البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الأصولية الإسلامية والتجديد


لقد تحدثنا في المقالات السابقة عن أهم ملامح البنية المنهجية لمشروع الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، وبينا مصادر أفكاره والسمات العامة لأسلوبه ومنهجه ونهجه في تناول المصطلحات واجتهاداته في التأليف بين المتقابلات من المفاهيم كما وضحنا ضربه في الرد على ادعاءات غلاة المستشرقين، اما في هذا المقال فسوف نكشف عن احد أعمدة منهجه في التجديد المتمثل في تعويله في الاجتهاد وتفسير النصوص( القرآن والسنة ) واستنباطه الأحكام الفقهية على علم المقاصد الشرعية، فهي عنده آلية التجديد التي لا غنى عنها لنقد وتقويم الفكر الموروث من جهة، والمصباح المنير الذي يمكن المجددين من الاستدلال على سبل تحديث الفكر الإسلامي وتجديد العلوم الأصولية من جهة أخرى. 
فقد تناول الشيخ "عبد المتعال الصعيدي" بقلمه النقدي الموضوعات التي أثيِرَت من قبله حول مفهوم التجديد ومعوقاته وسمات المجددين.
فذهب إلى أن التجديد في الإسلام له ثوابت تليدة مستمدة من القرآن والسنة النبوية، ومن ثم فهو بريء من التعصب والجمود والرجعية والاستبداد، وغير ذلك من التهم التي الصقها به غلاة المستشرقين وأذنابهم، بل إن الأصول الإسلامية مرادفة للحركة والنهوض والمدنية والتسامح العقدّي وحرية الفكر، ويقول "الحمد لله الذي له كل يوم شأن، وسن بهذا سنة التجديد في خلقه، ووضع أصل الترقي في هذا العالم ليسير في طريق التجديد خطوة بعد خطوة، ومن أكمل إلى أكمل منه، دلالة على عظيم قدرته، وإنها لا تقف في الكمال عند حد محدود، ولا تنتهي فيه عند نهاية من النهايات، والصلاة والسلام على محمد خاتم المجددين من الأنبياء والرسل، وقدوة المجددين لخلفائه من بعده من أتباعه وأتباعهم، إذ بُعثَ لتجديد الشرائع بعد ما أصابها من البلى ولفتح باب الترقي فيها بترقي البشرية، فوضع أصول التجديد في شريعته وفتح طريقه لكل من يحاول بعده، وجعل من أتباعه مجددين يُبَعثًون في كل جيل، يجتهدون على نحو ما أتُي به من التجديد في الشرائع، ويسيرون على وفق ما وضعه في ذلك من الأصول." ويتضح من الكلمات السابقة أن شيخنا الجليل يستمد بذور التجديد من الأصول الإسلامية الثابتة التي دعت للاجتهاد في أمور الدين والدنيا، ووصفت العلماء بأنهم أكثر خلائق الله خشية، موضحًا أن أمور السياسة وليس الشرع هي التي أدانت المجددين من الفلاسفة والعلماء والمصلحين، ولذا درج شيخنا العديد من الفلاسفة والمفكرين المصلحين وبعض من أتُهمُوا بالتجديف ضمن قائمة المجددين في الإسلام، ولا يؤخذ عليه هذا الموقف لأنه عُني بتبريره فهو لا يرى غضاضة في أن نتعلم من المخالفين قبل الموافقين في الملة أو الرأي "عدو عاقل، خير من صديق جاهل."، "مالا يقتلني يزيدني قوة." مستندًا في موقفه هذا بما فعله الرسول(صلي الله عليه وسلم) إذ جعل فدية الأسير الكافر في غزوة بدر تعليم عشرة فتيان مسلمين ( الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها) 
ويقول "وقد ذكرت فيما سبق أساس التجديد، فمن تحقق فيه فهو مجدد سواء كان سنيًا أم شيعيًا أم غيرهما من الفرق الإسلامية، ولا شك أن خلاف ذلك أثر من آثار التعصب الممقوت بين الفرق الإسلامية، وأنه يجب القضاء عليه الأن لتعود للمسلمين وحدتهم وألفتهم، على أنه لا محل لهذا التعصب في باب التجديد والمجددين، لأن فكرة التجديد أسمى من أن ينظر فيها إلى ذلك وأكبر من أن يكون للتعصب أدنى أثر فيها، لأن المجدد يجب أن يتعالى على ذلك التعصب الممقوت فلا يصح أن يكون لمذهبه في الدين أثر في غايته من التجديد ولا فيما يرمي إليه من النهوض بالمسلمين، بل يجب أن ينظر في دعوته إلى المسلمين جميعًا، ويقصد أن ينهض بهم جميعًا، وأن يجدد فيهم جميعًا ليجمع بينهم على غايته من التجديد، ويجعل كلمتهم واحدة فيما يقصده من النهوض." ويعني ذلك ان هدفه من غربلة الآراء المطروحة من كل صوب ودرب هو البحث عن أفضل الدروب لحل مشكلات الواقع من جهة وتحقيق المقصد الشرعي من جهة أخرى.
وقد أجاب بذلك عن أحد الأسئلة المطروحة حيال قضايا التجديد ألا وهو: هل يحصر المجددون في دائرة الإسلام دون غيرها (أمة الإجابة أم أمة الدعوة؟) وقد جوّز الثانية مستندًا على عالمية الإسلام، وقد خالف بذلك سابقيه من الذين أرخوّا لحركة التجديد في الإسلام، الذين تناولوا المجددين في دائرة المجتمع الإسلامي دون غيرهم، غير آخذين بالمتغيرات الحضارية التي كانت تدور من حولهم في الأمم الأخرى، ويقول "إن المراد من الأمة فيه -الحديث الشريف- أمة الإجابة وهم المسلمون ويجَوز أن يُرَاد أمة الدعوة، وإرادة هذا ظاهرة على الأساس الذي قدمته في فهم التجديد في الإسلام، لأنه كما سبق يٌرَاد منه النهوض الديني والمدني، وهو يتعدى من المسلمين إلى من يعاصرهم كما حصل في قيام النهضة الأوروبية بتأثير النهضة الإسلامية." 
وتبدو ملامح الطرافة عند "عبد المتعال الصعيدي" ليس في درجِه الفلاسفة ضمن المجددين في الإسلام فحسب، بل تخطت ذلك إلى عنايته بدراسة تطور الفكر الإنساني من علم وسياسة وفلسفة أثناء حديثه عن المجددين المسلمين عبر القرون المتتابعة، متسقًا في ذلك مع المقدمات التي وضعها في مفهوم التجديد. فالأصولي عنده هو المستحكم والجاد والراسخ، والأصيل من الرجال هو المتمكن، والأصالة في الفكر جودته، وفي الأسلوب ابتكاره، والأصولي هو الذي يقف على مبادئ العلوم وقواعدها. أضف إلى ذلك الدلالات الإجرائية للأصول الإسلامية المستنبطة من القرآن وصحيح السنة، تلك التي أثبتها الشيخ الإمام "محمد عبده" وتلاميذه، فجميعها يبرهن على أنه ليس هناك أدنى تعارض بينها وبين الدعوة للتجديد ( أي الأخذ في المتغيرات بنظم الأغيار وعلومهم وحلولهم للكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية شريطة عدم تعارضها مع قطعي الثبوت وقطعي الدلالة من الأصول الشرعية).
وللحديث بقية..