البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الأمن القومي المصري يبدأ من ليبيا


ليبيا هي مفتاح الاستقرار في مصر، ولا يمكن تحقيق الاستقرار دون أن يتحقق وتشعر به الجارة العزيزة ليبيا، وهو ما يستلزم مواجهة الغزو التركي بكل ما نملك وبكافة الوسائل السياسية والدبلوماسية حتى لو استلزم الأمر التدخل العسكري وفق ما تقتضيه الضرورة والقانون الدولي.
لا أحد يختلف على أن ما يجري في ليبيا بمثابة تدشين لإمارة إسلامية جديدة، وأن هذه المحاولة جاءت بعد سقوط دولة داعش في 22 مارس من العام 2019، وهو ما دفع من يحتضنون مشروع الإسلام السياسي بالمنطقة في البحث عن بديل، ويبدو أن البديل رسمه هؤلاء على حدود القارة السمراء وتحديدًا في ليبيا.
الأطماع التركية لا يمكن أن نختذلها في الجزء الاقتصادي وإن حمل غزوها ملامح الحصول على ثروات حوض المتوسط والتي تقدر بقرابة 1200 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهي الدولة المصنفة التاسعة بين دول العام في استيراد الغاز، واحتياج تركيا من البترول لا يقل عن الغاز، خاصة أن منطقة المتوسط حسب دراسة نشرت في العام 2010 قالت إن بها مليارين برميل من البترول، وهو ما أجبر العثمانين للبحث عن الثروات في القاع الغني.
ورغم ما يُغري تركيا من هذه الثروات إلا أن أطماعها العسكرية وطموحها في التوسع والانتشار وعودة امبراطوريتها البائدة هدف استراتيجي، ولعلها وجدت هذا الهدف على جنبات هذه الدولة التي سقط النظام السياسي فيها في العام 2011 وما زال الصراع السياسي والعسكري دائرًا فيها حتى هذه اللحظة، وهي الدولة الأكبر في المساحة الجغرافية ومترامية الحدود، وهو ما يضعف فكرة الأمن والسيطرة على الحدود مع عدم وجود استقرار سياسي.
ليبيا مترامية الحدود حيث تقدر بـــــ 4200 كيلومتر في الصحراء كحدود برية، بينما تتمتع بحدود ساحلية تقدر بألفي كيلومتر على المتوسط، كل هذه الحدود دفعت تركيا لإدخال عشرات الأطنان من الأسلحة عبر الحدود البحرية التي تصل من مدينة سرت حتى تركيا، بينما الحدود المترامية في الصحراء سمحت للمتطرفين وللميليشيات المسلحة باستخدام هذه الأسلحة في تنفيذ عمليات مسلحة في العمق المصري.
وقد شهدت مصر عددا من العمليات العسكرية من خلال تمركز هؤلاء المتطرفين في مدينة درنة المحررة، حيث كانت هذه التنظيمات تتحرك من الداخل الليبي وعبر الحدود إلى داخل الصحراء الغربية، ومنها ينتقلون إلى أقصى بقعة في مصر وهي منطقة الصحراء الشرقية، وبالتالي كان يتم دعم تنظيمات العنف والتطرف في الجزء الشمالي من سيناء حيث التنظيمات الأكثر عنفًا "داعش وأخواتها".
على كل الأحوال، لا يمكن أن نغفل المشهد في ليبيا ونحن نواجه الإرهاب والتطرف في مصر في ظل مقاربات أمنية أتت بنتائج مبهرة، فمصر كانت وما زالت تواجه الإرهاب داخل وخارج حدودها، إيمانًا منها بأن خطر الإرهاب سوف يطال لهيبه كل منطقة آمنة، وبالتالي لا بد أن تتسع دائرة المواجهة بشكل كبير وألا يقتصر دورها على تنظيمات متطرفة في الداخل المصري لسبب بسيط أن أغلب هذه التنظيمات عابرة للحدود والقارات، وبالتالي يستلزم مواجهتها مواجهة رأس هذه التنظيمات ومموليهم في الخارج.
وجود التنظيمات المتطرفة في ليبيا واضطراب الأوضاع السياسية يُهدد الأمن في مصر، وربما خطورة هذه التنظيمات لا تقل عن خطورة غيرها إذا وجدت في أحد أحياء القاهرة (جاردن سيتي والزمالك)، ومن هنا تبدو أهمية مواجهة تنظيمات العنف والتطرف في ليبيا ومواجهة الدور التركي المشبوه والغازي للأراضي الليبية.
المجتمع الدولي يقف صامتًا أمام التدخل التركي في ليبيا، رغم أنه يعلم أن هدف تركيا الاستراتيجي هو دعم مشروع الإسلام السياسي، فأوروبا والناتو بمشاركة المجتمع الذين أسقطوا معمر القذافي بالقوة العسكرية يتحملون جزءا من المشهد في ليبيا، هم من يدعمون احتلا تركيا لليبيا حتى نستيقظ على دولة لداعش على الحدود بديلة لدولته التي سقطت في الرقة والموصل قبل أكثر من عام.
تحقيق الأمن القومي المصري يبدأ من حدود الجارة في ليبيا، ولا أعتقد أن مصر سوف تفرط في أمنها ولن تسمح لحكومة الوفاق المتحالفة مع الحركات الميليشياوية بتهديد هذه الأمن، وهنا سوف تستخدم مصر القوة الغاشمة في رد أي عدوان يُهدد أمنها وسوف تحافظ على سلامة أراضيها من أي تهديدات حتى ولو استلزم ذلك مواجهة مباشرة مع الضابط السلجوكي، فأمن مصر خط أحمر، وعلى مصر أن تعامل المعارضة التركية بصورة مختلفة حتى تكون بمثابة خنجر في ظهر الدولة التي ما زالت تُصدر الإرهاب إلى العالم، سواء بدعم التنظيمات المتطرفة الموجودة في ليبيا أو غزوها لهذه الدولة أو من خلال دعم هذه التنظيمات وأمراء الحرب الذين يقيمون على أراضيها.