البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

دير سانت كاترين.. ومتحف آيا صوفيا


تذكرت دير سانت كاترين في سيناء، وأنا أتابع الجدل الذى أحدثه الرئيس التركى أوردغان، بتحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد. 
الأسباب التى ذَكّرتنى بدير سانت كاترين هى كون الدير في سيناء، مثله مثل الكاتدرائية في إسطنبول، مسجلان في منظمة اليونسكو، كأثرين تاريخيين لديانات وحضارات متعددة، وكونهما قد تم بناؤهما في نفس الفترة الزمنية وأثناء حكم الإمبراطور الرومانى جيستنيان الأول في القرن السادس الميلادى (سنة ٥٣٧ ميلادية). وسبب ثالث مهم، وهو معرفتى من خلال زيارتى للدير، بوجود وثيقة في مكتبة دير سانت كاترين تسمى الوثيقة النبوية «نسبة إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم»، والتى منح فيها عهد أمان للمسيحيين، يؤمنهم فيها على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم وكنائسهم. هذه الوثيقة التى كانت محفوظة في الدير، قام السلطان سليم الأول بنقل النسخة الأصلية منها إلى الأستانة بعد غزو مصر سنة ١٥١٧، ولكنه ترك صورة معتمدة لرهبان الدير، ما زالت موجودة حتى اليوم.
وفى أول رد فعل لقرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، نشرت مجلة الإيكونومست يوم ١١ يوليو الجاري، تقريرا بعنوان «رئيس تركيا يلعب لعبة السياسة الدينية»، Play Religious Politics.
أو يستغل الدين لتحقيق أغراض سياسية. وللتغطية على إخفاقاته الداخلية، وأهمها فقدان حزبه «العدالة والتنمية» منصب عمدة بلدية إسطنبول، بعد إعادة إجراء انتخابات البلدية العام الماضي.
وتاريخيا، كانت كاتدرائية ومتحف آيا صوفيا من أهم المعالم السياحية في إسطنبول، وكان يزورها أكثر من ٣ ملايين سائح سنويا. فما هو تاريخ آيا صوفيا، وما هى دلائل تحويل المتحف إلى مسجد في هذا الوقت بالذات؟
تاريخيا، كانت «آيا صوفيا» كاتدرائية بيزنطية عندما كانت القسطنطينية هى عاصمة الدولة الرومانية في القرن السادس الميلادي، وظلت الكنيسة تحفة معمارية تعكس الفن المعمارى للقرون الوسطى إلى أن فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية سنة ١٤٥٣ ميلادية، وبعدها قام بشراء الكاتدرائية من ماله الخاص، وقام بتسجيلها وقفا إسلاميًا وتحويلها إلى مسجد، بعد إضافة مئذنة وقبة وزخارف إسلامية، ولكنه حافظ على التراث المعماري، والأيقونات والفسيفساء المسيحية، بعدما قام بتغطيتها بحيث لا يراها المصلون داخل المسجد، واستمر هذا الوضع من سنة ١٤٥٣ إلى سنة ١٩٣٥ «قرابة ٥٠٠ سنة» إلى أن انتهت دولة الخلافة العثمانية.
وعندما تولى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة العلمانية التركية الحديثة، اتخذ قرارا حكوميًا سنة ١٩٣٥ بتحويل المسجد إلى متحف.
وظل المتحف من أهم المعالم السياحية والتاريخية في مدينة إسطنبول، وشاهدا على تسلسل الأحداث في العصور الوسطي.
إن تحويل المسجد إلى متحف على يد مصطفى كمال أتاتورك، كان إعلانًا بنهاية دولة الخلافة العثمانية وبداية تركيا العلمانية والتوجه نحو أوروبا، وفصل العلاقة بين الدين والدولة. أما إعادة تحويل المتحف إلى مسجد مرة أخري، على يد الرئيس رجب طيب أردوغان، فيعنى من وجهة نظر الكثيرين استغلالًا دينيًا، ويعنى أيضا محاولة أردوغان إعادة أمجاد الماضي، وتقديم نفسه كخليفة إسلامى من خلال التودد إلى التيارات الإسلامية المتشددة، بعدما فشلت كل محاولاته للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وبصرف النظر عن الانتهازية أو البراجماتية السياسية، تبقى القيمة الدينية والفنية الزخرفية والتاريخية لكل من دير سانت كاترين في سيناء وكاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول. فدير سانت كاترين مزار دينى فريد لليهود والمسيحيين والمسلمين، بالنسبة لليهود، يحتوى الدير على جبل الطور والوادى المقدس والشجرة التى أضاءت لسيدنا موسى عليه السلام. كما يحتوى الدير على هياكل متعددة، أهمها كنيسة تجلى السيد المسيح، والتى تضم تسع كنائس، إحداها الكنيسة المحترقة التى كَلَم الله سبحانه وتعالى النبى موسى عندها. 
وكذلك يحتوى الدير على مسجد صغير بناه الحاكم بأمر الله الفاطمى من القرن الثانى عشر الميلادي. ويحسب للمصريين أنهم قد احتفظوا بكل آثار وكنوز تاريخهم الطويل، دون تدمير أو تغيير، عكس الكثير من دول العالم الأخري.
أعتقد أن الحفاظ على موروثات الديانة اليهودية، وبقاء الكنيسة الأرثوذكسية في دير سانت كاترين، والحفاظ على الرهبان اليونانيين، وبقاء تبعيتهم لكنيسة القدس، لهو خير دليل على سماحة وعظمة وقوة مصر الناعمة. ومن هذا المنطلق، أدعو إلى تنمية وتحديث الدير، وزيادة الترويج السياحى والاهتمام الإعلامى به. فهو بحق أثر دينى وتاريخى وثقافى، وموقع جغرافى فريد تتطلع إليه قلوب وعقول البشر من كل الديانات والأقطار.