البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مختارات الحظر 2| "مصارع العشاق"


الحب أوله لعب وآخره عطب.. وذنوب المتيمين اضطرار لا اختيار ليلى العامرية تروى مأساتها مع قيس.. وحب بثينة يصرف جميل عن البنات العذريات جارية "زلزل" تضرب المثل في الوفاء أمام الرشيد.. وعبد الله بن جعفر يضحى بحبه لإسعاد معشوقته.
كان شاعرا كبيرا، وأحد المحدثين الذى أخذ عنهم كثيرون، ولد في أوائل القرن الخامس الهجرى ببغداد وتوفى بها ويعتبر كتابه (مصارع العشاق) واحدا من درر التراث العربي.. إنه جعفر بن أحمد بن الحسين السراج، وكنيته أبو محمد، ولقبه القارئ. 
ورواياته في كتابه الماتع هى خليط من جاهلى وإسلامى وأموى وعباسي. كما تسيطر على الكتاب الروح الصوفية كما أن الحكايات الواردة بالكتاب تعد دلالة واضحة على روح ذلك العصر الذى عاش فيه المؤلف. ودلالة أيضا على أن مادة الحب كانت مثار اهتمام الكتاب والمؤلفين والقراء عموما إذ لم يكن (مصارع العشاق) هو الأول من نوعه بل سبقه مؤلفات عديدة تناولت الموضوع نفسه.
وهنا يطيب لى أن أقدم للقارئ مختارات من كتاب مصارع العشاق علها تكون للقلوب دروب تسير عليها في تلك الأيام العسيرة.
العشق داء أهل الظرف
أخبرنا أبو طاهر محمد بن على العلاف بقراءتى عليه، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي، قال: حدثنا جعفر بن محمد الخالدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، قال: حدثنى على بن عبد الله القمي، قال: قال لى عبد الله بن جعفر المديني: قلت لأبى زهير المديني: ما العشق؟ قال: الجنون والذل، وهو داء أهل الظُرف.
العشق أوله لعب وآخره عطب
أنبأنا أبو بكر أحمد بن على الحافظ إن لم يكن حدثنا قال: أخبرنى أبو الحسن على بن أيوب القمى الكاتب بقراءتى عليه، قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران، قال: أخبرنى المظفر بن يحيى قال: قال بعض الفلاسفة: لم أر حقا أشبه بباطل ولا باطلا أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب.
ذنوب اضطرار
أخبرنا أبو بكر أحمد بنعلى الحافظ بالشام قال: حدثنا رضوان بن عمر الدينوري، قال: سمعت معروف بن محمد بن معروف الصوفى بالرى يقول: سمعت أبا بكر الصينى يقول: سمعت إبراهيم بن الفضل يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لو كان إلى من الأمر شيء ما عذبت العشاق، لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار.
ليلى العامرية ومجنونها
أخبرنا أبو محمد الحسن بن على الجوهرى قراءة عليه، قال: أخبرنا عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قراءة عليه، قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنى قاسم بن الحسن، عن العمري، قال: قال الهيثم بن عدي: حدثنا عثمان بن عمارة عن أشياخهم من بنى مرة، قال: رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلى تيما والشراة في طلب بُغية له فإذا هو بخيمة قد رفعت له، وقد أصابه مطر، فعدل إليها فتنحنح، فإذاامرأة قد كلمته، فقالت له: انزل، فنزل، وراحت إبلهم وغنمهم، فإذا أمر عظيم وإذا رُعاء كثير، فقالت لبعض العبيد: سلوا هذا الرجل من أين أقبل؟ فقلت من ناحية اليمامة ونجد. فقالت: أى بلاد نجد وطئت؟ قلت: كلها. قالت: بنى الحُريش. فاستعبرت، ثم قالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس ويلقب بالمجنون؟ فقلت: إى والله، ونزلت بأبيه، وأتيته حتى نظرت إليه يهيم في تلك الفيافي، ويكون مع الوحش، لا يعقل ولا يفهم، إلا أن تُذكر له ليلى فيبكي، ويُنشد أشعارا يقولها فيها.
قال: فرفعت الستر بينى وبينها، فإذا شِقة قمر لم تر عينى مثلها فبكت وانتحبت حتى ظننت والله أن قلبها قد انصدع، فقلت لها: أيتها المرأة! اتقى الله، فوالله ما قلت بأسًا. فمكثت طويلا على تلك الحال من البُكا والنحيب، ثم قالت:
ألا ليت شعرى والخطوب كثيرة/ متى رحل قيس مستقل فراجع/ بنفسى من لا يستقل برحله/ ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع.
ثم بكت حتى غُشى عليها. فلما أفاقت قلتُ: من أنتِ بالله؟ قالت: أنا ليلى المشئومة عليه، غير المساعدة له، فما رأيت مثل حزنها ووجدها، فمضيت وتركتها.
الرشيد وجارية زلزل
أخبرنا أبو محمد الحسن بن على الجوهرى قراءة عليه، قال حدثنا أبو عمر بن حيويه الخزاز قال: حدثنا محمد بم خلف، قال: أخبرنى أبو العباس المروزي، قال: حدثنى المفضل، قال حدثنى إسحاق بن إبراهيم الموصلى عن أبيه، قال: قال لى زلزل، وكان اسمه منصورا: عندى جارية من حالها ومن صفتها، قد علمتها الغناء. فكنت أشتهى أن أراها فأستحى أن أسأله، فلما توفى زلزل بلغنى أن ورثته يعرضون الجارية، فصرت إليهم فأخرجوها، فإذا جارية كاد الغزال أن يكونها لولا ما تم منها ونقص منه. قال: قلت لها: غنى صوتا! فجيء بالعود فوضع في حجرها، فاندفعت تغنى وتقول وعيناها تذرفان:
أقفر من أوتاره العود/ فالعود للإفقار معمود/ وأوحش المزمار من صوته/ فما له بعدك تغريد/ من للمزامير وسُماعها/ وعامر اللذات مفقود/ والخمر تبكي/ في أباريقها/ والقينة الخمصانة الرود.
ثم شهقت شهقة ظننت أن نفسها ق خرجت، فركبت من ساعتى فدخلت على أمير المؤمنين فأخبرته بخبر الجارية وما سمعت منها، فأمر بإحضارها فلما دخلت عليه قال لها غني: غنى الصوت الذى غنيت به إبراهيم! فغنت وجعلت تريد البكا فيمنعها إجلال أمير المؤمنين، فرحمها وأعجب بها، فقا: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا سيدي، أما إذا خيرتنى فقد وجب نُصحك على، والله لا يشترينى أحد بعد زلزل فينتفع بي. فقال: يا إبراهيم! أتعلم بالعراق جارية جمعت ما جمعت هذه؟ إن وجدت فاشترها بشطر مالي! فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين، ولا على وجه الأرض. فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقا.
عبد الله بن جعفر وجاريته
وجدت بخط أحمد بن محمد بن على الأنبوسي، ونقلته من أصله، قال حدثنا أبو محمد على بن عبد الهه بن المغيرة، فقال: حدثنى جدي، قال: حدثنى عمي، قال حدثنى على بن أبى مريم، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنى بكر بن إسحاق النجلي، قال: حدثنا أبو سهل محمد بن عمر الأنصارى عن محمد بن سيرين، قال: نظر عبد الله بن جعفر إلى جارية له كان يحبها حبا شديدا وهى تلاحظ مولاه، فسألها: بالله هل تحبين فلانا؟ فقالت: أعيذك بالله يا سيدي! قال فسألها: بالله لا تكتمينى ذلك! فسكتت فأعتقها ودعاه فزوجها إياه. قال: ثم غن نفسه تتبعها، فدعا مولاه، فقال: أتنزل عنها ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا والله، ولا مائة ألف درهم. قال: بارك الله لك فيها! قال: فأعرض عناه. قال: فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات مولاه وتزوجها ابن جعفر بعد ذلك.
قال ابن حسين: فذكرت هذا الحديث لأبى ياسين الرقي، فحدثنى عن بعض أصحابه أن عبد الله بن جعفر لما دخلت عليه أنسأ يقول:
رضيت بحكم الله في كل أمره/ وسلمتُ أمر الله في كما مضى/ بلانى وأبلانى بحب دنية/ وصبرنى حتى امحى الحب فانقضى/ لعمري! ما حُبى بحب ملالة/ ولا كان ودى زائلا فتنفضا/ ولكن حبى معه ذل يزينه/ ويعرض أحيانا إذا الحب أعرضا.
الحب للحبيب الأول
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن على بن الفضل الأزجي، قال: أخبرنا أبو الحسن على بن عبدالله الهمذانى بمكة في المسجد الحرام، قال: حدثنا محمد بن على بن المأمون، قال حدثنا أبو محمد الرقاقي، قال: خرج أبو حمزة يُشيع بعض الغزاة، وكان راكبا، فسمع قائلا يقول: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول. فسقط حتى خشينا عليه.
آه من البين
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستانى بمكة في المسجد الحرام سنة ست وأربعين وأربعمائة على باب الندوة بقراءتى عليه، قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: سمعت أبا على الحسن بن أحمد بن على الزنجانى الصوفى بأسفرايين يقول: سمعت عبد العزيز بن سعيد المنجورى يقول: سمعت سهلان القاضى يقول: بينا أنا مار في طرقات جبل شورى، وقد مرت على قافلة عظيمة، إذا نحن بشاب على الطريق ذاهب العقل مدهوش عريان، وبين يديه خلقان ممزقات، فقال لي: أين رأيت القافلة؟ قلت: في موضع كذا. قال: آه من البين! آه من البين! آه من دواعى الحين! فقلت: وما دهاك؟ فقال: شيعتهم من حيث لم يعلموا/ ورحت والقلب بهم مغرم/ سألتهم تسليمة منهم/ على إذ بانوا، فما سلموا/ ساروا ولم يرثو لمستهتر/ ولم يبالوا قلب من تيموا/ واستحسنوا ظلمى فمن أجلهم/ أحب قلبى كل من يظلم.
جميل والبنات العذريات
أخبرنا أبو محمد الحسن بن على قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: أخبرنى أبو بكر، قال: أخبرنا المدايني، قال: قال هشام بن محمد: سمعت رجلا من بنى عذرة يحدث، قال: لما علق جميل بثينة، وجعل ينسب بها، استعدى عليه أهلها ربعى بن دجاجة، وهو يومئذ أمير تيماء، فقال: فخرج جميل هاربا حتى انتهى إلى رجل من عذرة بأقصى بلادهم، وكان سيدا فاستجار به، وكان للرجل سبع بنات، فلما رأى جميلا رغب فيه وأراد أن يزوجه ليسلو عن بثينة فقال لبناته: البسن أحسن ثيابكن وتحلين بأحسن حليكن وتعرضن له، فلعل عينه أن تقع على إحداكن فأزوجه.
قال: وكان جميل إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب، فإذا أقبل رفعن جانب الخباء، فإذا رآهن صرف وجهه. قال: ففعلن ذلك مرارا، فعرف جميل ما أراد به الشيخ، فأنشأ يقول:
حلفت لكيما تعلمينى صادقا/ وللصدق خير في الأمور وأنجح/ لتكليم ويم واحد من بثينة/ ورؤيتها عندى ألذ وأملح/ من الدهر لو أخلو بكن/ وإنما أعالج قلبا طامحا حيث يطمح.
فقال الشيخ: أرخين عليكن الخباء، فوالله لا يفلح هذا أبدا.