البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

سد النهضة.. 16 جولة من التعنت والمراوغة الإثيوبية تنتهي بتعليق المفاوضات.. العودة إلى مجلس الأمن مجددًا «خيار أول لمصر».. وخبراء: الملء الأول خرق لاتفاق إعلان المبادئ.. وأمامنا 11 شهرًا للوصول لاتفاق

البوابة نيوز

16 جولة من المفاوضات على مدى سنوات بين مصر والسودان وإثيوبيا لتسوية خلافات سد النهضة، دون نتائج ملموسة.


وشملت المفاوضات، 10 جولات رئيسية و6 جولات تفاوضية في المسارين الفنى والقانوني، إلى جانب اجتماعات المراقبين مع وفود الدول الثلاث، خلال المفاوضات التى جرت مرة برعاية أمريكية ومشاركة البنك الدولي، ومرة برعاية الاتحاد الأفريقي، تحت سمع وبصر العالم، ولم تحرك إثيوبيا ساكنا تجاه التسوية العادلة مع دولتى المصب، بل لجأت إلى إجراءات أحادية بملء بحيرة السد في تحدٍ واضح لمختلف القوانين والأعراف الدولية. 

التعنت الإثيوبى الذى وصل إلى حد الغرور، أجبر مصر والسودان على تعليق جولة المفاوضات الأخيرة للتشاور، فقد أعلنت مصر تعليق مفاوضات سد النهضة مؤكدةً أن إثيوبيا لم تقدم أى قواعد لتشغيل السد.


وتأتى جول المفاوضات الحالية بناء على مخرجات القمة الأفريقية المصغرة، التى عُقدت 21 يوليو الماضي، فقد عُقد الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، وذلك استكمالًا للمفاوضات للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص ملء وتشغيل السد.


في البداية، قال الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومدير مركز البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة، إن إعلان مصر تعليق مفاوضاتها في أزمة سد النهضة، جاء بعدما تأكد الجانب المصرى من أن إثيوبيا أقدمت على الملء الأول للسد، دون الوصول إلى اتفاق، ودون إخطار دول المصب.

ويضيف شبانة لـ"البوابة": "إثيوبيا لم تخطر مصر والسودان بخطوة الملء، كشركاء في إدارة الأزمة، وهذا الإجراء الإثيوبى يختلف عن تأكيداتها السابقة التى أوضحت فيها أنها سوف توقع على اتفاق مع دول المصب قبل الملء الأول للسد، وجاء هذا التأكيد باتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس ٢٠١٥، وهو الاتفاق الذى تتنصل منه إثيوبيا مرارًا وتكررًا رغم تأكيدها الدائم في الوقت نفسه بأنها تحترمه وأنها تستند إليه".

ويكمل أستاذ العلاقات الدولية: "الملء الأول للسد يُمثل خرقًا لاتفاق إعلان المبادئ ويمثل نسفًا للمسار التفاوضي، كما أعقبت إثيوبيا هذا الإجراء بتصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، أكد فيها أن دولته لن توقع على اتفاق مع مصر والسودان، وأنها تكتفى بالتوقيع على قواعد استرشادية، غير مُلزمة، لملء وتشغيل السد".
وعن الإجراءات التى يُمكن أن تتخذها مصر خلال الفترة المقبلة بعد تعليق المفاوضات، أوضح أستاذ العلاقات الدولية: "العودة إلى مجلس الأمن مجددًا هو الخيار الأول، لأنه الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل في تسوية المنازعات والصراعات الدولية، وهو الجهة الوحيدة في العالم التى تملك تصنيف أى موقف على أنه يُهدد أو لا يُهدد السلم الدولي، خاصة أن الاتحاد الأفريقي عندما فوّض من جانب مجلس الأمن الدولى لم يفعل شيئًا، وبدأ تحيزه لصالح إثيوبيا، ويبدو أيضًا أن هذا الأمر قد راق لإثيوبيا، لكى يتم إخماد المفاوضات". وينوّه شبانة إلى أن الاتحاد الأفريقي لا يمتلك أكثر من الوساطة الناعمة، ولا يملك القوة الحقيقية لممارسة الضغوط على إثيوبيا، لذلك لا بد أن تعود مصر بشكوى جديدة لمجلس الأمن تستند فيها إلى خرق إثيوبيا لاتفاق إعلان المبادئ ٢٠١٥ وإلى تصريحات الخارجية الإثيوبية التى تؤكد أنهم لن يوقعوا على اتفاق مُلزم مع دول المصب. ويُشير أستاذ العلاقات الدولية إلى ضرورة أن تواصل مصر مع الحلفاء الإقليميين والدوليين من أجل إقرار مبادرة سياسية شاملة تقوم على فكرة "المياه مُقابل الطاقة"، وتكون تلك المبادرة برعاية إقليمية ودولية، فضلًا عن الاستعانة ببعض الدول العربية الصديقة، كالسعودية والإمارات والكويت، التى تملك الضغط على إثيوبيا.



بدائل مفتوحة
وفى حال استمرار إثيوبيا على التعنت، يقول شبانة: "ستكون كل البدائل القصرية مفتوحة أمام مصر، وستستخدمها مصر بشكل اضطراري، لأننا لا نريد تلك البدائل لأن الأصل بين دول الأحواض النهرية هو التعاون".
ويؤكد شبانة، أن مصر لن تسمح في أى حال بمرور سد النهضة بهذه المواصفات المجحفة دون الوصول لاتفاق حول قواعد الملء ونظام التشغيل، خاصة أن يوليو ٢٠٢١ سيكون الملء ١٣ مليون متر مكعب من المياه، وبالتالى سيكون لهذه الكمية تأثير بالغ على مصر والسودان، موضحًا: "أمامنا الآن ١١ شهرًا يمكن خلالها الوصول لاتفاق مع الجانب الإثيوبي، ومنع إثيوبيا من الملء الثانى لسد النهضة، وإلا الأضرار ستكون كارثية". 

بينما أوضح السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الوفدين المصرى والسودانى أعلنا تعليق المفاوضات مع الجانب الإثيوبى من أجل التشاور مع حكوماتهما كُل على حدة، مُضيفًا: "بناء على ما طرحه وزير الرى الإثيوبى على وزيرى الرى المصرى والسودان، اتخذ الطرفان قرارهما بتأجيل المفاوضات لحين التشاور مع الحكومات ولدراسة التطور الجديد في الموقف الإثيوبي، ثم العودة للاستئناف مجددًا".
وأوضح هريدى لـ"البوابة": "يبدو أن إثيوبيا تريد ما هو أبعد من اتفاق السد، فهى تبحث عن معاهدة لتقسيم مياه النيل، بعيدًا عن اتفاقية إعلان المبادئ في ٢٠١٥، وهو أمر يحتاج إلى دراسة وتفاصيل أكبر وأكثر عن المعايير التى تريد طرحها، وفى النهاية نحن في انتظار بلورة الموقف الإثيوبي، وأعتقد أن مجال المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان ما زال مطروحًا ورحبًا، كما أعتقد أننا في المربع الأخير من المفاوضات". 



مراوغة إثيوبيا

ويقول النائب يحيى كدواني، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، إن قرار مصر بتعليق مفاوضات سد النهضة جاء نتيجة مراوغة الجانب الإثيوبي، وسعيه الدائم لإطالة أمد المفاوضات، فضلًا عن أن إثيوبيا لم تف حتى الآن بأى خطوة يتم الاتفاق عليها، وذلك بهدف إتمام إنجاز مشروع السد وتخزين المياه نهائيًا.
ويضيف كدوانى لـ"البوابة": "إثيوبيا لا تهدف إلى إعطاء الضمانات الكافية لدولتى المصب، مصر والسودان، بشأن عملية التخزين حتى الآن، وبالتالى المراوغة الإثيوبية المستمرة تجعل المفاوضات لا جدوى لها، لذلك لا بد من إيجاد بديل آخر لإتمام المفاوضات، ومصر ما زالت مستمرة في النهج التفاوضى والقانونى في مسار المفاوضات إلى آخر النهاية حتى يشهد العالم كله أننا لا نتبع أى أسلوب عنيف في مواجهة الأزمة".
ويشير عضو لجنة الدفاع والأمن القومى إلى أن الحكومة المصرية ما زالت تتبع أسلوبًا دبلوماسيًا وقانونيًا في أزمة سد النهضة، مؤكدًا أن مصر تمتلك عدة أوراق في لعبة المراوغات الإثيوبية يمكن أن تتدرج فيها، كالتصعيد إلى محكمة العدل الدولية، لإلزام الجانب الإثيوبى بما يتم الاتفاق عليه، بما يضمن لمصر كل حقوقها المائية، وهى ٥٥.٥ مليار متر مكعب سنويًا، إضافة لأسلوب تشغيل السد وعدم إغلاق فتحات السد في فترات الجفاف.
فيما يقول العميد حمادة القسط، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، إن المفاوضات الأخيرة مع الجانب الإثيوبي، بشأن سد النهضة، كان من المفترض أن تتناول طريقة تشغيل وملء السد، إلا أن الجانب الإثيوبى كعادته أصر على تناول موضوعات أخرى، كنوع من المناورات والمراوغات التى يتبعها، لعدم الوصول لحل نهائي.
ويتابع القسط لـ"البوابة": "مجلس الأمن أعطى فرصة للاتحاد الأفريقي لحل أزمة سد النهضة، إلا أن الاتحاد لم يصل إلى نتائج، فقط مراوغات مستمرة من إثيوبيا، ولذلك في الفترة المقبلة ستعتمد مصر على مجلس الأمن لفض النزاع، كوّن قراراته مُلزمة للجميع، وفى النهاية إذا فرض علينا الدفاع عن حقوقنا المائية بالقوة سنقوم بذلك، لكن مصر ما زالت تضع الأولويات للمفاوضات، ولابد أن تعلم إثيوبيا أننا لن نفرط في نقطة مياه".