البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

العالم وخطة ترامب


في ذروة نظام الفصل العنصرى في جنوب أفريقيا، أنشأت حكومة الأقلية البيضاء، هناك ما عرف باسم «البانتوستانات» ليعيش فيها ذوو البشرة السوداء بعيدًا عن المدن التى كانت تأمل الحكومة في الحفاظ عليها «بيضاء». وكان ذلك تتويجًا للاضطهاد العنصرى «الآبارتايد». لكن الحكومة البيضاء فشلت وانتصر السكان الأصليون. واليوم، ها هى ذات السياسة تتكرر في فلسطين، حيث يتم منح إسرائيل الضوء الأخضر لتطبيق نظام الفصل العنصري.
يسود العالمَ المتحضرَ قلق عميق عبّرت عنه دول ومؤسسات وقيادات عالمية محذرة من خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأخيرة. وقد وقّع خمسون وزير خارجية ومسئولًا ساميًا أوروبيًا على رسالة عبروا فيها عن «قلقهم الشديد من الخطة باعتبارها تخلق دولة تمييز عنصري». وجاء في الرسالة: «الخطة تناقض المعايير الدولية للعملية السلمية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وتسمح بضم مناطق واسعة من الأراضى الفلسطينية المحتلة وتشرعن وتشجع النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية. كما تعترف بزعم طرف واحد في القدس ولا تقدم حلًا لمسألة اللاجئين الفلسطينيين. وتقترح (دولة) فلسطينية على منطقة متشرذمة بدون سيطرة أو سيادة. وتظهر الخريطة التى استخدمت في الخطة جيوبًا فلسطينية خاضعة لسيطرة إسرائيلية دائمة تذكر بالبانتوستانات في جنوب أفريقيا».
مرشحان للرئاسة الأمريكية عارضا «الخطة»، واعتبراها «أمرًا مزيفًا وغير مقبول وغير واقعي»، حيث أدان المرشح «الديمقراطي» بيرنى ساندرز (يهودي) الخطة داعيًا إلى «إنهاء الاحتلال الإسرائيلى المستمر للأراضى الفلسطينية منذ عام 1967»، مؤكدًا أن «الخطة ستزيد من حدة الصراع لأنه يجب أن يحصل الفلسطينيون على حقهم في تقرير مصيرهم لإقامة دولة مستقلة وديمقراطية». كما عارضتها المتسابقة داخل الحزب ذاته، اليزابيث وارن، وقالت: «الخطة إقرار للضم، ولا تقدم أى فرصة لدولة فلسطينية حقيقية. إطلاق خطة دون التفاوض مع الفلسطينيين ليس دبلوماسية، إنه أمر مزيف».
كذلك جاء موقف العديد من الكنائس، حيث أوضح «مجلس الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة» أنها «لا تعطى الفلسطينيين لا كرامة ولا حقوقًا. وهى مبادرة أحادية الجانب، تؤيد جميع مطالب الجانب الإسرائيلى وحده، وبرنامجه السياسي، ولا تأخذ بالاعتبار المطالب المحقة للشعب الفلسطينى في وطنه وحقوقه وحياته الكريمة، وستتسبب بمزيد من العنف وإراقة الدماء».
كما أعربت الكنيسة الأرثوذكسية الإنطاكية عن رفضها للخطة، معتبرة أن «القضية الفلسطينية قضية شعب تنتهك حقوقه يوميًا ويتعرض لأبشع أنواع التمييز العرقى من قبل سلطة محتلة». وحذّر البابا فرانسيس من الحلول «غير العادلة» الهادفة لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن جهتها، اعتبرت «رابطة الدول المستقلة»، المكونة من 12 جمهورية سوفييتية سابقة، خطة ترامب «محاولة مليئة بالمخاطر، ترسخ الضم أحادى الجانب».
وانضمت عشرات المنظمات اليهودية الليبرالية البارزة في أنحاء العالم لتحالف دولى واسع ضد «الخطة»، على رأسها «جى ستريت»، و«صندوق إسرائيل الجديد»، و«الشبكة التقدمية الإسرائيلية»، و«حركة السلام البريطانية - ياشاد».. وغيرها من المنظمات اليهودية من أوروبا وجنوب أفريقيا وأستراليا وكندا وأمريكا الوسطى. ودعا التحالف في بيانه المهم «قادة العالم إلى رفض الصفقة أحادية الجانب، والتى ستجعل، حال تنفيذها، احتلال إسرائيل دائمًا وتضفى عليه طابعًا عادلًا زائفًا». وقال التحالف في بيانه: «نحن تحالف متنوع من المنظمات اليهودية والأفراد من مجتمعات العالم نرفض صفقة ترامب أحادية الجانب التى تعطى إسرائيل الضوء الأخضر لضم الأرض الفلسطينية، وتضفى الشرعية على المستوطنات المبنية في انتهاك واضح للقانون الدولي، وتزيل احتمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة». وختم البيان: «إنها خطة سلام بالاسم فقط تديم الاحتلال وتمهد لمزيد من سفك الدماء والصراع. وبوصفنا يهودًا في الشتات، ندعو اليهود في جميع أنحاء العالم وزعماء الدول لرفض هذه الصفقة الوهمية».
ولطالما رفضت إسرائيل تشبيهها بنظام الفصل العنصرى (الآبارتايد)، لكن «خطة ترامب» تدفع نحو جعل الأمر حقيقة على الأرض. وفى مقال لافت، قالت الكاتبة الإسرائيلية عميره هاس: «صفقة القرن خطة تحمل تجاهلًا نموذجيًا للحقائق. وفيها سيادية كولونيالية جديدة.. صفقة تتساوق مع المشروع الكولونيالى الإسرائيلي». وفى ذات السياق، قال ألون ليل، السفير الإسرائيلى لدى جنوب أفريقيا بين عامى 1992 و1994، أثناء انتقالها إلى الديمقراطية: «إنها ليست صفقة، بل خطة طويلة الأمد لنتنياهو بغية ترسيخ سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية بإعطاء سكانها جيوبًا منفصلة دون منحهم حرية حقيقية أو حقوقًا أساسية. وكان هذا هو بالتحديد هدف سياسة البانتوستان القديمة لحكومة جنوب أفريقيا».
نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية.