البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

تغريدات تشومسكي!


فى فضاء تويتر صادفتنى تغريدة للمفكر الأمريكى نعوم تشومسكى يتابع فيها دعمه لجوليان أسانج مؤسس «ويكيليكس» المسجون حاليا فى بريطانيا فى سياق مطالب عالمية بالإفراج عنه قبل تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية. 
كما غرد تشومسكى بمقوله لإدوارد سنودن: «لا أريد أن أعيش فى عالم حيث كل شيء أقوله، كل شيء أفعله، جميع من أتحدث إليهم، كل تعبير أو إبداع أو مشاعر حب أو صداقة مسجلة». فهو لا يزال محركا للأفكار والتساؤلات حول الحرية بالرغم من أنه ليس ابنا لجيل جيلنا الرقمي، لكنه حريص على أن يكون فاعلا فيه.
يطلق تشومسكى الاشتراكى الهوى على ويكيليكس «قوة نشر الديموقراطية» ووقع قبل أسبوعين على عريضة للمطالبة بالإفراج عن أسانج الذى يواجه عقوبة بالسجن لمده تصل لـ170 عاما، ومغردا: «يجب أن يمنح أسانج وساما، لإسهامه الجليل فى خدمة الديموقراطية». نشر أسانج أكثر من 700 ألف وثيقة عن النشاط العسكرى والدبلوماسى الأمريكى فى العراق وأفغانستان، والحق أن موقف تشومسكى اليوم لم يتغير عن موقفه فى سبعينيات القرن الماضى حينما وقع عريضة دعم لحرية التعبير تضامنا مع المفكر الفرنسى روبرت فوريسون الذى اعترض على قصة محرقة اليهود رغم أن تشومسكى يهودى وأدان النازية وتصرفاتها المشينة لكنه دائما ينحاز لحرية الرأى وكشف الحقائق، بل كانت له مواقف حاسمة ضد الهيمنة الأمريكية وكان أشدها وصفه لأمريكا «دولة إرهابية». 
اعتاد المفكر وعالم اللغويات مساءلة كل شيء من حوله وعدم الانكفاء على تلقى الأفكار وإعادة إنتاجها، بل ستجد فى مؤلفاته التى تزيد على المائة، الكثير من التساؤلات والتأملات التى تنتج أفكارا مستقلة بذاتها. 
وفضلا عن دعمه لقضايا حرية التعبير، كانت له آراء حول أزمة كورونا وتداعياتها العالمية، ينتقد تشومسكى دونالد ترامب ويلقى باللوم على النظام الرأسمالية فى تفاقم أزمة كورونا لكنه يحذر من مخاطر ما بعد كورونا، إذا ما استمر العالم منقادا وراء الرأسمالية. تشومسكى الذى عاصر الكثير من الأزمات والتقلبات العالمية يرى فى أزمة وباء كورونا فرصة لخلق عالم جديد، وإذا لم تستغل الفرصة الآن فإنها لن تأتى أبدا. يحذر تشومسكى من توجه العالم لمزيد من «التوتاليتارية» إذا ما ظلت سيطرة النيوليبراليين على مقدرات الأغلبية العظمى من الشعوب، فهو يرى أن النيوليبرالية تعنى موت الديموقراطية، ولا ينفك يحذر من هيمنة شركات التقنية والهيمنة التكنولوجية التى تنتزع حقوق الإنسان وتجعلنا خاضعين للرقابة طوال الوقت، بل أيضا يحذر من هيمنة شركات الأدوية العملاقة التى تستغل الأزمات الصحية. 
تشومسكي (91 عاما) لم يتوقف عن الكتابة ولم يكف عن المواجهة بما يراه صوابا، متحملا مسئولية المثقف فى تنوير المجتمع. 
العالم يدفع ثمن باهظ للرأسمالية الجشعة، هكذا يؤمن تشومسكى وقبل أيام وقع على عريضة «cancel culture» لمجلة هاربر الأمريكية التى وقعها 150 مفكرا وكاتبا تطالب بالكف عن الترصد والحكم المسبق ضد الآخرين وإتاحة الفرصة للرأى والرأى الآخر، بالطبع ما فجرها هو هدم التماثيل التى تمثل رموز الثقافة الأمريكية، لكن الأمر ألقى بظلاله على المزيد من الأبعاد التى تمس رأس المال الثقافى بشكل عام. 
وأتصور أنكم مثلى لاحظتم كيف أن المنجز البشرى للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى عبر إتاحة الفضاء الافتراضى لحرية التعبير يتحول ليكون مجتمع مخاطر، فهناك من يترصد بك ويراقبك فى صمت متحينا اللحظة لينقض عليك ويبلغ عن تغريداتك وأفكارك التى تخالفه! 
فى مصر أصبحنا يوميا نتابع أخبار عن حملات إلكترونية ضد فنان أو مفكر أو مشهور غرد أو نشر فكرة ما ليجد كتائب تويترية وفيسبوكية مكلفة بالرد عليه، وأحيانا نجد هجوما يشن على رمزا ثقافيا أو فكريا رحل عنا ومحاولات لتشويه كل ما قدمه وكلها سجالات افتراضية عبر 140 كلمة، فقد تحولت ساحة الحرية الافتراضية إلى ساحة معارك وسجالات تحريضية عنيفة. 
عريضة «إلغاء الثقافة» الأمريكية صرخة فى وجه القمع وخنق حرية الرأى المخالف والأهم أنها تثير التساؤلات وتحث المفكرين والباحثين حول إشكالية هدم الرموز الثقافية وإعادة كتابة التاريخ وأراها قضايا لا تخص أمريكا ولا أوروبا التى تعيش أيضا إشكالية التصالح مع جرائمها العنصرية والاستعمارية التوسعية، بل ربما تنبهنا إلى مسئولية المثقفين فى إعادة طرح القضايا الشائكة مجددا عبر سجالات فكرية جادة تتحمل الاختلاف الأيديولوجى.