محفوظ واعتقد والدى في ذلك الوقت أن ترجمة الثلاثية هى السبب في الحصول على الجائزة لأن باقى الأعمال كانت متوفرة بلغات أعضاء لجنة نوبل. 

تكفير أديب نوبل

- الحقيقة الهجوم على نجيب محفوظ بدأ بسبب أولاد حارتنا وقال وقتها إنها رواية رمزية وهى في الأصل سياسية وعقب نشرها واجه حملات شرسة لمهاجمة أعماله وهوجم أيضا بعد حصوله على نوبل لأنهم اعتقدوا أن سبب نوبل أولاد حارتنا فقط وبعد ظهور سلمان رشدى ونشر كتبه قال عمر عبدالرحمن إذا كنا حاسبنا نجيب محفوظ لم يجرؤ سلمان رشدى على الكتابة لذلك عادت التهديدات بالقتل مرة أخرى بعد نوبل.

- عقب حصوله على نوبل تم تعيين حراسة له بسبب التهديدات التي تلقاها اعتقادا أن الجائزة تكريم على أولاد حارتنا ثم تم سحب تلك الحراسة قبل عملية الاغتيال قبل أسبوع من الحادث كنت أحضر لسفرية وبداخلى رغبه بعدم السفر كنت قلقة جدا بدون سبب ويوم الحادث تلقت والدتى مكالمة أبلغتها بتعرض والدى لحادث اعتقدت أنها حادثة مرورية وعلى الفور توجهنا للمستشفى وفوجئنا بماحدث وخضع لعملية خطيرة لإنقاذ حياته وقتها قال إن أحد الأشخاص توجه إلى سيارته ليسلم عليه وطعنه بسلاح أبيض طعنة نافذة في الرقبة وقال أنا عرفت إنهم نفذوا تهديدهم حيث تلقى قبل الحادث تهديدات عديدة بالقتل لكنه لم يرغب في التحدث كثيرا عن الحادث واحترمنا رغبته وأتذكر أنه أثناء مشاهدة أحد الأفلام الفرنسية وصف الحادث «كأنه وحش غرس أنيابه في رقبتى» وكان ذلك إحساسه مجرد الحديث عن الحادث كان يؤلمه ويصيبه بالضيق في الحقيقة الحادث أصاب الجميع بالفزع. 

- كان والدى متسامحا جدا إلى حد أنه عندما أبلغ بعقوبة الإعدام للجناة قال أنا مسامحهم بالتأكيد كان متأثر نفسيا بشكل كبير كما تأثر في الكتابة أيضا لتأثر الذراع اليمنى كان لا يستطيع في بداية الأمر مسك القلم والكتابة وبدأ يتعلم من جديد وكان كتاب أحلام فترة النقاهة أولى كتاباته بعد الحادث في الحقيقة لم يكتبه بخط يده كان يملى على مساعدة يدعى صبرى لذلك حرصنا على حضور حفل التوقيع لنؤكد ان الكتاب من مؤلفات نجيب محفوظ. 

- مما لاشك فيه أنه قرار صائب كل شخص لديه حرية في تخطيط حياته وحرية في ظهوره على وسائل الإعلام أو غير ذلك أسرة نجيب محفوظ ليست من محبى الشهرة ورغم ذلك بعد حصوله على جائزة نوبل وجدنا كثيرا ادعوا أنهم من المقربين وحاولوا الاستفادة دون وجه حق لمصالح شخصية. 

- في الحقيقة رغم عدم رغبتنا في الظهور على وسائل الإعلام 

فإننا عندما وجدنا المنتفعين يحاولون الإساءة لنجيب محفوظ وأسرته قررنا الظهور والرد حاولنا التوضيح وتكذيب الإشاعات لكن أحد الأشخاص كان يمنعنا من نشر الرد، قيل ان بنات نجيب محفوظ ينتمون إلى داعش وهذا كلام مخز جدا ومن الظلم أن يصفونا بذلك ونحن بعيد عن الشهرة والأضواء ونحترم حياتنا الشخصية لكن نرى أن كثيرين يقتحمون هذه الخصوصية، ارتداؤنا للحجاب لايسيء لنا في شيء كما تردد أيضا أننا نتبرأ من أعمال والدى الأدبية ذلك أيضا غير حقيقى، والدى أديب عالمى يفخر به العالم أجمع كيف لى أن أتبرأ من أعماله وأنا تربيت على يديه غير صحيح أننا رفضنا طبع بعض روايات نجيب محفوظ لأننا نفخر بكل أعماله لا أستطيع تكفير أبى ولا تكفير أى شخص على الإطلاق، للأسف أواجه حملة شرسة من أحد الأشخاص وصلت لحد أنه كان يمنعنى من الرد على الاتهامات الكاذبة التى تنشر ضدى وضد الأسرة كما يروج أيضا أننا متطرفون رغم عدم معرفة مروج هذه الإشاعات بأفكارنا. 

- شقيقتى فاطمة رحمة الله عليها كانت تنوى تأليف كتاب عن حياة نجيب محفوظ خاصة بعد الإشاعات التى تنتشر ضده وهاجمته بعد وفاته في البداية كان لدينا رغبة في البعد عن الإعلام والأضواء حتى لايفهم البعض أننا نسعى للشهرة لكنى أتمنى أن تدرس أعماله للطلبة في المدارس. 

- أرى أن وجود متحف لمقتنيات نجيب محفوظ هو تقدير معنوي لحجم وقيمة والدى الأدبية والعالمية رغم تأخر ذلك كثيرا وكان بداخلى شعور كبير بالقلق على المقتنيات التى تم تسليمها قبل أحداث 25 يناير وكنت أتوقع اختفاءها بسبب حاله الفوضى التى شهدها البلد لكن بعد افتتاح المتحف سعدت جدا بحجم التقدير الذى وجدته لنجيب محفوظ كما أن كان هناك حماس شديد من قبل وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم لخروج المتحف بالشكل الذى يليق بالروائى نجيب محفوظ خاصة أنه واحد من جيل ذات طابع خاص كان رجلا بسيطا جدا له قيمة روحية وإنسانية وأدبيه وثقافية أثر بكتاباته في جيل كامل بل في المجتمع العربى أجمع وكان المتحف رسالة شكر لنجيب محفوظ. 

- بالتأكيد قدمت بعض الملاحظات خاصة أن المتحف تم تجهيزه بعيدا عن الأسرة فهناك صورة نسبت إلى والدة نجيب محفوظ وهذا غير صحيح وتم الاستعانة بتلك الصورة من كتاب محمد سلماوى الذى قال إنها صورة لجدتى ولم يتم الرجوع إلينا للتأكد من المعلومة بالإضافة إلى صورة الرخاوى مع الحرافيش رغم أنه لم يكن ضمن الحرافيش في يوم من الأيام كنت أتمنى أن أجد صورة لجمال الغيطانى أشهر تلاميذ محفوظ وكذلك هيكل أيضا للأسف منذ بداية الفكرة لإقامة المتحف كان هناك بعض الأشخاص تعمدوا تجاهل دور الأسرة في مراجعة مقتنيات المتحف.

- لم أصرح بهذا التصريح في وسائل الإعلام ومن الصعب أن أقول مثل هذه الاتهامات، تم تسليم عدد كبير من المقتنيات كيف لى أن أكتشف اختفاء أى شيء من المتحف كما أننى بعد افتتاح المتحف أهديت لهم «بالطو» ليضاف إلى مقتنيات المتحف أنا بالفعل حزينة جدا من تداول تصريحات غير صحيحة والاتهامات الموجهة لوزارة الثقافة فهم يستحقون كل الشكر والتقدير لما قدموه من اهتمام لقيمة نجيب محفوظ الجهد الذى بذل للمتحف مصرى خالص بدرجة عالية من الأمانة وكانت الدكتورة إيناس عبدالدايم تعتبر المتحف على رأس أولوياتها. 

- أنا قدمت مجموعة كبيرة من المقتنيات لكن مساحة المتحف لم تسمح بعرض كل شيء وتم الاحتفاظ بها حيث قدمت العديد من الكتب المترجمة لروايات نجيب محفوظ بلغات مختلفة كما تم تصليح البالطو استعدادا لعرضه قريبا بالإضافة إلى مخطوطات بخط يده.