البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

المشروع التركي والإيراني بين التطابق والانسجام


المنطقة العربية وقعت أسيرة بين مشروعين كبيرين جاءا من التاريخ، أحدهما المشروع التركي بكل تناقضات خلفائه، والآخر المشروع الإيراني الصفوي بشراسة زعمائه، كما حكى التاريخ قبل خمسمائة عام، والانسجام التاريخي بين المشروعين بعيدًا عن زوايا الاتفاق بين كل منهما وهي كثيرة.
لا شك أن المشروعين أخذا من الدين شعارًا لهما، فها هي تركيا التي تتزعم مشروع الأجداد ممثلًا في الدولة العثمانية تسعى لإعادة مشروعها والذي أعلن سقوطه آخر حكام تركيا مصطفى كمال أتاتورك في العام 1924 أي قبل مائة عام عبر احتلال تركي لأراضي عربية مثل ليبيا وأجزاء من سوريا والعراق، حتى يعود رجب طيب أردوغان أو الحركة الإسلامية في تركيا إلى مغازلة العالم بالتاريخ القديم تارة وبالدين تارة أخرى، معتبرًا أن عودة الخلافة "الإسلامية" أو العثمانية هي فرض الدين الغائب.
تركيا باختصار شديد تعتبر الدول المذكورة أمانة عثمانية عادت لتحافظ عليها إما باحتلالها بشكل مباشر عبر قوات عسكرية أو من خلال عمليات عسكرية تمهد لنفس الشيء عبر سياسة النفس الطويل الذي تتمتع به تركيا في رحلة استرجاع هذه الإمبراطورية.
الأمر لم يختلف كثيرًا بخصوص إيران التي كانت تمثلها الإمبراطورية الصفوية قبل خمسة قرون وانتهت بتفتتها، ولم يبق غير إيران وحلم عودة هذه الإمبراطورية من جديد لدى أتباعها وهو ما ورثوه من أجدادهم ويسعون لاستعادته.
الانسجام بين المشروعين التركي والإيراني لم يكن أسير الماضي فقط، بل له وجه آخر بأن كل منهما يريد إعادة السيطرة من جديد عبر فرض الإيرادات واحتلال المساحة الأكبر من العقل العربي، فكل منهما يدرك أن الاحتلال العسكري أمر يبدو صعبًا ومستحيلًا، وإن كان قد حدث بالفعل، في ظل وجود مجتمع دولي لا يقبل بالاعتداءات الخارجية، ولكنه قد يغض الطرف عنها كما في الحالتين التركية والإيرانية.
وهنا بدا الغزو الفكري بأبهى صورة من خلال الدراما، على سبيل المثال، بالنسبة للأتراك، وتصدير الثورة "الإسلامية" بالنسبة لإيران، وهنا يبدو عامل الدين عاملًا مشتركًا، والحقيقة أن كلا المشروعين سياسي بامتياز ولا علاقة للدين به.
استغل الأتراك والإيرانيون احتياج الشعوب العربية للإسلام، فمثلوا الارتباط بهذا الدين عبر عودة خلافة إسلامية تتخذ من الدين شعارًا لها، والأخرى قامت بتصدير الثورة الإسلامية إلى غيرها من البلدان، وهنا تتجلى الإرادة في احتلال العقل تمهيدًا لما يراه أصحاب الإمبراطوريات الزائلة بأنه عودة لسيطرتها على أراضٍ كانت تقع تحت سلطتها وسلطانها.
على كل الأحوال المشروعان التركي والإيراني يسعيان لاحتلال العقل العربي باسم الدين، وهو ما يختلف عن تنظيمات العنف والتطرف، فهذان المشروعان هدفهما تغيير سياسي اتخذ من الدين والتاريخ مطية له، بخلاف الجماعات المتطرفة، التي تسعى للتغيير من أجل إقامة دولة دينية وإن بدا ثمة اتفاق في الوسائل والأهداف، وهنا يمكن القول، إن هاتين الدولتين ليسا لديهما أي مشكلة في استخدام واستثمار هذه الجماعات في مشروعها السياسي.
حالة الانسجام بين المشروعين لم تحكمهما المصلحة فقط وإنما ذهبا إلى حد تطابق الأهداف، ولعل هذا يجيب عن السؤال وراء التحالف الاستراتيجي بين النظامين السياسيين في تركيا وإيران، الحاصل الآن، هذا التطابق لم يأت من فراغ، ولا يمكن وصفه بتطابق المصلحة وفقط وإنما تطابق يرقى لوجود أهداف مشتركة بين المشروعين.
منطقتنا العربية وقعت أسيرة بين هذين المشروعين، مطرقة المشروع التركي وسندان المشروع الفارسي، والغريب أن المشروع الأول مشروع سني بامتياز والثاني مشروع شيعي بامتياز، والأغرب أن تركيا تعتبر نفسها ممثلة الكتلة السنية في العالم وإيران بطبيعة الحال تعتبر نفسها ممثلة الكتلة الشيعية في العالم، غير أن المشروعين التقيا في نقطة واحدة رغم الاختلاف بينهما، ونقطة الالتقاء هنا سياسية بامتياز كما أشرنا في تطابق المشروعين.
كلٌ منهما يُريد أن يُعيد أمجاد أجداده، يريد عودة التكوين السياسي للإمبراطوريات الزائلة، فيستخدم الدين في سبيل ذلك ولا مانع من استخدام التاريخ طالما كان ذلك لصالحه، وهو ما يجب الانتباه إليه والعمل على مواجهته وفق فهم دقيق لكل منهما، فخطورة هذين المشروعين أنهما قائمان على احتلال العقل العربي واحتلال أراضيه بدعوى أنها أراضٍ عثمانية قديمة وفق المفهوم التركي أو أنها أراضٍ فارسية وفق المفهوم الإيراني.. وللحديث بقية.