البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الصناعة ثم الصناعة


لم يستطع محمد على بناء مصر الحديثة في بداية القرن التاسع عشر إلا عندما انتبه إلى أهمية الصناعة كخيار وحيد لبناء مصر كقوة ذات شأن في المنطقة، وهو نفس الأمر الذى انتبه اليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى استطاع أن يبنى قاعدة صناعية ضخمة كانت أداة مصر الناعمة في وسطها الإقليمى والعالمى في فترة الستينيات إلى أن انتكست في السبعينيات بسبب السياسة التى اتبعها السادات في ما سمى بالانفتاح الاقتصادى وما تبعه من سياسات كان آخرها جريمة بيع القطاع العام في تسعينيات القرن الماضي.
واكب هذا ظهور طبقة جديدة من رجال التجارة والاستيراد استطاعت أن تروج لنشاطها بأن الاستيراد أفضل للمستهلك لأن الصناعة المصرية ليست جيدة وأسعار منتجاتها أعلى من أسعار مثيلتها المستوردة من الصين أو تركيا وغيرها.
واكتفى هؤلاء بإعادة تدوير فلسفة «الفهلوة» المصرية باستيراد مكونات المنتجات كاملة من الخارج وإعادة تجميعها في مصر بواسطة أعداد محدودة من العمالة لا تعد على أصابع اليد الواحدة كى يفلتوا من الجمارك والرسوم باعتبار أن عملية ما يسمى بـ«التجميع» هى خطوة أولى نحو التصنيع. وهى خطة ظللنا أرى لها لأكثر مما يجب..لأنها ببساطة لم تكن خطوة نحو التصنيع لكنها كانت خطوة تقى من دفع الجمارك والتحلل من الالتزامات المالية نحو الدولة والشعب.!
وتم وقف صناعات ثقيلة مهمة لصالح هؤلاء المستوردين أو «المجمعين». الذين يصفون أنفسهم بالمصنعين!. ومن الصناعات التى تم وقفها صناعة السيارات التى كانت مصر قد قطعت شوطا كبيرا فيها من خلال شركة النصر لصناعة السيارات التى أنتجت سيارات نقل وأتوبيسات للنقل الجماعى وسيارات الملاكي.
واستطاعت العصابات التى تروج لهذا الاتجاه أن تقنع أصحاب القرار في الثمانينيات والتسعينيات بأن مصر لن تستطيع مجاراة العالم في صناعة السيارات التى تشهد تطورا تكنولوجيا سريعا، ليس في قدرة مصر على تحقيق أى سبق فيه وبالتالى ليس أمامها سوى استيرادها أو تجميعها إن أمكن مشيرين إلى أن الاعتماد على السوق المصرية وحده أو حتى السوق العربية لن يستطيع أن يساعد في تنمية هذه الصناعة في مصر.
في الوقت نفسه استطاعت دولة المغرب الشقيقة التى لم تكن تتمتع ببنية تحتية في صناعة السيارات كتلك التى كانت تملكها مصر منذ أكثر من نصف قرن في تأسيس عدد كبير من مصانع السيارات في أرضها وتصدرها إلى مصر فيما بعد وتغرق الأسواق المصرية بالسيارات المغربية، التى استفادت من قوانين الجمارك العربية التى تلغى الرسوم الجمركية على المنتجات المصنعة في أى دولة عربية.
وأصبحت مصر هى السوق الأولى لصناعة السيارات المغربية التى أصبحت الآن تكتسح أسواق كل بلاد العرب وتطورت صناعة السيارات المغربية بسرعة هائلة فأصبحت هناك سيارة مغربية كاملة أو شبه كاملة فضلا عن ماركات فرنسية وإيطالية وغيرها يتم تصنيعها بالكامل في المغرب وتجد لنفسها سوقا رائجة في الدول العربية نظرا لرخص أسعارها عن مثيلتها الأوربية أو اليابانية أو الكورية أو حتى الصينية. نظرا لاستفادة تلك الصناعة من مزايا جمركية عديدة ورخص أسعار القوى العاملة ورخص النقل نظرا لقرب المسافة عن تلك المستوردة من دول شرق آسيا.
واستطاعت المغرب في غضون سنوات قليلة توطين صناعة السيارات في أراضيها مستفيدة من المزايا التى أشرنا إليها وتسعى الآن إلى توطين العديد من الماركات العالمية التى تحظى بإقبال كبير من جانب المستهلك العربى الذى يهمه أيضا السعر المنخفض الذى تتمتع به هذه السيارات المغربية. ولدى الشقيقة المغرب الآن خطة تصنيع مليون سيارة سنويا بعد أن كانت خطتها تصنيع كل يوم سيارة.
أثار هذه الشجون قيام المصانع الحربية بتصنيع لودر مصرى بدرجة تصنيع ١٠٠٪ وهو خبر أسعد الكثيرين من الوطنيين ولكنه لم يجد إعلاما يروج له حتى الآن، كما لم يجد الموبايل المصرى «سيكو سيكو» فرصة لترويجه أيضا. كأن هناك من يريدون قتل الروح الوطنية التى تريد أن تنقل مصر من قاع المستهلكين إلى موقع المنتجين.
ويبدو أن من اختار اسم الموبايل المصرى «سيكو سيكو» كان من بين هؤلاء الذين يريدون بالصناعة الوليدة شرا وكان الاسم فقط سببا رئيسيا لفشل المنتج وأصبح مادة للسخرية تجعل أى وطنى شريف يرفض أن يحمل جهازا بهذا الاسم الذى لا يخلو من مدلول سلبى لدى العامة المصرية. رغم أن الجهاز لا يقل جودة عن مثيله الهندى أو الصينى الذى يحمله ملايين المصريين كما أن سعره ليس الأعلى ولكن فقط اسمه كان عائقا وما زال أمام ترويجه وانتشاره.
مصر بحاجة إلى مخلصين يبنون مصانعها من جديد لأن الفئة التى اعتادت مص دماء المصرييين منذ سبعينيات القرن الماضى ما زالت «تحمل الشر لمصر» وما زالت أجنحتها في الحكم ومراكز إصدار القرارات تعمل بخسة وخبث في تراجع مصر اقتصاديا ولا يهمها إلا أن تكنز ثرواتها الحرام بلا أى ضمير. هؤلاء هم أشر أنواع البشر لأنهم لا يشبعون من مال حرام وإن أتخموا بالمليارات.
لذلك فإننا بحاجة إلى بطانة مخلصة تنقد عندما ترى الخطأ بغرض تصحيحه وتنصح وتوجه عندما ترى عوارا يجب معالجته.. نحن بحاجة إلى من يضىء مسارب حياتنا ويضع مصباحا يضىء لنا لا من يصنع لنا سرابا يوهم أعيننا بغير الحقيقة.