البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

تعرف على قصة لوحة "إيماءة يوحنا"

البوابة نيوز

الصورة الشائعة عن يوحنّا المعمدان، كما تعكسها الأدبيات المسيحية، هى صورة رجل بسيط ومتقشّف قضى معظم حياته في الصحراء يسابق الحيوانات البرّية ويتغذّى على الجراد والعسل.
ولكن ليوناردو دافنشى يرسم الرجل بطريقة مدهشة وصادمة، كما أن صورته هنا مختلفة كليّا عن بقيّة الأعمال الفنية التى تناولت هذه الشخصية.
دافنشى يرسم يوحنّا المعمدان في الصحراء بشعر مجعّد وهو يرتدى جلود الحيوانات ويبتسم بطريقة غريبة تذكّر إلى حدّ ما بأشهر لوحات دافنشى «الموناليزا»، وفى يد الرجل اليسرى ثمّة قضيب حديدى في نهايته صليب.
بعض مؤرّخى الفنّ يعتقدون أن الصليب وجلد الحيوان أضيفا إلى اللوحة في مرحلة تالية من قبل رسّام آخر.
في اللوحة يظهر القدّيس وقد أضاءه نور من مصدر خارج اللوحة، بينما تخلع الظلال الرقيقة على بشرته مظهرا ناعما ورقيقا. وقد عمد ليوناردو إلى وضع الشخصية في الظلال لتكثيف الإحساس بعزلته عن العالم الحقيقى والتأكيد على ارتباطه بالسماء.
غير أن أهمّ ملمح في هذه اللوحة هو حركة إصبع القدّيس المشيرة إلى السماء.
هذه الجزئية طالما أثارت جدلا واسعا بين أوساط المؤرّخين ونقاد الفنّ وأصبحت لكثرة الحديث عنها وغموض معناها تُسمّى «إيماءة يوحنّا»، والبعض قالوا أن ليس هناك من دلالة دينية للإصبع المرفوع، والبعض الآخر ذهبوا إلى أن الإصبع هى علامة على مجيء المسيح، بينما قال آخرون إن ليوناردو كان يشير إلى أن القوانين التى تحكم الأرض هى نفسها التى تحكم السماء.
وأيّا ما كان المعنى الكامن وراء الإصبع المرفوع في الصورة، فإن هذه الإيماءة استُنسخت عديدا من المرّات من قبل فنّانين كثر جاءوا بعد دافنشي.
بعض مؤرّخى الحركات السرّية يقولون إن ليوناردو كان ساحرا، كما تردّد في بعض الأوقات انه كان زعيما لإحدى الجمعيات السرّية بعد أن تسلّم هذا المنصب من سيّده السابق.
وهناك أيضا من يشير إلى تأثير نوعية التعليم الذى تلقاه الرسّام في فلورنسا خلال عصر النهضة الذى ترافق مع تجدّد الاهتمام بالأفكار الأفلاطونية وبالكيمياء القديمة التى تؤكّد على دور السحر وبعض الإشارات والحركات الطقوسية، ومثل هذه المقولات تظلّ مجرّد تكهّنات في غياب أدلّة واضحة تؤكّدها أو تنفيها.
وهناك احتمال بأن أحدا لم يكلّف دافنشى برسم هذه اللوحة، بل قد يكون رسمها لدواعى المتعة الشخصية فحسب، وهى كانت إحدى ثلاث لوحات احتفظ بها حتى نهايات حياته.
لوحة يوحنّا المعمدان كثيرا ما أثارت ردود فعل معادية بسبب طريقة تناولها للموضوع. وأحد الأشياء المزعجة فيها هو أن ملامح القدّيس تبدو أندروجينية أو خنثوية إلى حدّ ما. وقد عُرف عن ليوناردو رسم مثل هذه الأشكال في لوحاته.
وقيل إن في هذا تماهيًا مع بعض أفكار الكيمياء القديمة التى تقول بامتزاج الجنسين بحيث يسموان فوق نموذج ثنائية الذكر والأنثى.
وهناك من قال إن دافنشى أراد بلوحته الإيحاء بأن يوحنّا هو المسيح الحقيقى نفسه، وهو اعتقاد تؤمن به المندائية، وهى جماعة دينية أصلها من العراق، وقد تعرّض أتباع هذه الفرقة على مدى زمن طويل لكثير من الظلم والاضطهاد.
هذه اللوحة ليست أفضل لوحات دافنشى من الناحية الفنّية.
كما أن تأثيره فيها لا يبدو واضحا كثيرا بسبب الشلل الذى أصاب ذراعه اليمنى وتقدّمه في السنّ آنذاك، فضلا عن آثار عمليات الترميم التى أجريت على اللوحة في فترات مختلفة.